قال وزير العدل والشؤون الدستورية في جمهورية الصومال حسن معلم محمود إن الاتفاق الدفاعي مع تركيا لا يشكل انتهاكا لحقوق أحد، ولكنه يتعلق بميادين أمنية دفاعية، وتطوير مواردنا من أجل تحقيق التنمية والازدهار لشعبنا، وبناء القدرات البحرية لحماية أراضي البلاد وسكانها.
وأضاف معلم محمود -في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت- أننا “لا يمكن أن نطوي أذرعنا عندما نرى العدوان، وقد رأينا ذلك، وكان الأمر في غاية الحماقة، والصومال كأمة الآن يتعافى من صراع طويل ومعقد، وحرر كثيرا من المناطق من حركة الشباب”.
وأشار وزير العدل الصومالي إلى مذكرة التفاهم التي وقعتها الحكومة الإثيوبية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي، ووصفها بأنها “خطوة استفزازية وخرق واضح للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وانتهاك واضح لسيادة الصومال”.
والأربعاء الماضي، وافقت حكومة وبرلمان الصومال على اتفاق دفاعي مع تركيا على خلفية التوترات الإقليمية مع إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي والأحداث الأخيرة في باب المندب.
وفي هذا الحوار التفصيلي، يقدم وزير العدل والشؤون الدستورية الصومالي تصورا عن أسباب الاتفاقية، ومدتها وأهم البنود التي تضمنتها، ولماذا وقّع الصومال هذه الاتفاقية مع تركيا تحديدا، وغير ذلك من ملامح المشهد السياسي والتشريعي في بلاده.
وحسن معلم محمود ولد في سبعينيات القرن الماضي بالعاصمة مقديشو، وكان عضوا في القيادة السياسية للمقاومة الصومالية، وبدأ مشواره السياسي وزيرا للشؤون الرئاسية في حكومة الرئيس شيخ شريف. وأسس حزب “طلجر” (حماة الوطن) وتولي زعامته، ثم تحالف مع حزب “السلام والتنمية” بزعامة الرئيس حسن شيخ محمود وشكلا معا تحالفا فاز بحكم البلاد في انتخابات عام 2022، ويشغل حاليا منصب وزير العدل والشؤون الدستورية.
نحن ممتنون لاستجابة تركيا بهذه الطريقة، وليس اليوم فقط، لكنها كانت تفعل ذلك على مدى السنوات العشر الماضية
هناك مبدأ يقول إنه لا يجوز تجزئة السلام، و”لم يخطر ببالنا أن هذا القائد الإقليمي الذي يدعى موسى بيهي ورئيس الوزراء الإثيوبي (آبي أحمد) المتهور للغاية أنهم سيوقعون اتفاقية تتيح الوصول إلى البحر”.
الصومال عضو في الأمم المتحدة، واعترف به المجتمع الدولي، وما فعلوه أظهر ما يمكن لهؤلاء القيام به، ومنذ ذلك الحين اتخذنا الإجراءات التي قمنا بها.
وعلى الأرض، الصومال كان يحارب العدو من حركة الشباب، وكانت الحكومة توسع سلطتها، وتحرر كثيرا من المناطق والأقاليم من هذه الحركة، و”في ذلك الوقت كانت هي العدو الوحيد، ليس للصومال فحسب، بل للعالم والمنطقة”، وأردنا من الدول الإقليمية في القرن الأفريقي -بما فيها إثيوبيا وجيبوتي- التعاون في استئصال هذا البلاء وإزالته من على وجه الأرض، “لكن للأسف ما حدث هو أنهم فعلوا العكس، وكان هذا بمثابة نعمة أو دعم وتعزيز لحركة الشباب، لأن هذه الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها تجنيد الأشخاص لصالحهم، وهو ما يعني أنه قد تم انتهاك سيادة الصومال”.
وأعتقد الآن أنهم سيعترفون بالأخطاء الفادحة التي ارتكبوها، وسيمتنعون عن القيام بذلك مرة أخرى، أو “الاستمرار في القيام بهذا النوع من الأفعال الحمقاء”.
-
ولماذا تركيا؟
لقد كنا نطرق الأبواب وهم من ردوا أولا، واستجابوا لهذه الاتفاقية أكثر من الآخرين، والدعم يأتي بأشكال متعددة، وحصلنا على الدعم بطرق أخرى، ومن مؤسسات مختلفة، لذلك نحن ممتنون لاستجابة تركيا بهذه الطريقة، وليس اليوم فقط، لكنها كانت تفعل ذلك على مدى السنوات العشر الماضية، ومن المنطقي أنه عندما يطلب صديق أو شريك الدعم أن تظهر التزامك وإرادتك الحقيقية لدعمه.
وهذه الاتفاقية لن تكون بأي شكل من الأشكال انتهاكا لحقوق أي شخص، فنحن من نبحث عن الدعم، ونحن من ندعو إلى السلام، لكننا -في الوقت نفسه- لن نطوي أذرعنا عندما نرى العدوان، وقد رأينا ذلك، و”كان الأمر في غاية الحماقة”، والصومال كأمة الآن يتعافى من صراع طويل ومعقد، وكان هذا آخر ما يتمنون حدوثه الآن، لأن ذلك لا يخدم أحدا إلا الإرهابيين.
في القرن الأفريقي نحن جميعا بحاجة إلى اللحاق بالعالم، نحن بحاجة إلى تنمية اقتصادية، نحن بحاجة إلى تحقيق الرخاء لشعبنا، ولدينا إمكانات كبيرة إذا تعاونا في ذلك، وفكر الآن قادة الدولتين اللتين كانتا تاريخيا وفي بعض الأحيان على خلاف مع بعضهما بعضا، ولكن الآن “جاءت لحظة إدراك أن التعاون أفضل من الصراع، لذلك اختارت قيادتنا الخيار الأول، وهو التعاون، لكن للأسف رئيس الوزراء آبي (أحمد) اختار الخيار الثاني، وهو الصراع الذي لا يخدم -كما قلت- الهدف أو المصالح لأي طرف”.
أعتقد الآن أنهم سيعترفون بالأخطاء الفادحة التي ارتكبوها، وسيمتنعون عن القيام بذلك مرة أخرى، أو الاستمرار في القيام بهذا النوع من الأفعال الحمقاء
-
ما أهم البنود؟
النقاط الرئيسية في هذا الاتفاق بين تركيا والصومال تتعلق بالأمن والاقتصاد، وتطوير موارد الصومال من أجل التنمية وبناء القدرات البحرية لحماية أراضي البلاد وسكانها ومواردها.
فالصومال تحارب منظمة الشباب الإرهابية التي توجَد في القرن الأفريقي والصومال، ومنذ تنصيب الرئيس حسن شيخ محمود، عملنا على القضاء على هذا العدو ومحوه من الصومال الذي تسبب في فقدان العديد من الأرواح. ولذلك، لم يتمكن البلد من التطور، وكانت الأولوية الرئيسية لهذه الحكومة هي مهاجمة العدو وتقويضه وهزيمته.
وما حدث هو أن إثيوبيا، التي هي جارتنا لسنوات عديدة أو حتى قرون، قررت اتخاذ خطوة استفزازية بادعاء أنها وقعت ما يسمى مذكرة التفاهم مع قائد إقليمي يدعى موسى بيهي، وهذا في حد ذاته خرق للمعاهدات والاتفاقيات الدولية، وانتهاك واضح لسيادة الصومال.
ومرارا وتكرارا، أكدنا أننا نرغب في أن تكون الصومال في سلام مع نفسها ومع العالم، والعالم يبدأ بجيراننا، ونحن لم نختر جيراننا، ولا يمكننا اختيارهم، لكن هذا كان مؤسفا ومستفزا للغاية. ومنذ ذلك الحين، بحث الصومال عن الدعم على الصعيد الدولي، وعلى نطاق واسع.
وهذا كله من أجل أن نتأكد من أن بحارنا وأراضينا محمية، ومن ثم نحن نستخدم مواردنا الخاصة لتطوير قدراتنا الأمنية وتعزيزها لفترة طويلة، وكل هذا يحتاج إلى دفاع جيد من أجل التطور والبناء ومنع الاستيلاء على أرضنا.
-
الاتفاقية مدتها 10 سنوات.. هل هذا المدى مناسب؟
مدى الاتفاقية تم التوافق عليه من قبل البلدين، وهذا هو التقدير الذي تم الوصول إليه لكي يتمكن الصومال من تطوير قدراته الخاصة، كما أنها قابلة للتجديد، وفي أي وقت يمكن لكلا الطرفين مراجعتها إما بالتمديد أو تقليل مدتها، لذلك كان هذا هو الوقت المناسب.
و10 سنوات هي الفترة المناسبة التي تعكس القدرات الحقيقية للصومال، فالصومال لديه أطول ساحل في شرق أفريقيا، والأمر ليس سهلا أبدا، والعدو يأتي في صورة الإرهابيين والقراصنة وتهديدات خارجية أخرى، قد تعرض كلها أمن الصومال للخطر، ولا يمكنك فصل الأمن في البر عن أمن البحار.
الصومال دولة واحدة وأمة واحدة، ونحن بحاجة لحماية أرضنا من البحر، وبحاجة لحماية أرضنا من البر، لذلك سيستغرق هذا وقتا، وفي كل مرة يحتاج فيها الطرفان يمكننا مراجعة الاتفاقية ومعرفة إذا كان بإمكاننا تمديدها أو تقليلها حسب الضرورة.
-
هل هذه الاتفاقية لها علاقة بالأحداث في باب المندب؟
نعم، فالأزمة في باب المندب خطيرة للغاية، لأنها ممر للاقتصاد العالمي، ومن المؤسف أن الصراع قد اشتعل الآن وقد يؤثر هذا الحريق على الدول المجاورة والاقتصاد العالمي، وهذا أمر مؤسف للغاية بالنسبة للصومال.
وما نقوم به هو أننا نأخذ الاحتياطات اللازمة عندما نوقع هذه الاتفاقيات، والهدف منع أي تداعيات يمكن أن تمتد إلى الصومال.
إن حركة الشباب بعد انهيار الدولة الصومالية والانفلات الأمني والفراغ الذي حدث استغلت ذلك، لذا فإن الصومال لن يسمح بأن يتكرر مثل هذا مرة أخرى، ولا يريد أن يصبح أرضا للبدو الرحّل، ولا نريد له أن يكون ممرا للجرائم المنظمة، ولا نريد أن تجد المنظمات الإرهابية الدولية ملجأ وملاذا آمنا في بلادنا، ولا نريد أي عناصر أخرى من شأنها زعزعة الاستقرار وتهديد أمننا.
نحن من نبحث عن الدعم، ونحن من ندعو إلى السلام، لكننا في الوقت نفسه لن نطوي أذرعنا عندما نرى العدوان، وقد رأينا ذلك
ونحن في الصومال يقظون الآن، ونتخذ خطوات استباقية تحسبا لما يمكن أن يحدث قبل حدوثه، ونتحرك الآن بنشاط، ونتخذ الإجراءات اللازمة، التي تعد تدابير وقائية، لأننا نعلم الآن ما يمكن أن يحدث عندما تسوء الأمور من حولنا.
وبالنسبة لما يحدث في باب المندب، فإن الصومال سيتحمل المسؤولية عن أراضيه، والتكلفة الخاصة جراء ذلك، ولن يدع إمكانية لتدخل الآخرين في شؤونه، وسنتخذ الإجراءات اللازمة لعدم السماح لأي طرف ثالث -سواء كان دولة أو غير دولة- للتدخل في أرضنا.
-
هل الاتفاقية تشمل كل أراضي جمهورية الصومال؟
الاتفاقية بين دولتي الصومال وتركيا، أما أرض الصومال فهو إقليم انفصالي، وما فعلوه هناك أنهم أعلنوا الاستقلال بشكل أحادي، ولم يقبل أحد بذلك، ولم يعترف بهم أحد، وهذا يعني أن القانون الدولي يتم احترامه كما في ميثاق الأمم المتحدة، لذا لا يمكن لأحد أن يأتي ويقول إننا نستطيع توقيع اتفاق مع منطقة هي جزء من الصومال، وبالطريقة نفسها لا يستطيع الصومال توقيع اتفاق مع أي جزء من إثيوبيا مثل أمهرة أو أروما. “إنه أمر مؤسف، ويمكنني القول إنه كان فعلا غبيا، وليس أقل من ذلك”.
-
داخليا.. هل يشهد الصومال تغيرات توازي هذه الاتفاقية؟
على الجانب التشريعي، لدينا دستور غير مكتمل، ونطلق عليه الدستور المؤقت، وكانت الحال كذلك منذ عام 2012، وكانت هناك مراجعات لهذا الدستور من قبل الشعب الصومالي والسلطات الصومالية، ومنذ انتخاب الرئيس حسن شيخ محمود كان من ضمن وعود حملته الانتخابية التعهد بالانتهاء من الدستور الصومالي.
لذا بدأت العملية بعقد ما نسميه المجلس الاستشاري الوطني، الذي يتألف من الحكومة الفدرالية والولايات الأعضاء فيها، وأبرموا اتفاقا سياسيا بشأن بعض القضايا المثيرة للجدل ذات الطابع السياسي، ولأول مرة تتم مناقشة التعديلات الدستورية المقترحة في برلماننا، وعندما ينتهي منها يصبح لدينا دستور صومالي، وهذا في حد ذاته يعني تحقيق الوعد الذي قطعه رئيسنا خلال حملته.
بعد ذلك، سيصوت الشعب الصومالي في استفتاء ليقولوا نعم أو لا، لأن إرادة الشعب هي الكلمة الأخيرة. وهذا هو المعنى الحقيقي لممارسة الديمقراطية. وهذا يعني أن الصومال في سلام مع نفسه ولدينا عقد اجتماعي.
الصومال كأمة الآن يتعافى من صراع طويل ومعقد، وكان هذا آخر ما يتمنون حدوثه الآن، لأن ذلك لا يخدم أحدا إلا الإرهابيين
ومذكرة التفاهم مع تركيا، والتي تتعلق بالأمن بشكل رئيسي تعني أن الصومال يبني ومستمر في بناء الدولة، والمكاسب التي حققناها ضد حركة الشباب أيضا إنجاز نحو بناء دولتنا.
وللمرة الأولى، تم تحقيق إعفاء الصومال من الديون، مما يعني أنه لم يعد مثقلا بالديون للدول الأخرى، وحققنا في الفترة القصيرة الماضية ما نسميه رفع الحظر عن الجيش الصومالي، وهذا يمكّن بلدنا الآن من الوقوف على قدميه، وتحمل مسؤولية هذا الأراضي والشعب، ونتمنى للجميع أن يكونوا في سلام ومزدهرين.
نحن في الصومال نعرف ما مررنا به وتعلمنا دروسنا، لذا نحن نبدأ من شعبنا، من الأسفل إلى الأعلى، ونحن متحدون على صياغة دستورنا، وشعبنا قادر على الدفاع عن أراضينا، ولقد فعلنا ذلك في العديد من المرات.
لكننا نتمنى أولا أن نوجه كل طاقاتنا نحو النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي في هذه المرحلة الزمنية، وأكرر مرة أخرى: نحن نريد السلام، ولكننا أيضا مستعدون للدفاع عن سيادتنا واستقلاليتنا السياسية.