هل تسديد ضربات الجزاء هو الأفضل.. علم النفس يجيب

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

في المواسم السابقة، كانت نسبة تحويل ركلات الجزاء في الدوريات الـ5 الكبرى تبلغ نحو 78%، لكنها قفزت في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم إلى 92%، وفي وقت سابق من شهر ديسمبر الماضي، تصدى روبرت سانشيز حارس مرمى تشلسي لركلة جزاء من برونو فرنانديز، منهيًا سلسلة بدأت منذ مايو 2021، وانتهت بتسجيل 32 ركلة جزاء ناجحة على التوالي، بحسب إحصائية لشركة “أوبتا”.

وبالتزامن مع تلك الظاهرة، كانت هناك ظاهرة أخرى، تكمن في زيادة عدد منفذي ضربات الجزاء بالقدم اليسرى، فمن بين 48 ركلة جزاء في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، نفذت 23 ركلة جزاء بالقدم اليسرى، وهو رقم أكبر بالفعل من الـ26 موسمًا السابقين، وأيضًا بحسب إحصائية نشرها موقع “ذي أثليتيك”، اتضح أن 47.9% من ركلات الجزاء منذ موسم 2019-2020 نفذت بواسطة لاعبين عُسْر أي يلعبون بالقدم اليسرى، حيث سجلت بنسبة 84.7%، أي أعلى بأكثر من 5% من اللاعبين الذين يستخدمون القدم اليمنى، فهل هناك علاقة بين الظاهرتين؟.

الأفضلية للأعسر

في أفضل الأحوال، يمكن أن تكون الإجابة نعم، هناك علاقة وطيدة بين الظاهرتين، ففي دراسة أجريت عام 1996 على لاعبي الدوري الإنجليزي، حول مدى صحة توقعات الحارس في ركلات الجزاء، اتضح أن الحراس يتوقعون مسار الكرة المسددة بالقدم اليمنى أفضل بكثير من الكرة المسددة بالقدم اليسرى، كما تم التصديق على هذه النتيجة أيضًا من خلال المقابلات التي أجريت مع عدد من حراس المرمى، الذين لاحظوا “صعوبة في إدراك الإشارات”.

بالطبع يمكن انتقاد هذه الدراسة لأنها قديمة نسبية، كما أنها ليست بحثًا معاصرًا يشتمل على التغييرات الجديدة في اللعبة، ولكن هذه الصعوبات تحدَّثّ عنها أيضًا مات بيزدروفسكي، خبير حراسة المرمى في ذي أثليتيك، قائلا “لا أعرف ما هو السر، ولكن اللاعبين الذين يلعبون بالقدم اليسرى الذين لعبت ضدهم كراتهم دائمًا ما تكون صعبة للغاية، ربما تكون هذه هي الطريقة التي يتحكمون بها بالكرة، والطريقة التي يلعبون بها تسديداتهم تختلف قليلا عن التسديد بالقدم اليمنى”.

وما جسد ذلك جليًا هي إحصائية نشرها “ذي أثليتيك” أيضًا، تبين خلالها أن المسددين بالقدم اليمنى كانوا أكثر قابلية للتوقع -بغض النظر عن نتيجة التسديدة-، فمنذ بداية موسم 2021-2022، بنسبة 41% في مقابل 30% فقط من التسديدات بالقدم اليسرى، وتبدو هذه العينة كبيرة بما فيه الكفاية للدراسة والتفنيد، خاصة وأنها تشمل القوانين الجديدة، مع استبعاد المباريات المغلقة، بدون جمهور، نتيجة جائحة كورونا.

وفي حين أن المسددين بالقدم اليمنى يهدرون هم وأصحاب القدم اليسرى بمعدلات متطابقة تقريبًا تقدر بـ6.1% لأصحاب القدم اليمنى و6.5% لأصحاب القدم اليسرى، إلا إن الفارق الحقيقي لا يزال متواجدًا في معدلات التصدي: حيث يتصدى حراس المرمى لـ14.4% من ركلات الجزاء بالقدم اليمنى، و8.7% فقط من الركلات بالقدم اليسرى، أي أن الحراس لا يستطيعون التصدي للكرات المسددة بالقدم اليسرى، ولذلك، فمن الممكن أن يكون أصحاب القدم اليسرى هم الأفضل في تنفيذ ركلات الجزاء، وبالتالي عندما تزداد نسبتهم في الدوري، فإن نسبة التسجيل تزداد تلقائيًا.

إذن فهناك علاقة سببية بين زيادة عدد المسددين بالقدم اليسرى، وبين زيادة نسبة التسجيل، حتى وإن كانت عبارةً عن خيط خفيف يربط عددًا من المداخيل، ولا يؤثر في السياق وحده دون النظر إلى باقي المتغيرات، مثل التغيير في القانون، قبل بداية موسم 2019-20، حيث طُلب من حارس المرمى أن يضع قدمًا واحدة، على الأقل، على خط المرمى قبل التسديد، وهو ما يمنع الحراس من القفز للأمام بشكل سريع، ويعيق سرعة وصولهم للكرة.

ورغم أن هذا التغيير قد أثر أيضًا بالإيجاب على نسبة التسجيل، ولكنه يظل تأثيرًا بلا دلالات إحصائية تدعمه، وبالتالي فلن نجد سببًا واضحا له إحصائيات مدعمة إلا السبب المتعلق باللاعبين العسر، وهنا قد يظهر سؤال مختلف: ما هو السبب الحقيقي لاختلاف نسبة التسجيل بين اللاعب الأعسر ونظيره الذي يلعب بالقدم اليمنى؟، رغم أن التعقيد في كرة القدم قد وصل إلى آفاق غير مسبوقة، يصبح خلالها سبب كهذا بسيطًا ويسهل تداركه.

ماذا يقول علم النفس

في كتابه (12 ياردة)، أجرى الباحث بن ليتلتون، بحثًا خاصًا على مدار 20 عامًا، وقام بمراجعة أكثر من 8000 ركلة جزاء، في محاولة منه لاكتشاف الطريقة المثلى لتسجيل ضربات الجزاء أو إنقاذها، حيث يعتقد أن هناك اختلافًا ملحوظًا بالفعل في معدل التسجيل بين اللاعبين الذين يستخدمون القدم اليسرى واليمنى، ولكنه ليس اختلافًا حقيقيا في أسلوب التسديد، ولكنه يعتمد في الأساس على عدد من العوامل النفسية، أو فيما يسمى في علم النفس “الفرضية السلبية المعتمدة على التردد”.

ويقول بن ليتلتون “عندما أتحدث إلى الأندية ويقولون إنهم لا يريدون استخدام القدم اليسرى في ضربات الجزاء، أقول لهم إن هذا الأمر غير ذي صلة”.

وأضاف “في عينتي وجدت أنه لا يوجد فرق على الإطلاق، أعتقد أنه ربما كان هناك اختلاف بنسبة 0.1%، لأن هناك عوامل نفسية تلعب دورًا، مثل كم من الوقت المتبقي، وما إذا كانت ركلة الجزاء تمنح الفريق التقدم أم لا، وأشياء من هذا القبيل، ولكن حقًا لا يهم نوع القدم التي يستخدمها اللاعب على المستوى التقني”.

سر تفوق الأعسر

ببساطة يرجع هذا الفارق الغريب في نسب التصديات، وعدم مقدرة الحراس على التعامل مع هجمات اللاعبين العسر، إلى قلة عدد اللاعبين الذين يستخدمون القدم اليسرى بشكل عام، وهذا ما يجعل من حراس المرمى يتدربون في الغالب ضد لاعبين يستخدمون القدم اليمنى، وهو ما يقلب الزوايا والمسارات تمامًا أثناء تسديد لاعب أعسر، أضف إلى ذلك اتجاهنا للانحياز نحو ما نعتقده مسبقًا، وستجد أن الندرة، هي العامل الجوهري المُفسر لميزة اللاعبين العُسر.

خاصة وأن هذا الاختلال في الإحصائيات، ليس حكرًا على لعبة كرة القدم فقط، بل ظهر بشدة في كل رياضات “الغزو”، المعتمدة بالأساس على غزو ومهاجمة ملعب الخصم لتسجيل الأهداف أو النقاط، مثل كرة اليد أو الكريكيت، حيث وجد الباحثون صعوبات مشابهة في تعامل المدافعين مع اللاعبين العُسر بشكل عام، مما يعضد من نظرية أن هذا التباين الإحصائي ليس إلا نتيجة لتأقلم الحراس على قدم معينة أثناء التسديد، فإن اختلفت هذه القدم، فإن ذهن الحارس سيضع نفسه تحت الضغط تلقائيًا، مما يجعل من الأمور أسهل بالنسبة للمُسدد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *