في عام 1998، نشر الروائي الفرنسي ديدييه دانيكس كتابًا بعنوان “كانيبال” أو “آكلي لحوم البشر”، استنادًا إلى المعرض الاستعماري لعام 1931 في باريس، والذي عرض فيه مجموعة أشخاص من قبائل الكاناك (السكان الأصليون لجزيرة كاليدونيا الجديدة، إقليم فرنسي في المحيط الهادي)، وضعوا خلف القضبان في حديقة بشرية وأجبروا على أكل اللحوم النيئة وأداء رقصات وحشية من أجل تسلية آلاف المتفرجين في باريس.
وفي سياق بحثه، عثر دانيكس على صورة مذهلة لمجموعة من الرجال، وكان أحدهم يشبه إلى حد كبير كريستيان كاريمبو اللاعب السابق وبطل العالم عام 1998 مع منتخب فرنسا لكرة القدم.
كتب دانيكس إلى كاريمبو يسأله عما إذا كانت الصورة تعني شيئا بالنسبة له. وبعد عدة أشهر، تلقى ردا من اللاعب يفيد بأن الرجال المعنيين هم جده الأكبر ويلي كاريمبو، وعدد من إخوته، وقد تم بيع البعض منهم إلى حديقة حيوانات في فايمار بألمانيا، واستبدال عدد من التماسيح بها.
تزامن نشر كتاب “كانيبال” مع تتويج فرنسا لأول مرة في تاريخها بلقب كأس العالم لكرة القدم بعد الفوز على البرازيل بثلاثية نظيفة، وتحولت يومها شوارع فرنسا لساحات فرح وابتهاج وخرج الآلاف للاحتفال مرددين أسماء نجوم المنتخب الذين أخذوا المنتخب إلى القمة، من بينهم زين الدين زيدان، ويوري دجوركاييف، وديديه ديشامب وكريستيان كاريمبو حفيد آكلي لحوم البشر الذين لم يكونوا كذلك قط، بحسب تصريحات اللاعب.
كاريمبو.. “الرجل الغاضب”
كاريمبو كان جزءًا من قائمة الديوك المتوجة بلقب المونديال لكنه كان يرفض دوما أداء السلام الوطني الفرنسي أو ما يعرف بـ”لامارسييز” قبل المباريات، وهو ما ولّد غضبا في صفوف الفرنسيين في حين اعتبر الأمر في كاليدونيا الجديدة نوعا من التمرد.
ويقول اللاعب “ارتديت قميص “الزرق” بالكثير من الفخر. لكنني لم أنس أنه كان من الممكن أن أموت عندما كان عمري 15 أو 16 عاما. ذهبت إلى مظاهرات طلابية حيث قتل بعضهم برصاصات طائشة.. كان من الممكن أن أكون أنا. كان من الصعب الدفاع عن فرنسا بفخر كبير وتمثيل بلد قتل العائلة والأصدقاء.
على الرغم من نجاحه على أعلى المستويات ظل كاريمبو أي “الرجل الغاضب” بحسب اللغة المحلية في كاناك، واعيا بكل جوانب هويته الفرنسية والكاناكية وكان عدم ترديده لكلمات النشيد الفرنسي طريقة لإبراز معاناة بلده الأصلي في نهاية القرن الـ20.
واعترف لاعب ريال مدريد السابق في عمود كتبه في صحيفة لوموند الفرنسية “لقد مرت عائلتي، مثل العديد من عائلات الكاناك، بتجارب مروعة.. لا أستطيع أن أغني النشيد الفرنسي لأنني أعرف تاريخ شعبي”.
تذكير باضطهاد أسلافه
يحفظ لاعب وسط السابق لنانت الفرنسي وسمبدوريا الإيطالي وأولمبياكوس اليوناني وميدلزبره الإنجليزي عن ظهر قلب النشيد الفرنسي لكنه فضّل الصمت خلال المباريات انتصارا لقضية بلده الأصل وشكلا من أشكال التذكير باضطهاد أسلافه، ولكي يعرف الجميع من هم قبائل الكاناك، وبسبب موقفه تعرض لانتقادات كبيرة من الإعلاميين والسياسيين الفرنسييين من بينهم جان ماري لوبان.
قال لوبان، سياسي الجبهة الوطنية، في عام 1996 “أرى أن اللاعبين من الفرق الأخرى يغنون نشيدهم الوطني بكل إخلاص، في حين أن معظم لاعبي الفريق الفرنسي لا يغنون أو لا يبدو أنهم يعرفون الكلمات.. أجد أنه من المصطنع بعض الشيء أن نتعاقد مع لاعبين من الخارج وأن نسميهم “الفريق الفرنسي”.
ربما كان موقف كاريمبو غريبا بعض الشيء، لأن صمته خلال النشيد الوطني بني على موقف سياسي، إلا أنه منذ عدة سنوات، كانت مسألة غناء النشيد موضوعا حساسا وأداة لقياس درجة وطنية اللاعبين، وقد تعرض نجوم سابقون للهجوم والنقد اللاذع، وأبرزهم ميشال بلاتيني ولوران بلان وديديه ديشان وإيريك كونتونا ونيكولا أنيلكا وكريم بنزيمة.