واشنطن- تقول مصادر أميركية إن الرئيس جو بايدن لعب دورا رئيسيا في الدفع باتجاه التوصل لاتفاق الهدنة المؤقتة المرتبطة بالإفراج عن 50 من الرهائن الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منهم 3 أميركيين.
وأشارت المصادر إلى تدخل بايدن للضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأعضاء حكومته. وبعدما توقفت المفاوضات في 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري اعتراضا على اقتحام إسرائيل مستشفى الشفاء، تحدث بايدن إلى أمير دولة قطر، كما أرسل مساعده لشؤون الشرق الأوسط، برت ماكغورك، إلى الدوحة والقاهرة لمراجعة تفاصيل الصفقة التي وافقت عليها إسرائيل وحركة حماس فجر اليوم الأربعاء.
وكانت شعبية الرئيس بايدن قد تراجعت بشدة إلى ما دون الـ40%، وهو نذير خطر قبل موسم انتخابات ساخن، وتأثرت تلك النسبة بتأكيد 70% من الأميركيين رفضهم تعامل بايدن مع حرب غزة.
احتفاء أميركي
وتبنى الرئيس الأميركي موقفا متماهيا مع الموقف الإسرائيلي منذ اليوم الأول للعدوان على قطاع غزة، ورفض كل دعوات وقف إطلاق النار، وبرر ذلك بأن التوصل لهذا الوقف يُعد انتصارا لحماس.
ومع استعداد الأميركيين للاحتفال غدا بـ”عيد الشكر”، احتفى الإعلام الأميركي بخبر التوصل لصفقة بين إسرائيل وحركة حماس، وأبرزوا وجود 3 أميركيين ضمن المفرج عنهم، واعتبروا ذلك نجاحا لموقف الرئيس بايدن من أزمة غزة.
وأصدر بايدن بيانا عقب إعلان التوصل للصفقة وقال إنه بصفته رئيسا للولايات المتحدة “ليس لدي أولوية أعلى من ضمان سلامة الأميركيين المحتجزين كرهائن في جميع أنحاء العالم. لهذا السبب -منذ اللحظات الأولى لهجوم حماس الوحشي -حسب تعبيره- عملت أنا وفريقي للأمن القومي عن كثب مع الشركاء الإقليميين لبذل كل ما في وسعنا لتأمين إطلاق سراح مواطنينا”.
وأضاف “أن صفقة اليوم هي شهادة على الدبلوماسية الدؤوبة وتصميم العديد من الأفراد المتفانين في جميع أنحاء حكومة الولايات المتحدة على إعادة الأميركيين إلى أرض الوطن”.
ويرى دبلوماسيون وخبراء أميركيون -تحدثوا للجزيرة نت- أن فريق بايدن تعامل بحنكة مع ملف التفاوض، مع ترك مساحة كبيرة لقطر ومصر للعب دور مباشر والتواصل مع قادة حماس، في حين التفتت إدارة بايدن للضغط على حليفه الإسرائيلي.
وقال السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، إن بايدن نجح بالعمل مع قطر وإسرائيل، وبشكل غير مباشر مع حماس، وتمكن من الحصول على اتفاق لتبادل الرهائن مقابل معتقلين فلسطينيين، وأضاف أن “التركيز على النساء والأطفال يعد نقطة جديرة بالملاحظة، وأعتقد أن هذا سيلعب بشكل جيد مع الرأي العام المحلي للولايات المتحدة”.
معارضة ديمقراطية
وأشار ماك إلى مواجهة بايدن رفضا متزايدا من داخل حزبه، لا سيما من الديمقراطيين الأصغر سنا والأميركيين العرب، وهما مجموعتان صوتتا بكثافة لصالح بايدن عام 2020.
وقال تشارلز دان المسؤول السابق بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية والخبير بمعهد الشرق الأوسط والمحاضر بجامعة جورج واشنطن -للجزيرة نت- إنه “من المؤكد أن بعض الفضل يرجع لبايدن، حيث كانت الإدارة تضغط من أجل صفقة الرهائن. ومن المفاجئ بالنسبة لي أن حماس قبلت على ما يبدو صفقة 1 مقابل 3”.
أما “أسال راد” الباحثة في مؤسسة مجموعة أوراسيا، فأوضحت -للجزيرة نت- أنه يمكن منح بايدن بعض الفضل وراء الدور الأميركي في التوسط في هذه الصفقة، ومع ذلك، تتمتع الإدارة بنفوذ أكبر بكثير تختار عدم استخدامه، وبدلا من ذلك، أعطت إسرائيل دعمها الكامل رغم الخسائر الهائلة في صفوف المدنيين والاحتجاج الدولي.
بدوره، اعتبر خبير الشؤون الإستراتيجية ومدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو، في حديث للجزيرة نت، أن الاتفاق الذي توسطت فيه قطر بين إسرائيل وحماس مهم ويمثل أهم انفراجه دبلوماسية منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة الشهر الماضي.
وبالإضافة إلى قطر، بذلت جهات فاعلة أخرى مثل مصر عملا كبيرا لجلب إسرائيل وحماس إلى هذه النقطة. واعتبر كافيرو أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على ذلك بسبب الضغط السياسي المتزايد محليا في إسرائيل وحقيقة أن الحرب على غزة قد أضرت بشكل كبير باقتصادها منذ الشهر الماضي.
ويضيف أنه بعد شن عمليات عسكرية ضد غزة بدون أي إستراتيجية واقعية لنهاية اللعبة، فإن هذا التوقف لمدة 4 أيام يمكن أن يمنح الحكومة الإسرائيلية فرصة للبحث في الخطوات القادمة.
انتقادات
من ناحية أخرى، ظهرت بعض الانتقادات للصفقة، وعبر جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، عن غضبه من التوصل لهذا الاتفاق وهاجم بايدن، وغرد على منصة إكس قائلا إن “التفاوض مع الإرهابيين لا يجدي نفعا أبدا. إن إصرار بايدن على أن تساوم إسرائيل مع حماس هو خطأ مأساوي مثل ما قام به من مبادلته 6 مليارات دولار مع إيران بـ5 رهائن أميركيين”.
وأضاف “لو كانت حماس متحضرة، لما أخذت رهائن أبدا. ومع ذلك، فهي بربرية تماما. يجب أن يظل الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي والأميركي هو تدمير إرهاب حماس”، وفق تعبيره.
ورد ديلان ويليامز المسؤول السابق بالكونغرس ونائب رئيس مركز السياسة الدولية بواشنطن، على تغريدة بولتون، وقال إنه “في هذه اللحظة الحساسة -عندما يصلي الإسرائيليون من أجل عودة أحبائهم أخيرا إلى ديارهم ويتوقف قصف الأطفال الفلسطينيين- من المؤكد أن شخصا (يقصد بولتون) بما لديه من سجل من الفشل الملحمي في السياسة الخارجية، يحاول تدمير بصيص الأمل هذا”.
وعبّر السفير ماك عن رؤية مستقبلية متفائلة، وذكر أن إحراز تقدم ملموس نحو رؤية بايدن لحل الدولتين على المدى الطويل يتطلب تنشيط السلطة الفلسطينية وإصلاحها حتى تتمكن من التفاوض بفعالية مع الحكومة الإسرائيلية، وأن تتمتع الحكومات العربية بالنفوذ للضغط من أجل هذه التغييرات.
وتابع أنه إذا حدث ذلك، فإنه سيضيف قوة إلى الرأي القائل بأن إسرائيل بحاجة إلى حكومة جديدة تلتزم بحل الدولتين، وإذا حدثت هذه التغييرات، فقد يكون بايدن “صانع سلام جديدا في كتب التاريخ”.
ويعتقد تشارلز دان أنه سيكون نجاحا كبيرا “لو تُعد هذه الصفقة مؤشرا على وقف أوسع لإطلاق النار، ولكن يبدو أن إسرائيل أوضحت أنها ستواصل الحرب على حماس عندما تنتهي هذه الهدنة المؤقتة”.
من جانبه، قال خبير الشؤون الإستراتيجية جورجيو كافيرو، إن الوضع الأكثر مثالية هو تمديد هذا التوقف، ليصبح في نهاية المطاف توقفا دائما للأعمال العدائية. وقد أوضح مسؤولون إسرائيليون أنه سيكون هناك تمديد إذا أطلقت حماس سراح المزيد من الرهائن.
وأضاف أنه من غير الواضح ما هي التنازلات، بخلاف تمديد وقف القتال، التي ستطلبها حماس مقابل إطلاق سراح المزيد من الرهائن. “ونأمل أن يتمكن الدبلوماسيون القطريون والمصريون، وغيرهم، من البناء على هذا الاختراق والتأكد من أن هذا التوقف المؤقت في المذبحة يمكن أن يصبح وقفا دائما لإطلاق النار”.