ليست هذه المرة الأولى في الموسم الحالي التي تملأ فيها صيحات الاستهجان مدرجات ملعب أولد ترافورد، ولكنها كانت أكثر وضوحا خلال هزيمة مانشستر يونايتد أمام نيوكاسل في كأس الرابطة الإنجليزية لكرة القدم، بنتيجة ثقيلة صفر-3 في عقر داره.
لقد تعالت مثل هذه الصيحات في أوقات كثيرة هذا الموسم، ولكن الجديد هو جيوب المقاعد الحمراء الفارغة التي أخذت تتسع شيئا فشيئا مع مرور الوقت، وما إن وصلت الدقيقة 80 من مباراة “مان يونايتد” أمام نيوكاسل حتى غدت مساحات واسعة وضخمة تغطي نصف الملعب تقريبا. لقد رأى عديد من المشجعين ما يكفي من التراجع والهزيمة، وكانت مغادرتهم مبكرا تدلل على أن البداية البائسة لمانشستر يونايتد هذا الموسم قد دخلت مرحلة جديدة.
حقق فريق “الشياطين الحمر” أسوأ بداية له هذا الموسم، حيث يقبع في المركز الثامن برصيد 15 نقطة بعد انتهاء الجولة العاشرة من الدوري. وفي الحقيقة، فإنها البداية الأسوأ له على الإطلاق منذ موسم عام 1986-1987، كما خرج من كأس الرابطة بعد خسارة مهينة أمام نيوكاسل، أما وضعه في دوري أبطال أوروبا فأسوأ، إذ يبدو مهددا بالخروج مبكرا من المسابقة، وليس أدل على ذلك من هزيمته في أولد ترافورد أيضا أمام فريق غلطة سراي التركي.
تعليق إريك تن هاج عقب المباراة.#يونايتد || #كأس_كاراباو pic.twitter.com/VjwpM18jqU
— مانشستر يونايتد (@ManUtd_AR) November 1, 2023
ما أسباب النتائج السيئة ومن يتحمل المسؤولية؟
إذا كان هناك فرق بين الهزائم التي جاءت في وقت سابق من هذا الموسم والهزيمتين الأخيرتين المتتاليتين خلال 4 أيام فقط صفر-3 (أولا أمام مانشستر سيتي، ثم أمام نيوكاسل يونايتد) فهو فرق ذهني، وهذا يقودنا للتدقيق في أداء الفريق ككل، بما في ذلك اللاعبون والمالكون والمدير الفني.
قبل الدخول إلى التفاصيل، لنستمع إلى بيب غوارديولا المدير الفني لفريق مانشستر سيتي وهو يحدد بدقة -من دون أن يقصد- المشكلة التي يعانيها الشياطين الحمر، وذلك في معرض تعليقه على فوز فريقه المؤزر على اليونايتد في ديربي مانشستر مؤخرا.
ففي المؤتمر الصحفي بعد المباراة، سُئل غوارديولا عن الفارق بين الناديين، وكانت إجابته كاشفة، إذ أكد الكتالوني “الوحدة” الموجودة خلف الكواليس في مانشستر سيتي. ولم يذكر غوارديولا بشكل صريح أن اليونايتد لا يتمتع بهذه الصفة، ولكن الإجابة كانت واضحة، مشيرا بشكل لا لبس فيه إلى أن الرئيس والمدير التنفيذي والمدير الفني واللاعبين يسيرون جميعا في الاتجاه نفسه في “السيتيزن”. فيا تُرى، هل يتمتع مانشستر يونايتد بمثل هذه الوحدة؟ لندخل قليلا في التفاصيل.
أزمة تين هاغ
انس أمر الدفاع عن “كأس كاراباو” في تكرار لنهائي ويمبلي الموسم الماضي، وهو الحدث الأبرز بلا منازع في العام الأول لإريك تين هاغ في قيادة الفريق. كان المدير الفني ليونايتد بحاجة إلى رد إيجابي بعد الخسائر الأخيرة، وبدلا من ذلك، خسر الفريق مباراتين متتاليتين على أرضه بـ3 أهداف للمرة الأولى في حياة المدرب البالغ من العمر 53 عاما.
هناك كثير من العوامل المخففة للكارثة لصالح تين هاغ، ومنها أزمة إصابات لا هوادة فيها ولا ترحم، وعديد من الخلافات والمشاكل خارج الملعب، وعدم اليقين بشأن القضية الأساسية المتمثلة في ملكية النادي المعروض للبيع منذ عدة أشهر.
ℹ️ سيغيب @Casemiro عن #يونايتد لعدة أسابيع بسبب الإصابة.
— مانشستر يونايتد (@ManUtd_AR) November 3, 2023
كان المدرب مترددا في الإشارة إلى أي من هذه العقبات لتكون ذريعة، فهو يعلم أنه سيتم الحكم عليه بناء على النتائج، وأنه يجب عليه تقديمها باستمرار في نادٍ بحجم اليونايتد، بغض النظر عما يحدث في الخلفية، والنتائج الجيدة تعني الثقة، ويعي تين هاغ ذلك تماما، فقد قال بعد الهزيمة الأخيرة “تحصل على الثقة فقط عندما تحصل على النتائج الصحيحة، وهذا ممكن عندما تتبع القواعد والمبادئ الأساسية وتكون حاضرا في المباراة، وتقاتل”.
من الواضح أن الفريق يفتقر لهذه “المبادئ” التي تحدث عنها مديره الفني، إذ أجرى تين هاغ 7 تغييرات أمام نيوكاسل، وقام بالتبديل في كل مكان في الملعب تقريبا، ولكنه في محاولته لحل المشكلات القديمة، لم يخلق سوى مشاكل جديدة سواء في الهجوم أو الوسط أو الدفاع.
إليكم حديث إريك تن هاج عن فلسفته الخاصة خلال المؤتمر الصحفي 🔴#يونايتد
— مانشستر يونايتد (@ManUtd_AR) November 3, 2023
كان استبدال ماركوس راشفورد وبرونو فرنانديز أمرا حكيما على الورق فقط، فلم يوفق أليخاندرو جارناتشو وأنتوني في تقديم الفعالية المطلوبة أمام المرمى. ولم يكن خط الوسط البديل أكثر سلبية عما كان عليه الحال أمام السيتي في مباراة ديربي مانشستر، فقد حصل أغلبهم على بطاقات صفراء خلال أول 20 دقيقة فقط، أما الأخطاء الدفاعية مع عودة لانديلوف ودخول سيرجيو ريجليون بدلا من جوني إيفانز، فكانت كارثية بكل معنى الكلمة.
أما الثقة التي تحدث عنها تين هاغ، فقد أجاب عنها لاعب نادي مانشستر يونايتد الأسبق روي كين في مقابلة له مع شبكة “سكاي سبورتس” قبل أيام بقوله إن “إحدى السمات القليلة المفهومة في فريق يونايتد الحالي هي أنه يفتقر إلى الثقة”.
وأضاف “لا يوجد أسلوب لعب يمكن التعرف عليه عندما يهاجم يونايتد أو حين يسعى لبناء هجوم”.
وأوضح كين “خسر يونايتد 5 من أول 10 مباريات له في الدوري هذا الموسم، وهي أسوأ بداية له منذ موسم 1986-1987، وحتى المباريات التي فاز بها كانت تفتقر للثقة، ضع في اعتبارك أن نوتنغهام فورست كان متقدما 2-0 في أولد ترافورد ثم خسر بـ10 لاعبين، وأن الفوز على ولفرهامبتون جاء بسبب خطأ تحكيمي، وأن شيفيلد يونايتد لم يخسر إلا بتسديدة ديوجو دالوت المتأخرة، وكان برينتفورد متقدما في النتيجة بعد مرور 90 دقيقة، أما الفوز الوحيد المقنع ليونايتد هذا الموسم، فكان الفوز 1-0 على بيرنلي”.
هل الحل في تغيير تين هاغ؟
لا يبدو ذلك، فقد درب الفريق منذ رحيل السير أليكس فيرغسون 9 مدربين على مدى 9 سنوات، ومن بين هؤلاء أسماء لها وزنها وتاريخها في عالم التدريب مثل جوزيه مورينيو، ولويس فان غال، وديفيد مويس، وغيرهم.
وهذه الإحصائية تعني تعيين مدرب جديد في كل عام تقريبا، وهذه فترة قصيرة جدا لأي مدرب كي يفرض بصمته وأسلوبه، ولهذا فإن تغيير تين هاغ لن يحل المشكلة بل ربما يزيدها تعقيدا. لقد قوضت قائمة الإصابات المتزايدة خططه لهذا الموسم، ومع عودة اللاعبين الآن، هناك متسع من الوقت لخبير تكتيكي ذكي مثله لتغيير الأمور، أو هكذا يأمل المشجعون في كل أرجاء العالم.
دوامة ملكية النادي
بالعودة إلى مسألة الوحدة التي تحدث عنها غوارديولا، فإن هذا يرجع بنا للكواليس وبالذات إلى ملاك النادي وهم “عائلة غليزر” التي استحوذت على النادي منذ عام 2005، وكان همها الأكبر خلال هذه السنوات هو تحقيق الأرباح المالية، حسب ما يتهمها به كثير من عشاق الشياطين الحمر. ولهذه الاتهامات ما يؤيدها، فقد حقق النادي إيرادات سنوية قياسية لموسم 2022-2023 بلغت 648.4 مليون جنيه إسترليني على مدار 12 شهرا انتهت في 30 يونيو/حزيران 2023.
وقد تعالت احتجاجات أنصار النادي على عائلة غليزر مرارا وتكرارا طوال السنوات الماضية بسبب سوء إدارتهم للنادي، وقلة اهتمامهم، وتدني مستواه، وخروجه من المنافسة سواء في الدوري الإنجليزي أو المسابقات الأوروبية المختلفة، وأهمها بطولة دوري أبطال أوروبا.
ولتكتمل القصة عرضت العائلة الأميركية النادي للبيع مؤخرا، وحددت مبلغ 10 مليارات جنيه إسترليني ثمنا للنادي، وهو مبلغ كبير لم تتم تلبيته حتى الآن من قبل أي من المرشحين المحتملين لشراء النادي، وهو ما وضع الفريق في دوامة من الإشاعات التي أثرت بكل تأكيد على مجريات الأمور داخل النادي، وعلى طريقة إدارته، ووحدته وتماسكه، وعلى المستويات التي يقدمها في مختلف المسابقات.
وكما قال أسطورة النادي جاري نيفيل -في حديثه لشبكة سكاي سبورتس- إن “الحقيقة هي أنه لن يتغير شيء في ظل حالة عدم اليقين السائدة في قمة النادي، والمشكلة هي أنه بعد مرور عام تقريبا على عرض يونايتد للبيع، لا يزال النادي معروضا للبيع، ولا توجد نهاية لهذه القصة في الأفق”.