هل يغير اصطفاف القبائل خلف الجيش السوداني مسار الحرب؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

الخرطوم- بعد عام من الحرب، تجاوز زعماء عدة قبائل سودانية مؤثرة حالة الحياد والصمت، وقرروا الاصطفاف إلى جانب الجيش، في خطوة عدها محللون وخبراء دعما للمؤسسة العسكرية وإضعافا لقوات الدعم السريع عسكريا وسياسيا، ومؤشرا لتآكل حاضنتها الاجتماعية.

وتتألف قوات الدعم السريع من مكونات اجتماعية غالبها عربية، أبرزها قبيلة الزريقات في دارفور، التي ينتمي إليها قائد القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ونائبه وأخوه عبد الرحيم دقلو، بالإضافة لقبيلتي المسيرية والحوازمة في إقليم كردفان.

وقد أعلن رئيس مجلس الصحوة الثوري وزعيم عشيرة المحاميد -أكبر بطون قبيلة الزريقات- موسى هلال، الاثنين الماضي، انحيازه الكامل للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع.

وظهر هلال في مقطع مصور مخاطبا حشدا من قوات مجلس الصحوة الثوري ورجال عشيرة المحاميد، في منطقة أم سنط بولاية شمال دارفور، بقوله “نؤكد وقوفنا مع مؤسسات الدولة، وخلف القوات المسلحة، ولسنا مع أي مليشيا”، مؤكدا أنهم ليسوا من “هؤلاء المرتزقة الذين يأتون بهم من تشاد والنيجر وأفريقيا الوسطى لغزو السودان”، حسب وصفه.

تراجع شعبية القوات

وبعث “حميدتي” في 15 فبراير/شباط الماضي وفدا من قيادات قواته ورموز قبلية إلى موسى هلال لطي صفحة الخلاف بينهما، واتفق الطرفان على التزام كل طرف بعدم الإضرار بالآخر، حسب ما كشفته مصادر قبلية للجزيرة نت.

كما اتفقا على احتفاظ هلال بقواته، ومنحه تعويضات على سيارات وأموال استولت عليها قوات الدعم السريع خلال اقتحامها مقر إقامته في منطقة مستريحة بشمال دارفور عام 2017، واعتقاله ومقتل نجله و9 من أنصاره وترحيله إلى الخرطوم، حيث لم يفرج عنه إلا في مارس/آذار 2022.

وسبق زعيم عشيرة المحاميد بالانحياز للجيش، رئيس مجلس شورى قبيلة الزغاوة، وسلطان قبيلة المساليت، إذ سبق أن اتهم تقرير أممي قوات الدعم السريع بقتل 15 ألف شخص من أفراد المساليت في ولاية غرب دارفور. كما تبنت مجموعات قبلية أخرى موقفا مماثلا، وعزت موقفها إلى حرصها على وحدة السودان أرضا وشعبا، وتجنيبه مخاطر التفكك والانهيار، ودعم الدولة وجيشها الوطني باعتباره مؤسسة قومية.

وفي إقليم كردفان انقسمت قبيلة المسيرية، التي يعتبر أبناؤها المكون الثاني في قوات الدعم السريع بعد الزريقات، حيث وقف أبناء المسيرية “الزرق” مع “حميدتي”، بينما وقف “الحمر” مع الجيش السوادني، ويقاتل أبناؤها في الفرقة 22 بمدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان، وصدوا موجات من الهجمات للسيطرة على المدينة.

وتعليقا على التحول في موقف عدة قبائل، يعتقد الخبير الأمني يوسف الصادق أن كثيرا من القبائل راجعت مواقفها بناء على التطورات العسكرية، بعدما حقق الجيش تقدما، وتراجعت قوات الدعم السريع، والانتهاكات التي ارتكبتها والخسائر الكبيرة في صفوفها، وباتت تخشى من ارتدادات وتداعيات ما بعد الحرب.

وفي حديثه للجزيرة نت رأى الخبير الأمني أن الحاضنة القبلية والاجتماعية للدعم السريع انقسمت عليه، وتزحزحت مواقف زعماء قبائل كانوا أقرب إلى “حميدتي”، وآخرين كانوا في الحياد، الأمر الذي سيرمي بظلاله على الأوضاع العسكرية والروح المعنوية، التي تمثل قوة وإرادة القتال لأي قوة في الحرب.

وعن تغير موقف موسى هلال، يقول الخبير إن ذلك سيحقق مكاسب عدة للجيش، ويمنحه مساحة شاسعة من الأرض التي تنفتح فيها قوات “مجلس الصحوة”، في موقع جغرافي يمثل الحاضنة المكانية والاجتماعية للدعم السريع دون قتال، ويمنح الجيش أرضا وقاعدة للعمليات في قلب دارفور وتأمين الدعم اللوجيستي والبشري له، مما يجعل من تخطيط “حميدتي” للسيطرة على ما تبقى من الإقليم أمرا صعبا.

التأثير القبائلي

وخلال الأشهر الماضية، أعلنت قيادات أغلب القبائل في شمال السودان وشرقه ووسطه مناصرتها للجيش، بجانب قبائل كبيرة في غرب السودان، أبرزها قبيلة حمر في ولاية غرب كردفان، التي شكلت قوة من 5 آلاف مقاتل لحماية مناطقها بالتنسيق مع الجيش.

وتجاوز أبناء قطاع مؤثر من قبيلة النوبة في ولاية جنوب كردفان الحركة الشعبية-الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو، التي تسيطر على بعض محليات الولاية، وقاتلوا إلى جانب الجيش في مواجهة الدعم السريع بمدينة الدلنج وحماية كادقلي عاصمة الولاية.

ويرى المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة التيار عثمان ميرغني أن الحرب عندما اندلعت كانت ذات أبعاد سياسية بالغالب، ولم تأخذ البعد القبائلي أو الجهوي إلا بعد اتساع نطاقها الجغرافي.

وبحسب حديث المحلل للجزيرة نت، فإن التحشيد القبلي المباشر والمضاد بدأ مع الزمن، وتوسع الدعم السريع في عقد تحالفات قبلية، ساعدت في رفده بمخزون مقدر من القوميات التي استجابت قياداتها لدعوة “حميدتي” بالوقوف إلى جانبه، على عشم أن تكون المكافأة نفوذا سياسيا واقتصاديا.

ويضيف أنه مع دخول الحرب عامها الثاني، بدا واضحا أن الاصطفاف القبائلي خلف الدعم السريع يواجه واقعا مختلفا عما تصورته قيادات تلك القبائل، حيث يرى المحلل أن الدعم السريع يتراجع ميدانيا وسياسيا، وتقترب الصورة النهائية للحرب من توضيح مستقبل لن يكون “حميدتي” من صناعه، علاوة على فواتير متراكمة من مخلفات ما جرى في دارفور والدور الذي لعبته قواته فيها.

ويضيف أن تأثير ذلك على الحرب كبير، إذ إن مساندة القبائل للجيش تمنحه تنوعا قوميا، يدحض كثيرا من شعارات الدعم واستثارة الكراهية بين غرب البلاد وشمالها، حيث بات الجيش يبدو أكثر قومية وتمثيلا للسودانيين من أي وقت مضى.

أسباب التحول

نشط خلال الفترة السابقة جسم جديد تحت مسمى “تنسيقة قبيلة الزريقات”، وتتشكل من نخب ومثقفي القبيلة التي ترى أن طموحات “حميدتي” وقوى خارجية دفعوه لتنفيذ مشروع لا يعرف مآلاته، وأن القبيلة تدفع ثمنا غاليا ويتعرض أبناؤها إلى ما يشبه الإبادة، وتشوهت صورتها أمام الشعب السوداني بتحميلها مسؤولية الجرائم والانتهاكات التي ترتكبها قوات الدعم السريع، لأن غالبية القوات وقيادتها تنتمي للقبيلة.

ويرى الباحث في شؤون قبائل غرب السودان إبراهيم عربي أن القبائل التي اصطفت مع الجيش لها تقاطعاتها، لكنها تضررت من الدعم السريع، وباتت على قناعة أن الحرب تجاوزت الخلافات الداخلية وصارت غزوا خارجيا، كما أن بعض هذه القبائل لديها ثارات مع حميدتي، وترفض مشروعه واستخدامه المليشيات العربية في مواجهة المجموعات الإثنية ذات الأصول الأفريقية، حسب توصيفه.

وبحسب حديث الباحث ذاته، للجزيرة نت، فإن موسى هلال يسعى لإنقاذ قبيلته، والمكون العربي الذي يتألف منه الدعم السريع “العطاوة”، لجمع شتاتهم وتجنيبهم الفناء، لكن ثمة مخاوف من قبل المكونات المناهضة لإعادة تجربة حميدتي مرة أخرى. ورجح المتحدث نجاح جهود هلال في التوصل إلى حل تفاوضي مع الحكومة، قبل أن “يتشتت” مقاتلو الدعم السريع ويتحولوا إلى جزر معزولة.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *