الغليفوسات.. كيف تضر أشهر المبيدات العشبية في العالم بصحتنا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

ازداد تردد العديد من الأمراض المزمنة واضطرابات الصحة العقلية لدى المراهقين والشباب خلال العقدين الماضيين في جميع أنحاء العالم، ويرى فريق من الباحثين أن مبيدات الأعشاب في الأماكن الزراعية يمكن أن يكون لها دور في هذا.

مبيدات الأعشاب هي مواد تستخدم للسيطرة على النباتات غير المرغوب فيها، فتقوم بقتل أنواع معينة من الحشائش مع ترك المحصول المرغوب فيه، دون أن يصاب بأذى نسبيا.

صحة المراهقين العقلية

ووفق دراسة صدرت مؤخرا في دورية “إنفيرومنتال هيلث بريسبكتفز” فإن بعضا من مبيدات الأعشاب يمكن بالفعل أن تؤثر في الصحة العقلية للمراهقين.

فحصت الدراسة تركيزات اثنين من مبيدات الأعشاب شائعة الاستخدام، وهما الغليفوسات وحمض 2.4 (ثنائي كلوروفينوكسي أسيتيك)، وطارد الحشرات المسمى “ثنائي إثيل ميتا تولواميد” في عينات بول لـ519 مراهقا تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاما، يعيشون في مقاطعة بيدرو مونكايو الزراعية بدولة الإكوادور، وفي السياق نفسه قام الباحثون بتقييم الأداء السلوكي العصبي للمشاركين.

ولاحظ الباحثون أنه كلما كانت هناك تركيزات مرتفعة من تلك المواد الكيميائية في عينات البول، فإن ذلك يرتبط بدرجات من انخفاض الأداء السلوكي في مجالات الانتباه والتحكم والذاكرة والتعلم واللغة، ترتبط مع نسبة المادة الكيميائية.

ويتم إنتاج مئات المواد الكيميائية الجديدة في السوق كل عام، بمجمل وصل إلى 80 ألف مادة كيميائية تستخدم مبيدات حاليا، ومن ثم هناك حاجة إلى الإنفاق على مزيد من البحث العلمي لفهم أثرها قصير وطويل المدى على جسم الإنسان.

أمراض الكلى

يأتي ذلك في سياق ملاحظات بحثية ازدادت مؤخرا تتعلق بالآثار الجانبية لتلك المواد الكيميائية، فمثلا في المناطق الريفية في سريلانكا، وعلى مدى العقدين الماضيين، أصيب عشرات الآلاف من الأشخاص بالفشل الكلوي لأسباب غير واضحة، وهي حالة سميت بـ”مرض كلوي مزمن غير معروف السبب”، والمشكلة الأكبر أن ما يصل إلى 10% من الأطفال في سريلانكا أظهروا مبكرا أعراضا لتلف الكلى.

وقد ظهرت حالات مماثلة لأمراض الكلى الغامضة في المجتمعات الزراعية الاستوائية حول العالم، بلا سبب واضح، ورجح الباحثون منذ سنوات أن ذلك له علاقة بالمبيدات المستخدمة في الزراعة.

وفي دراسة ميدانية ضخمة للآبار نشرت في 11 أكتوبر/تشرين أول الجاري بدورية “إنفيرومنتال ساينس آند تكنولوجي ليترز”، تبين أن الغليفوسات قد يكون هو المتسبب في تلك الكارثة.

ووفق الباحثين من جامعة ديوك والذين ترأسوا هذه الدراسة، فإن الغليفوسات يمكن أن يمر إلى ماء الشرب، ثم يتفاعل مع أيونات المغنيسيوم والكالسيوم لتشكيل تجمعات معدنية يمكن أن تستمر مدة تصل إلى 7 سنوات.

وقد بينت الدراسة أن الغليفوسات قد يؤدي دورا في الإصابة بأمراض الكلى المزمنة، إذ وجد الباحثون مستويات أعلى بكثير من مبيدات الأعشاب في 44% من الآبار داخل المناطق المتضررة مقابل 8% فقط من تلك الموجودة خارجها.

Farmer are spraying chemicals, glyphosate, chlorpyrifos toxic weed in rice fields.

خطر السرطان

ويعد الغليفوسات أحد أكثر مبيدات الأعشاب شيوعا في العالم، وعادة ما يستخدم مع محاصيل الفاكهة والخضروات والذرة والقطن وفول الصويا وبنجر السكر والقمح وغيرها، وقد اكتشفه الكيميائي الأميركي جون فرانز من شركة مونسانتو عام 1970، ويتميز الغليفوسات بفعاليته للقضاء على الأعشاب الضارة دون الإضرار بالمحاصيل الزراعية، إضافة إلى ثمنه الرخيص.

وفي أحد التقارير الصادرة عن علماء كاليفورنيا ومنظمة الصحة العالمية، تبين أن 43 من أصل 45 منتجا يعتمد على الشوفان تم اختباره يحتوي على هذه المادة، وكانت حبوب الإفطار الشهيرة تحتوي على مستويات أعلى من المتوسط.

لكن التعرض قصير المدى ليس شيئا خطيرا، وتبقى المشكلة في التعرض إليه على المدى الطويل، وهو ما ظهر في حالة الدراسات السالف ذكرها، وهي ليست الوحيدة في هذا النطاق، إذ تشير دراسة -صدرت في مارس/آذار 2023 بقيادة باحثين من كلية الصحة العامة في جامعة كاليفورنيا في بيركلي- إلى أن تعرض الأطفال للغليفوسات يرتبط بالتهاب الكبد واضطراب التمثيل الغذائي في مرحلة البلوغ المبكر، مما قد يؤدي إلى سرطان الكبد والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية في وقت لاحق من الحياة.

وقد أجريت الدراسة على 480 زوجا من الأشخاص (أم وطفل) من وادي ساليناس بولاية كاليفورنيا وهي منطقة زراعية، اهتم الباحثون على نحو خاص بفحص الاستخدام الزراعي للغليفوسات بالقرب من منازل الأمهات في أثناء الحمل، وفي الأطفال حتى سن الخامسة.

وتصنف الوكالة الدولية لأبحاث السرطان الغليفوسات على أنه مادة مسرطنة محتملة للبشر، وهذا لا يعني أنه مسرطن بشكل عام، لكن فقط مع تجاوز النسبة الموصى بها.

جانب من مقاطعة بيدرو مونكايو الزراعية بدولة الإكوادور- الصورة من eurekalert.

جدل بحثي

وما زال الجدل قائما بشأن هذه المادة إلى الآن؛ لأنه مع وجود دراسات مؤيدة لحظرها تماما توجد دراسات أخرى ترجح أنه يمكن استخدامها على نحو آمن.

وفي دول مثل فرنسا وهولندا وبلجيكا، يُحظر استخدام الغليفوسات منزليا، ولكنه ما زال نشطا في مبيدات الأعشاب، وفي ألمانيا تم حظر استخدامه في الأماكن العامة وهناك توجه لفرض حظر كامل في نهاية هذا العام.

وحظرت كل من كولومبيا والسلفادور وسيريلانكا الغليفوسات، ثم ألغت القرار، في حين تعهدت المكسيك بحظر استخدامه بحلول عام 2024، وحاولت الحكومة السريلانكية حظره عام 2015، لكنها ألغت الحكم عام 2021 لعدم وجود أدلة علمية.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *