تونس- يخشى مراقبون في تونس من دخول البلاد مرحلة عزلة دبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي (الشريك الاقتصادي الأول لها) بعد منع وفد من البرلمان الأوروبي من دخول أراضيها لأسباب سياسية، فيما يرى آخرون أن تونس لم ترتكب خطأ في ممارسة سيادتها على أرضها ورفضها التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية.
وفي سابقة تاريخية منعت السلطات التونسية أول أمس الخميس وفدا من خمسة برلمانيين من لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الأوروبي من دخول البلاد، كان من المقرر أن تمتد زيارتهم من 14 إلى 16 سبتمبر/أيلول الحالي، للاطلاع على الوضع السياسي الراهن والاتصال بمكونات من المعارضة والمجتمع المدني.
وأحدث هذا المنع غضبا داخل البرلمان الأوروبي الذي سارع لاستنكار ما وصفه بـ”سلوك غير مقبول من قبل النظام التونسي”، وطالب في بيان بتقديم شرح مفصل عن سبب هذا المنع.
في المقابل، لم تقدم السلطات التونسية أي معلومات عن مبررات هذا المنع.
وأوضح البرلمان الأوروبي أن زيارة الوفد كانت متابعة لبعثة تقصي الحقائق التي أرسلتها لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان إلى تونس في أبريل/نيسان 2022، عندما أبدى قلقه إزاء ما اعتبره تراجعا سياسيا في ما يتعلق بمعايير الديمقراطية وحقوق الإنسان جراء التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز 2021.
وذكّر البرلمان الأوروبي في بيانه بأن الاتحاد الأوروبي يشدد -منذ إعلان سعيد عن تدابيره الاستثنائية- على أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في تونس تتطلب بشكل عاجل إجراء حوار وطني شامل لا يمكن من دونه تحقيق آفاق تنمية سياسية واقتصادية مستقرة، حسب البيان.
خطأ دبلوماسي
وفي هذا السياق، قال القيادي بحزب التيار الديمقراطي المعارض هشام العجبوني إن المنع خطأ دبلوماسي فادح لم يحصل حتى زمن دكتاتورية الرئيس زين العابدين بن علي، معتبرا أن سياسة الرئيس قيس سعيد ستضع البلاد في عزلة دبلوماسية.
وفي حديثه للجزيرة نت أضاف العجبوني “يبدو أن قيس سعيد نسي أن أكثر من 70% من المبادلات التجارية لتونس تتم مع الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي الأول لها”، مبينا أن قرار المنع هو علامة من علامات الانغلاق الذي يتبعه الرئيس قيس سعيد، مما ستكون له انعكاسات سيئة على البلاد.
وأشار العجبوني إلى حالة الغضب المتصاعدة داخل الاتحاد الأوروبي، سواء من برلمانيين أو أحزاب سياسية، بعضها نعت النظام التونسي بالدكتاتوري والمستبد، في إشارة إلى تصاعد التضييق على المعارضة التونسية والزج بأغلب قياداتها من الصف الأول في السجون بتهمة التآمر على أمن الدولة دون أدلة.
ومنذ 11 فبراير/شباط الماضي نفذت السلطات التونسية حملة توقيفات شملت قادة وناشطين في المعارضة التي تعتبر الإجراءات الاستثنائية التي فرضها الرئيس “انقلابا على دستور الثورة (دستور 2014) وتكريسا لحكم فردي مطلق”، فيما يراها فريق آخر “تصحيحا لمسار ثورة 2011”.
تضييق الخناق
من جهته، قال الدبلوماسي السابق عبد الله العبيدي إن من حق تونس أن تمارس سيادتها الوطنية على أراضيها “لكن ليس بهذه الطريقة”، لافتا إلى حق هؤلاء البرلمانيين الأوروبيين دخول تونس -بقطع النظر عن صفاتهم- على اعتبار أن تونس لا تفرض عليهم شروط التأشيرة.
وفي حديثه للجزيرة نت يرى العبيدي أن وزارة الخارجية التونسية لم تقم بدورها الحقيقي لتطويق المشاكل الدبلوماسية وتغليب الحوار ومد جسور التواصل على التشنج في تعاطي الدولة مع الأطراف الخارجية والداخلية، مقدرا أن تتجه تونس نحو عزلة دبلوماسية مع الاتحاد الأوروبي إذا استمر النظام التونسي بهذه القطيعة.
ولم يستبعد العبيدي حدوث تداعيات سلبية على تونس التي تمر بأزمة مالية خانقة بسبب مصاعب الاقتراض من الخارج، وتعطل الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، خاصة أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الشريك الاقتصادي الأول لتونس وتربطه بها اتفاقيات عدة تمنح حوافز لتصدير المنتجات الصناعية والفلاحية، ومنها زيت الزيتون.
وحذر العبيدي من إمكانية تضييق الخناق على التحويلات المالية بالعملة الصعبة للتونسيين المقيمين بأوروبا والذين يمثلون 80% من المغتربين التونسيين، مشيرا إلى تعالي بعض الأصوات المطالبة داخل الاتحاد الأوروبي بإلغاء بعض الاتفاقيات مع تونس.
استبداد أم سيادة وطنية؟
بدورها، انتقدت جبهة الخلاص الوطني المعارضة قرار المنع، معتبرة أن تلك الخطوة مسيئة للعلاقة بين تونس والاتحاد الأوروبي، ولا يبررها سوى توجس السلطة من القلق المتزايد في الأوساط الأوروبية إزاء تدهور حالة الحريات في تونس، خاصة أن الوفد البرلماني قد أدرج في جدول زيارته الالتقاء بممثلين عن عائلات المساجين السياسيين وجمعيات المجتمع المدني وأحزاب المعارضة.
كما عبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي عن رفضه قرار المنع، وقال في تصريح إعلامي إن تونس دخلت مرحلة الاستبداد وإن العمل السياسي فيها انتهى.
في المقابل، قال الناشط السياسي أحمد الكحلاوي إن النظام التونسي لم يرتكب أي خطأ بممارسة السيادة الوطنية على أراضي الدولة التونسية ومنع أطراف أجنبية من التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، مشيرا إلى أن الوفد الأوروبي سعى إلى لقاء “أطراف في المعارضة لفظها الشعب التونسي”، بحسب وصفه.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الكحلاوي متسائلا “إلى متى سنستمر في السماح للوفود الأجنبية بالتدخل في شأننا الداخلي تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان؟ هل كان التدخل العسكري بليبيا وسوريا والعراق من أجل حقوق الإنسان؟”، مشيرا إلى أن هناك تحاملا على الرئيس قيس سعيد من الخارج لأنه يسعى إلى بناء السيادة الوطنية.
واعتبر الكحلاوي أن دعوة الاتحاد الأوروبي للحوار الوطني “لا معنى لها لأن هناك جبهتين متناقضتين، واحدة مكونة من أحزاب حكمت طوال السنوات العشر الماضية وخربت البلاد، وبين جبهة يقودها الرئيس قيس سعيد ويساندها الشعب لبناء مشروع سيادي وطني مصمم على التعويل على الذات وليس على الخارج”.