شهد قطاع الألعاب الإلكترونية تطورًا واسعًا في السنوات الماضية بدءًا من ارتفاع مستوى الألعاب وحتى بزوغ الرياضات الإلكترونية وتحولها إلى مصدر دخل للكثير من الأفراد والنوادي الرياضية، ورغم هذا، مازال قطاع الألعاب لا يؤخذ بالجدية الكافية في دول المنطقة العربية.
عند الحديث عن الآثار الاقتصادية الواسعة للألعاب، فإن أول ما يتبادر للذهن هو الرياضات الإلكترونية والدور الذي تتخذه في دعم الاقتصاد الفردي وتحقيق أرباح واسعة لأبطالها، وعلى عكس المتوقع، فإن الألعاب التقليدية تمثل فرصة نمو اقتصادي واسعة للأفراد والدول على حد سواء.
في السنوات العشرة الماضية، كانت لعبة جي تي إيه 5 (GTA 5) المنتج الترفيهي الأكثر ربحية في العالم، إذ تجاوزت أرباحها 3 أضعاف تكاليفها محققةً أكثر من 6 مليارات دولار بتكلفة لم تتجاوز 260 مليون دولار، ومازالت هذه الأرقام مستمرة في الازدياد.
أثر اقتصادي مباشر
تحظى الألعاب الإلكترونية بشعبية واسعة في مختلف بقاع الأرض، وهي من المنتجات الترفيهية التي يستمر بيعها لسنوات طويلة بعد صدورها دون الحاجة إلى الإنفاق عليها مجددًا، إذ يمكن الاكتفاء بالإنفاق على تطوير اللعبة لمرة واحدة وربما معالجة بعض الأخطاء والتطوير عليها لاحقًا.
في أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدر موقع أميريكان جيمينغ (American Gaming) المتخصص بدراسات قطاع الألعاب دراسة حول دور الألعاب الإلكترونية في تنمية الاقتصاد الأميركي منذ عام 2018 حتى وقت الدراسة، ومن خلال هذه الدراسة تبين التالي:
- ساهمت الألعاب في دعم الاقتصاد الأميركي بمقدار 329 مليار دولار خلقت الألعاب أكثر من 1.8 مليون وظيفة جديدة بأجور تجاوزت 104 مليارات دولار.
- شاركت الألعاب في الضرائب المحلية المختلفة بمقدار 66.5 مليار دولار.
لم يكن الدور الذي اتخذته الألعاب الإلكترونية حكرًا على الاقتصاد الأميركي فقط -رغم وضوح الأثر؛ بفضل حجم تجارة الألعاب والشركات الأميركية العاملة بها-، ولكن العديد من الدول الأخرى بدأت تهتم بقطاع الألعاب طمعًا في تحقيق تنمية اقتصادية مماثلة.
الحكومة الألمانية كانت من أبرز المهتمين بهذا القطاع، إذ سعت إلى دعم قطاع تطوير الألعاب والاستثمار فيه بشكل مباشر طمعًا في إصدار المزيد من الألعاب الناجحة ومحاكاة نجاح لعبة بولدر غيت 3 ( Baldur’s Gate 3) التي حازت على عدة جوائز نقدية بارزة رغم أنها لم تحقق النجاح التجاري المنتظر لكونها لعبة موجهة إلى طائفة بعينها من اللاعبين.
الحكومة الفرنسية اهتمت أيضًا بدعم قطاع الألعاب الخاص بها، وذلك عبر عدة منح فدرالية إلى شركات تطوير الألعاب البارزة مثل يوبي سوفت (Ubisoft) التي تمتلك عدة عناوين ناجحة للغاية من ضمنها سلسلة أساسنز كريد (Assassin’s Creed) فضلًا عن أستوديو آركين (Arkane) صاحب سلسلة ديس هونورد (Dishonored) وكوانتك دريم (Quantic Dream) ذي الألعاب الناجحة مثل هيفي رين (heavy Rain) و ديترويت بيكوم هيومين (Detroit Become Human).
وبحسب البوابة الحكومية الفرنسية، فإن حكومة فرنسا تقدم إعفاءً ضريبيًا على شركات تطوير الألعاب حتى 30% من قيمة الضرائب، وقد وصلت قيمة هذه الإعفاءات في عام 2019 إلى 53 مليون يورو، فضلًا عن صناديق دعم تطوير الألعاب وتقنيات بناء الألعاب.
أكثر من مجرد أثر اقتصادي
لا يمكن قصر الدور الذي تتخذه الألعاب على الدور الاقتصادي فقط، بل إنها تساهم بشكل مباشر في بناء الصورة العالمية عن الثقافات المحلية وقد تساهم أيضًا في جذب السياحة إلى المناطق المقدمة في الألعاب، وذلك مثلما حدث مع لعبة ويتشر 3 (The Witcher 3) التي تحولت إلى قصة نجاح عالمية وساهمت في جذب الأنظار إلى بولندا فضلًا عن إنعاش اقتصادها حتى أصبحت تعرف بجنة مطوري الألعاب في أوروبا.
يتكرر الأمر ذاته مع أوكرانيا التي قدمت سلسلة ألعاب ميترو (Metro 2033) فضلًا عن عدة ألعاب أخرى كان لها دور كبير في إنعاش الاقتصاد الأوكراني وجذب الأنظار إليه ليصبح أحد أهم القطاعات الاقتصادية في الدولة.
خطوات في اتجاه صحيح
بدأت دول المنطقة العربية في الاهتمام بقطاع الألعاب داخلها في السنوات الماضية بشكل تدريجي مع ظهور عدد من الأستوديوهات الناجحة مثل طمطم جيمز (Tamtam Games) المختص بتطوير ألعاب الهواتف المحمولة تحديدًا.
كما بدأت الحكومات تتخذ خطوات سريعة لدعم هذا القطاع وربما كان أبرزها مبادرة حكومة السعودية لبناء أستديوهات الألعاب وتأسيسها لمجموعة سافي لتطوير الألعاب مع ميزانية كبيرة في محاولة لدعم تطوير الألعاب العربية والأستوديوهات العربية بشكل عام.
ولا يسعنا إلا الانتظار حتى نرى جهود المنطقة في تطوير الألعاب والوصول إلى الساحة العالمية في وقت قياسي واللحاق بالركب العالمي في هذا القطاع.