وضع الباحثون إستراتيجية تهدف لهندسة البعوض جينيا بحيث تؤدي العدوى بالفيروسات الممرضة إلى فقدانه آليات التحمل
توصل باحثون من معهد جونز هوبكنز لأبحاث الملاريا في كلية جونز هوبكنز بلومبرغ للصحة العامة إلى اكتشاف مهم بشأن بعوض الزاعجة المصرية، وهو اكتشاف يمكن أن يؤدي يوما ما إلى طرق أفضل للحد من انتقال حمى الضنك والحمى الصفراء من البعوض إلى الإنسان وفيروس زيكا وغيرها من الفيروسات الضارة والمميتة في بعض الأحيان.
ونشر الباحثون نتائج دراستهم في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” في 18 سبتمبر/أيلول الجاري.
السر في البروتين
لا يستسلم بعوض الزاعجة المصرية للفيروسات عند إصابته ويستمر في التحرك والتغذية بشكل طبيعي، وعلى هذا النحو يمكن للبعوض المصاب أن ينقل حمولاته الفيروسية إلى البشر.
واكتشف الباحثون أن بروتين الزاعجة المصرية المسمى “أرغونوت 2” يلعب دورا رئيسيا -عبر العديد من الآليات البيولوجية- في الحفاظ على صحة البعوض ونشاطه رغم هذه العدوى.
ويمثل هذا الاكتشاف تقدما كبيرا في فهم بيولوجيا البعوض، كما أنه يلمح إلى إستراتيجية تهدف إلى إغلاق دفاعات الزاعجة المصرية عندما تصاب بفيروسات معينة، ومن ثم قتل البعوض وتقليل انتقال تلك الفيروسات بواسطة الزاعجة المصرية للإنسان.
وبدلا من جعل البعوض أكثر مقاومة للفيروسات يفتح هذا الاكتشاف طريقا محتملا لجعل البعوض أكثر عرضة وأقل تحملا للعدوى بالفيروس، مما قد يضعف قدرته على نقل المرض.
يقول كبير مؤلفي الدراسة الأستاذ جورج ديموبولوس في معهد جونز هوبكنز لأبحاث الملاريا “لقد تساءل الباحثون منذ فترة طويلة عن سبب عدم إصابة بعوض الزاعجة المصرية بالمرض عندما يصابون بهذه الفيروسات، النتائج التي توصلنا إليها تحل هذا اللغز بشكل فعال وتقترح إستراتيجية جديدة محتملة لمكافحة الأمراض تعتمد على البعوض، والتي تستحق المزيد من الدراسة”.
الزاعجة المصرية والحمولة الفيروسية
ينقل بعوض الزاعجة المصرية عددا من الفيروسات المسببة للأمراض، منها فيروس حمى الضنك وفيروس الحمى الصفراء وفيروس زيكا وفيروس شيكونغونيا وفيروس مايارو.
وفي كل عام تتسبب تلك الفيروسات في إصابة ملايين الأشخاص حول العالم بالمرض، مما يؤدي إلى قتل عشرات الآلاف، ولا توجد علاجات مضادة لأي من هذه الفيروسات.
وتتمثل طرق مكافحة أمراض الزاعجة المصرية في استخدام المبيدات الحشرية التي حققت نجاحا محدودا.
ويعد بعوض الزاعجة المصرية ناقلا فعالا للفيروسات، لأنه يمكنه تحمل إصابات كبيرة بهذه الفيروسات دون تحمل تكاليف قدرتها الإجمالية على التكاثر، وهي ما يسميها علماء الأحياء “اللياقة البدنية”.
الجين القاتل
في الدراسة الجديدة قام ديموبولوس وفريقه بفحص دور جين “أرغونوت 2″، وهو بروتين يعمل في البعوض كجزء من آلية مهمة مضادة للفيروسات تعرف باسم مسار الحمض النووي الريبي المتداخل الصغير “سيرنا”، والذي يعمل عن طريق التعرف على الحمض النووي الريبي الفيروسي وتدميره.
ووفق البيان الصحفي الصادر عن كلية جون هوبكنز للصحة العامة، فقد وجد الباحثون أنه عند افتقار بعوض الزاعجة المصرية إلى جين “أرغونوت 2” يتعطل مسار الحمض النووي الريبي المتداخل الصغير، وتصبح عدوى الفيروس في البعوض أكثر شدة، وتنخفض قدرة البعوض على نقل هذه الفيروسات بشكل حاد، حيث يمرض ويتغذى بشكل أقل، وغالبا ما يموت في غضون أيام.
وأظهر العلماء أن هذه الزيادة في معدل الوفيات لا ترجع فقط إلى ضعف المسار المضاد للفيروسات، ولكن أيضا إلى عيوب في عمليتين أخريين تعتمدان على “أرغونوت 2″، أولاها إصلاح الحمض النووي، والأخرى عملية إزالة النفايات الأساسية التي تسمى الالتهام الذاتي حيث يترك البعوض الذي يعاني من نقص “أرغونوت 2″، والمعرض للفيروسات مصابا بعدوى مفرطة، وتلف واسع النطاق في الحمض النووي، وتراكم النفايات الجزيئية في خلاياه المحتضرة.
إستراتيجية لمكافحة الأمراض
وبصرف النظر عن إلقاء الضوء على جانب مهم من بيولوجيا الزاعجة المصرية تشير النتائج إلى إستراتيجية جديدة محتملة لمكافحة الأمراض الفيروسية.
وتهدف هذه الإستراتيجية إلى هندسة البعوض، إذ تؤدي العدوى بالفيروسات الممرضة إلى فقدان آليات التحمل، ربما عن طريق تثبيط “أرغونوت 2” في الزاعجة المصرية الحاملة للفيروسات، وبالتالي فإن البعوض لا يلبث أن يموت سريعا، في حين أن العدد الأكبر بكثير من البعوض غير الحامل للفيروسات الممرضة لا يتأثر.
ويقول ديموبولوس “إن بيولوجيا قابلية البعوض وتحمله العدوى هي مجال مثير للاهتمام لاستكشاف مسببات الأمراض الأخرى أيضا، على سبيل المثال ربما يمكن تعديل البعوض الذي ينقل طفيليات الملاريا ليصبح مريضا ويستسلم للعدوى”.
ويقوم ديموبولوس ومجموعته البحثية الآن باستكشاف الطرق الممكنة لهندسة الزاعجة المصرية لاختبار هذه الإستراتيجية الجديدة المحتملة لمكافحة الأمراض.