يقترب ليفربول من الإعلان الرسمي عن تولي المدرب الهولندي آرني سلوت (45 عاما) تدريب الفريق في الموسم المقبل، خلفا للألماني يورغن كلوب، الذي أسدل الستار على 9 مواسم متتالية ناجحة بكل المقاييس أعادت الفريق إلى الواجهة من جديد، على المستوى الفني والنتائج والألقاب. والسؤال الذي يطرح نفسه حاليا، ما مدى إمكانية محاكاة سلوت لتجربة كلوب، أو بالأحرى الحفاظ على إرثه الثمين في ليفربول؟
في الحقيقة، لا يمكن التنبؤ بمآل خطوات سلوت مع ليفربول، قياسا بتجارب المدربين الهولنديين السابقة في إنجلترا، التي اعترى أغلبها الفشل أو التواضع، بداية من أول تجربة لرود خولييت في منتصف التسعينيات، وصولا إلى تين هاغ حاليا مع مانشستر يونايتد. لكن لكل مقام مقال، وربما جاء سلوت لتحطيم هذا التابوت.
يبدو أن كلوب متفائل حيال خليفته المحتمل، حيث قال لوسائل الإعلام في هذا الصدد: “إن كان حقا سلوت من سيتولى التدريب بعدي، فأنا معجب بهذه الخطوة. أحب طريقته في كرة القدم، كما أنه رجل جيد ومدرب جيد، أنا أكثر من سعيد”.
مهمة سلوت ستكون ملغمة بعدة عراقيل، أولها أنه سيقحم نفسه مباشرة في صراع مع اثنين من أفضل المدربين في العالم، وهما الإسبانيان بيب غوارديولا من مانشستر سيتي ومايكل أرتيتا من أرسنال. فكرة مقارعة هذين الاثنين في أوج مسيرتيهما تبدو مضاربة شجاعة للغاية، وما يزيد مهمة سلوت تعقيدا، الهاجس النفسي حيال الفشل المتكرر للمدربين الهولنديين بإنجلترا، إذ لم يسبق مطلقا لأي مدرب من بلاد “الأراضي المنخفضة” أن حصد لقب الدوري الإنجليزي.
تجارب متواضعة في إنجلترا
يمكن القول إن الدوري الإنجليزي كان الصخرة التي تحطمت عليها أفكار المدرب الهولندي دائما، فبعد أن حقق نجاحات محلية رائدة مع أياكس وآيندهوفن وغيرهما، ظهر بوجه شاحب في المسابقة الإنجليزية، بل أسوأ من ذلك، وانتهى بهم المطاف مقالين بنتائج كارثية، وأبرزهم لويس فان خال وديك أدفوكات وفرانك دي بور وغوس هيدينك.
قد تبدو تلك الإحصاءات صادمة، إذ إن أغلب المدربين الهولنديين لم يتعدوا نسبة انتصارات 40% في مسيرتهم بالبريميرليغ، فحقق رود خولييت -أول مدرب هولندي بإنجلترا- نسبة انتصارات بلغت 39% في مسيرته مع تشلسي ونيوكاسل من 104 مباريات إجمالا، في حين حقق مارتن يول 37% مع توتنهام وفولهام، وكانت نسبة رينيه مولنستن كارثية بـ23% مع فولهام، لكنها ليست أقل من ديك أدفوكات الذي انتصر فيما نسبته 18% عام 2015 مع سندرلاند. أما الأسوأ على الإطلاق هو فرانك دي بور الذي أقيل بعد 4 مباريات فقط مع كريستال بالاس، بتلقيه 4 هزائم من دون تسجيل أي هدف عام 2017.
Today in 2️⃣0️⃣1️⃣7️⃣:
Frank de Boer was sacked by @CPFC after four successive Premier League defeats. He had been in charge at Selhurst Park for just 77 days. pic.twitter.com/WyQUnPxAYC
— PA Dugout (@PAdugout) September 11, 2018
ومع أن فان غال قد حقق كأس الاتحاد الإنجليزي مع مانشستر يونايتد عام 2016، فقد عانى بوضوح في فرض أسلوبه ونهجه التكتيكي، وخلق عداء غير متناه مع الجماهير، ووصفت مسيرته مع الشياطين الحمر بين 2014 و2016 بالفاشلة، حيث أقيل في نهاية المطاف بعد أن أخفق في حجز أحد المراكز الأربعة الأولى المؤهلة إلى دوري أبطال أوروبا خلال موسميه مع النادي.
المدرب الهولندي في الخارج ولكن..
بالكاد يمكن تذكر نجاحات ملموسة أو بصمة واضحة للمدربين الهولنديين -خارج هولندا- على مستوى الدوريات الأوروبية الكبرى، فبخلاف أنه لم يحقق أيا منهم لقب الدوري الإنجليزي عبر التاريخ، فقد فشلوا أيضا في إحراز لقب الدوريين الإيطالي والفرنسي، في حين حصد مدرب واحد فقط لقب الدوري الألماني وهو فان خال مع بايرن ميونخ موسم (2009-2010).
يستثنى الدوري الإسباني من هذه القاعدة، فالإنجازات الحقيقية للمدرب الهولندي في كرة القدم الأوروبية، اقتصرت على حقل الليغا، تحديدا مع فريق برشلونة، حيث تذوق يوهان كرويف ولويس فان خال وفرانك رايكارد طعم البطولات المحلية والقارية مع البلوغرانا فيما يمكن تفسيره بالارتباط الوثيق بين الكرة الشاملة التي طبقها كرويف بالتسعينيات في النادي، والمدربين الهولنديين الذين ساروا على نهجه واختاروا صف برشلونة بعد ذلك.
في دوري أبطال أوروبا، حقق مدرب هولندي واحد فقط الكأس منذ بداية الألفية الجديدة من أصل 24 نسخة، وهو فرانك رايكارد مع برشلونة عام 2006، ومقارنة بالمدرسة الإسبانية أو الألمانية أو الإيطالية التي حققت نجاحات باهرة في تلك الفترة بالمسابقة، فإن المدرب الهولندي لا يزال في ركب المتأخرين.
أوجه تشابه بين كلوب وسلوت
تماما مثل كلوب، لم يكن سلوت لاعبا مميزا أبدا، واقتصرت مسيرته على أندية متواضعة قبل أن يعتزل عام 2013. وعلى المستوى الإنساني يبدو مشابها لكلوب كثيرا، فقد قال عنه زميله السابق في فريق بريدا، علي بوصابون في مقابلة مع يومية غارديان البريطانية: “لم أسمعه يشتم قط، لم يقل حتى كلمة “اللعنة”. ضبط النفس الذي حظى به، جعلني أرى فيه مدربا كبيرا في المستقبل”.
بدأ سلوت التدريب قبل 5 سنوات فقط، ومع ذلك صنع سمعة لها صدى واضح في عموم أوروبا، وأكثر ما يمكن ملاحظته أنه مدرب مهووس بالتفاصيل والهيمنة وفكرة الكمال، يتسم بالهدوء والصبر، قليل الانغماس في الصدامات مع لاعبيه، وصديق جيد للصحافة، يستمع للأسئلة ويجيب بوضوح، وهي مواصفات مشتركة مع كلوب أيضا.
ماذا تعرف عن أسلوب لعب سلوت؟
ينتهج سلوت كرة قدم هجومية بحتة والهدف دائما خلق أكبر عدد من الفرص، بالرسم التكتيكي (4-2-3-1) ومشتقاته، إذ يهيمن على الخصم من خلال الاستحواذ بنسبة 63% متوسط استحواذه هذا الموسم- وخنقه في مناطقه عبر تطبيق الضغط العالي.
في الموسم الماضي كان متوسط قطع فاينورد للكرات في الثلث الأول من الملعب 7.8 مرات كل مباراة وهو الثاني على مستوى أوروبا، أما في الموسم الحالي فهو الثالث بعد مانشستر سيتي وبنفيكا بواقع 6.9، هذه الأرقام تعكس مدى وحشية لاعبي سلوت في الضغط العالي.
تأثر سلوت بوضوح بأفكار غوارديولا وكلوب ودي زيربي، فكثيرا ما يشاهد مقاطع فيديو لمانشستر سيتي ويعرضها في غرف خلع الملابس للاعبيه، عن كيفية تطبيق الضغط وخلق المساحات والهجوم العكسي.
عندما ترى فاينورد في الملعب لا تشعر باختلاف كبير عن مانشستر سيتي بالفعل، تشابه واضح في الانتشار والضغط والتمريرات الكاسرة للخطوط في عمق الملعب، وحتى طريقة تناقل الكرة بين خط الدفاع، ومساهمة حارس المرمى في بناء اللعب.
في بعض الأحيان يلعب الظهيران بشراسة على الخط لتوزيع الكرات إلى المهاجمين، في أسلوب أشبه بما دأب عليه أرنولد وروبرتسون قبل سنوات. كما يميل سلوت أيضا إلى حيلة المساحة الوهمية، حيث يعتمد على تكتل اللعب في جهة واحدة بأكبر عدد من لاعبيه، قبل أن يحول اللعب بسرعة إلى الجهة المقابلة في المساحة الفارغة.
يؤمن أسطورة كرة القدم الهولندي ماركو فان باستن بأن سلوت سينجح حال انتقل إلى فريق أوروبي كبير، وقال: “إذا جعلت أندية مثل فاينورد تلعب كرة قدم رائعة، فبإمكانك فعلها مع الفرق الكبرى، أعتقد أن سلوت ذكي بما فيه الكفاية لفعل ذلك”. أما البرتغالي جوزيه مورينيو، فقد اختصر قائل عنه “إنه مدرب كبير بالفعل”.
هل يصبح سلوت أعظم مدرب هولندي في تاريخ إنجلترا؟
في الحقيقة يحتاج سلوت فقط لإحراز لقب الدوري الإنجليزي ليصبح أول وأعظم مدرب هولندي في تاريخ إنجلترا، وهي مهمة أخفق فيها أباطرة التدريب قبله أمثال فان خال وهيدينك. وبالمناسبة فإن الألقاب ليست غريبة على ذاكرة سلوت، فقد حقق لقب الدوري الهولندي مع فاينورد الموسم الماضي، في حين حصد الكأس هذا الموسم، وفي عام 2022 وصل إلى نهائي دوري المؤتمر الأوروبي قبل الخسارة من روما.
الميزة الإضافية لسلوت مع ليفربول أنه لن يستغرق وقتا لبناء الفريق من جديد أو فيما يعرف بـ”الفترة الانتقالية”، فالفريق بالفعل يحظى بلاعبين ذوي خبرات قوية، ما معناه أن ليفربول سينافس مباشرة على الألقاب ولن يستغرق وقتا مثل بوستيكوغلو مع توتنهام مثلا.