ديفيد برنيع، عسكري ورجل استخبارات إسرائيلي، ولد في عسقلان عام 1965 لعائلة تعود أصولها إلى يهود ألمانيا الفارين من الحكم النازي، التحق بالجيش في سن مبكرة وغادره لدراسة إدارة الأعمال، ثم عاد من بوابة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد). تولى لنحو عقد من الزمن قيادة فرق تابعة للموساد بالخارج وأشرف على تنفيذ مهام معقدة، وتدرج في الجهاز الاستخباراتي حتى أصبح رئيسه الـ13 ابتداء من يونيو/حزيران 2021 خلفا ليوسي كوهين.
بعد عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على مستوطنات غلاف غزة، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كُلف برنيع بقيادة وفد التفاوض لعقد هدنة وصفقة تبادل مع فصائل المقاومة.
المولد والنشأة
ولد ديفيد برنيع في 29 مارس/آذار 1965، في عسقلان ونشأ في “ريشون لتسيون”، وتعود أصوله إلى اليهود الفارين من ألمانيا تحت الحكم النازي.
كان والده جنديا في قوات النخبة في الهاغاناه ثم أصبح ضابطا في سلاح الجو الإسرائيلي، بينما ولدت أمه على متن سفينة باتريا البريطانية التي كانت تقل يهودا قادمين من ألمانيا، والتي تعرضت لتفجير في ميناء حيفا قتل فيه مجموعة من ركابها.
الدراسة والتكوين
في مرحلة مبكرة من عمره التحق برنيع بالمدرسة العسكرية الداخلية للقيادة في تل أبيب، وبها تابع المراحل الأولى لتعليمه العسكري.
وبعد سنوات من العمل العسكري عاد ليتابع دراساته العليا، وتوجه إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1989، حيث حصل على شهادة البكالوريوس عام 1992، ثم الماجستير في إدارة الأعمال من جامعة بيس الأميركية.
من الجيش إلى الموساد
التحق برنيع بالجيش الإسرائيلي عام 1983، وأصبح جنديا في وحدة الاستطلاع التابعة لهيئة الأركان العامة الإسرائيلية المعروفة باسم “سيرت ميتكال”، وهي وحدة عسكرية معنية بجمع المعلومات الاستخباراتية الميدانية وإنقاذ الرهائن ومكافحة الإرهاب.
وبعد سنوات من العمل في هذه الوحدة توجه عام 1989 إلى الولايات المتحدة ليتابع دراساته العليا، ومن ثم عمل في وظائف مدنية مختلفة بينها وظيفة في بنك استثماري بإسرائيل.
عاد من جديد عام 1996 إلى القطاع العسكري والأمني عبر جهاز الموساد، وحظي برضى رؤسائه، وخصوصا رئيس الجهاز حينها مائير داغان، فترقى سريعا بوصفه ضابط استخبارات محترفا، قبل أن يعين نائبا لرئيس شعبة “كيشيت”، التي تعنى بتنفيذ العمليات وجمع المعلومات بالوسائل التكنولوجية، بما في ذلك المتابعة والقرصنة، وتعمل في دول مهمة أو دول تربطها علاقات دبلوماسية بإسرائيل.
وابتداء من أواخر التسعينيات من القرن الـ20 وحتى عام 2007 تولى تنفيذ وقيادة مهام للموساد في الخارج، تتعلق بتجنيد العملاء من خلال إنشاء شركات للاستدراج في بعض الدول الأوروبية.
في مطبخ الاغتيالات
بعد نحو عقد من الزمن قضاه برنيع مكلفا بمهام خارج إسرائيل، عاد في 2007 ليتولى وظائف في وحدة “تسوميت” المكلفة بالتنصت على المكالمات واعتراض الإشارات واتصالات الإنترنت، وهي معروفة بالوحدة رقم 8200، وتتبع لها قاعدة أوريم الاستخباراتية، والتي تقع في صحراء النقب.
وتوصف هذه القاعدة بأنها إحدى أكبر القواعد الاستخباراتية في العالم، وترتبط بمواقع تنصت سرية في مناطق مختلفة من المعمورة، وضمن نشاطاتها تجنيد وتدريب العملاء، وهي بذلك من أهم أجهزة الموساد التي تقدم المعلومات عن المطلوبين والمستهدفين بالاغتيالات.
وتدرج برنيع سريعا داخل هذه الوحدة، فأصبح عام 2010 نائبا لرئيسها، ثم رئيسا لها من عام 2013 وحتى 2019، ويعزى ذلك إلى تصنيفه واحدا من أكثر ضباط الموساد كفاءة وقربا من رئيس الجهاز حينها مائير داغان.
وخلال هذه الفترة نفذ الموساد عمليات تعقب واغتيالات واسعة، من أبرزها اغتيال القيادي في كتائب عز الدين القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- محمود المبحوح في الإمارات العربية المتحدة عام 2010، والجنرال الإيراني حسن طهراني مقدم عام 2011 في طهران، والعالم النووي الإيراني مصطفى أحمدي روشن في 2012 بطهران، والقيادي في كتائب القسام أحمد الجعبري في 2012 بغزة، وعميد الأسرى المحررين اللبنانيين سمير القنطار عام 2015 في دمشق، والمشرف على وحدة تصنيع الطائرات بدون طيار في كتائب القسام المهندس التونسي محمد الزواري عام 2016 في تونس.
وابتداء من عام 2019 أصبح برنيع نائبا لرئيس الموساد، ثم رئيسا للجهاز في يونيو/حزيران عام 2021، وخاطبه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أثناء مراسيم الإعلان عن تعيينه قائلا إن المهمة الأولى لعناصر الموساد في هذه المرحلة هي “منع إيران من التزود بسلاح نووي”، ودعاه لفعل أي شيء لمنع ذلك باعتبار الأمر يتعلق بوجود إسرائيل.
ومن بين أبرز الشخصيات التي استهدفها الموساد بالاغتيال خلال هذه الفترة العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في إيران، والقيادي في حركة حماس صالح العاروري ببيروت في الثاني من يناير/كانون الثاني 2024، فضلا عن اغتيالات أخرى عديدة لقادة في فصائل المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة والضفة الغربية.
كما يشار إلى أنه قدم المساعدة للمخابرات الأميركية في اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، في الثالث من يناير/كانون الثاني 2020.
فشل السابع من أكتوبر
واجه جهاز الموساد تحت قيادة ديفد برنيع انتقادات داخلية واسعة من الإسرائيليين بمن فيهم مسؤولون حكوميون وعسكريون، إثر فشله في رصد التحضير لعملية طوفان الأقصى، بل وصفه قائد الأركان الأسبق غادي آيزنكوت بأنه أكبر فشل منذ عام 1948.
فقد تسلل نحو ألف مقاتل فلسطيني إلى مستوطنات غلاف غزة عبر البحر والبر والجو، وسيطروا لعدة ساعات على المنطقة، وقُتل في العملية نحو 1400 إسرائيلي وأُسر نحو 250 بينهم ضباط وجنود، بدون أن يكشف الجهاز الأمني الإسرائيلي الأشهر أي معلومات عن هذه الخطة.
وفي تغريدة له على موقع إكس حذفها في وقت لاحق، انتقد نتنياهو أداء قادة المنظومة الأمنية وحمّلهم مسؤولية الإخفاق في الحصول على معلومات حول نوايا حماس، وأكد أن كل المعلومات التي كانت تصله من جميع الأجهزة الأمنية والاستخبارات تشير إلى أن حماس تأثرت بعمليات الردع وتتجه إلى التسوية.
ملف صفقة التبادل
في مطلع أبريل/نيسان 2024 منح المجلس الوزاري المصغر صلاحيات أوسع لوفد التفاوض بشأن صفقة التبادل مع فصائل المقاومة في غزة، الذي يقوده برنيع.
ويوصف برنيع بأنه من دعاة إقامة صفقة التبادل ويحظى بدعم عضوي الحكومة الأمنية المصغرة (الكابنيت) بيني غانتس وغادي آيزنكوت، ونقلت عنه القناة الإسرائيلية الـ12 في أواخر مارس/آذار 2024 قوله إن عقد الصفقة ممكن إذا أبدت إسرائيل مرونة بشأن عودة سكان شمال القطاع.
بينما لم يبد نتنياهو تحمسا للصفقة التي يطالب الشارع الإسرائيلي وعدد من القادة السياسيين والعسكريين بالإسراع في عقدها، وكان قد وضع سابقا قيودا على أسفار برنيع إلى بعض دول المنطقة بخصوص التفاوض، ويساند نتنياهو في هذا التوجه الحلف اليميني الذي يقوده وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.