موسكو- توج الرئيس الروسي فلاديمير بوتين زيارته إلى كوريا الشمالية بتوقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي الشاملة مع نظيره كيم جونغ أون، في خطوة من شأنها أن تأخذ العلاقات بين البلدين إلى مستوى جديد من التعاون المتعدد الأوجه، وترفع منسوب القلق الغربي حيال هذا التعاون، بحسب مراقبين روس.
وأهم ما تضمنته الاتفاقية إشارتها الواضحة إلى الالتزام بتقديم المساعدة في حال تعرض أحد الطرفين إلى اعتداء، وهو ما أكده بوتين بنفسه في ختام زيارته، إذ حرص على الإشارة إلى أن مواصلة البلدان الغربية دعمها لأوكرانيا تعني أن موسكو لا تستبعد أن تقوم باتخاذ اجراءات إضافية لتطوير تعاونها العسكري والتقني مع بيونغ يانغ.
وإذا كانت زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية قد شكلت الخبر الأبرز في وسائل الإعلام الغربية والكورية الجنوبية حتى قبل بدايتها فإن الإعلان عن اتفاقية التعاون الإستراتيجي تسبب بعاصفة كبيرة من التعليقات والتحليلات لدى وسائل الإعلام تلك بشأن أبعاد انتقال التفاهم والتنسيق بين موسكو وبيونغ يانغ إلى المستوى الذي تم الإعلان عنه في ضوء العلاقات الصعبة بين الدولتين والغرب.
إجراء انتقامي
وعلى خلفية هذه الزيارة قالت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية “إن سرعة ودرجة توسيع العلاقات الأمنية والعسكرية الروسية التي تشمل منافسي الولايات المتحدة كالصين وكوريا الشمالية قد فاجأت في بعض الأحيان محللي الاستخبارات الأميركية، وقد وضعت روسيا ودول أخرى خلافاتها التاريخية جانبا لمواجهة جماعية لما تعتبره نظاما دوليا تهيمن عليه الولايات المتحدة”.
وبحسب الصحيفة، أصبح التعاون العسكري لموسكو مع طهران وبيونغ يانغ وبكين أوثق منذ فبراير/شباط 2022 (تاريخ بدء الحرب مع أوكرانيا)، وشمل تبادل “تقنيات حساسة” يمكن أن تهدد الولايات المتحدة وشركاءها بعد انتهاء الصراع في أوكرانيا.
ويؤكد الباحث في النزاعات الدولية فيودور كوزمين أن التوقيع على اتفاقية التعاون الإستراتيجي سيشكل دون شك عامل ضغط كبير بالحد الأدنى على حلفاء واشنطن في المنطقة، مثل كوريا الجنوبية واليابان، حيث تتخوف سول وطوكيو من أن تقوم روسيا بنقل تقنيات عسكرية حديثة إلى كوريا الشمالية كإجراء انتقامي ردا على إمداد أوكرانيا بالأسلحة.
ويضيف كوزمين -في تعليق للجزيرة نت- أن بوتين لم يعد يشعر بأنه ملتزم بالعقوبات ضد بيونغ يانغ بأي شكل من الأشكال أمام سعيه لبناء نظام عالمي جديد لا تنطبق فيه القواعد القديمة، ويضع فيه بنفسه قواعد جديدة.
إعلان موسكو وبيونغ يانغ عن الزيارة التي يقوم بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لكوريا الشمالية يثير قلق دول عديدة، إذ أعربت الولايات المتحدة عن قلقها من التقارب بين البلدين، في حين قالت كوريا الجنوبية إنها تراقب الوضع عن كثبhttps://t.co/ED7rk538PN
— Aljazeera.net • الجزيرة نت (@AJArabicnet) June 18, 2024
تطور فوري
ويتابع كوزمين أن الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين موسكو وبيونغ يانغ هي أعلى مستوى في تدرج العلاقات بين البلدين خلافا للحقب السابقة، حيث كان المستوى مختلفا تماما وأعلى سقف له كان علاقات حسن الجوار، في حين تطورت العلاقات على الفور خطوات عدة ووصلت إلى أعلى السلّم، وهو ما يدق ناقوس خطر غير مسبوق بالنسبة للغرب.
وفيما يخص العقوبات ضد كوريا الشمالية، يوضح الخبير أنها لم تفرض من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وكوريا الجنوبية وأستراليا والاتحاد الأوروبي فحسب، بل أيضا من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
ويوضح كوزمين أن تأييد الكرملين مراجعة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي ضد بيونغ يانغ عام 2006 بسبب برنامجها النووي قد يؤدي في المستقبل إلى انسحاب موسكو منه.
خيار عقلاني
بدوره، يعتبر مدير مركز التنبؤات السياسية دينيس كركودينوف أن زيارة بوتين إلى كوريا الشمالية تشكل أكبر تهديد لأمن الولايات المتحدة وحلفائها منذ الحرب الكورية (1950-1953)، لأنها خرجت بتفاهمات ذات طابع انتقامي في جوهرها ضد السياسات الغربية تجاه موسكو وبيونغ يانغ.
ويشير كركودينوف -في حديث للجزيرة نت- إلى أن التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية سيضيف بالتأكيد “صداعا جديدا” إلى أولئك الذين يتخذون القرارات في البيت الأبيض، حسب تعبيره.
ويتابع أن التقارب بين موسكو وبيونغ يانغ هو “خيار عقلاني”، لأن الإستراتيجية طويلة الأمد التي تنتهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها لعزل البلدين وممارسة الضغوط عليهما تدفعهما تلقائيا إلى تعزيز التعاون لمواجهة التهديدات والتحالفات التي تقودها الولايات المتحدة، سواء كان ذلك في أوروبا أو شمال شرق آسيا.
لكنه يعتبر أن حديث القيادة الروسية عن تقديم أسلحة جديدة لكوريا الشمالية هو تصريحات رمزية كرد على إمداد الغرب أوكرانيا بالأسلحة، لأن بيونغ يانغ تملك صورايخ يمكنها الوصول ليس فقط إلى كوريا الجنوبية القريبة عموما، بل أيضا إلى السواحل الغربية للولايات المتحدة، فالصواريخ الكورية الشمالية والروسية تتمتع بنفس الخصائص التكتيكية والفنية.
ومن ناحية أخرى، يرى كركودينوف أن التغيرات الجديدة في مرحلة ما بعد توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية قد تشمل تراجع موسكو عن موقفها الحيادي بشأن شبه الجزيرة الكورية، فبعد أن كانت ترغب في علاقات سلسة مع الدولتين اصطدمت روسيا بموقف سول غير الودي تجاهها، والذي تمثل بانضمامها إلى العقوبات الغربية.