هل يستحق بوتين ولاية رئاسية خامسة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

موسكو- دخلت عملية التصويت بالانتخابات الرئاسية في روسيا السبت يومها الثاني، وسط توقعات بفوز الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بأغلبية ساحقة من الأصوات، وهو ما يعني تلقائيًا انتهاء الانتخابات دون التوجه إلى جولة ثانية.

وفي حال حدوث ذلك، فإنها ستكون المرة الخامسة التي يتولى فيها بوتين منصب الرئاسة في روسيا، بعد أن أُعيد انتخابه عام 2018 لولاية رئاسية، قبل اعتماد تعديلات دستورية عام 2020، سميت “إعادة ضبط الفترات الرئاسية” (تصفيرها) حيث تسمح لبوتين بالترشح لمنصب الرئاسة حتى عام 2036.

الرئيس الروسي السابق يلتسين (يسار) مع رئيس الوزراء آنذاك بوتين بالكرملين عام 1999 (رويترز)

حقبة التسعينيات

تولى بوتين السلطة من بين يدي بوريس يلتسين، في ظل اقتصاد فقير ومبتلى بالأزمات، حيث كان إما في حالة سقوط حر أو انحدار بطيء طوال فترة التسعينيات، وتميزت هذه الفترة بظواهر شاذة عن “القواعد الصحية” لاقتصاد السوق، إذ استفحلت المضاربات واحتكار السلع، وعدم دفع الرواتب وتفشي التضخم، والقفزات المتواصلة وغير المتوقعة في سعر صرف الروبل (العملة المحلية) في غير صالحه، إضافة إلى العجز الضخم بالميزانية والدين الوطني، والتخلف عن السداد، وعدم دفع الأجور.

وإلى هذه القائمة يمكن كذلك إضافة المديرين مشكوك في نزاهتهم، وحالة شبه إفلاس للمؤسسات، وسلطة طاغية للعصابات.

كان ذلك كله في سنوات السلم، حيث أشارت بيانات وتقارير إلى أن نمو الاقتصاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية كان أفضل من حقبة التسعينيات التي أعادت الدولة العظمى لمصاف دول العالم الثالث في كثير من المجالات، رغم الاحتياطي الإستراتيجي الهائل للثروات، ولا سيما النفط والغاز.

ويضاف إلى ذلك تراجع دور روسيا الكبير على الساحة الدولية، والاضطرابات الداخلية التي شهدتها وترافقت مع نمو المشاعر الانفصالية، أو تلك المطالبة بهامش أوسع من السيادة لدى مكونات جغرافية عديدة داخل البلاد، اتخذت في بعض المراحل حالة التمرد المسلح.

وقد لعبت هذه المعطيات دورًا ملموسًا في تقييم أداء بوتين لإدارة الدولة منذ عام 1999، وشكلت في كثير من الحالات أساس أي مقاربة، انطلاقًا من عامل المقارنة بين عهدي الرئيس السوفياتي الأول والأخير ميخائيل غورباتشوف، والرئيس الأول لروسيا بعد إنهيار الاتحاد السوفياتي بوريس يلتسين.

على حافة الانهيار

وحسب ما يقول للجزيرة نت الكاتب السياسي ألكسندر نوفوجيلوف، فقد “قاد بوتين روسيا في وقت كانت فيه البلاد في حالة محفوفة بالمخاطر، على المستويين الاقتصادي والسياسي، وكان الاقتصاد في حالة ركود والسكان فقراء” ويضيف “كما أنشأت حركات انفصالية شمال القوقاز جيوبها الخاصة التي توسعت مع الوقت، مما وضع وحدة الأراضي الروسية تحت تهديد مباشر”.

ويتابع نوفوجيلوف بأن “النظام الصارم، الذي وضعه رئيس الدولة الجديد، تمكن من وضع حد لهذه التهديدات واستعادة سلطات الدولة، فضلاً عن تنفيذ إصلاح إقليمي وإداري واسع النطاق، أنعش التفاعل بين المركز والأقاليم، وثبت سيطرة الدولة على كافة نواحي الحياة فيها”.

ووفقًا له، فقد “تمكن بوتين من تحقيق هدفين رئيسيين: الحفاظ على وحدة روسيا، واستعادة مكانتها كقوة عظمى على المسرح العالمي، بعد أن تم شطبها تقريبًا من ميزان القوى العالمي، قبل أن تعود بعد عقد ونصف العقد إلى الساحة العالمية، كواحدة من أكبر اللاعبين الجيوسياسيين والعسكريين وأكثرهم تأثيرًا”.

وفي الشأن الداخلي، يعطي الكاتب أمثلة كمعدلات نمو المؤشر الرئيسي “حيث باتت روسيا تحتل مواقع متقدمة وفق المتوسط ​​​​العالمي، فضلًا عن الآفة التي لطالما عانى منها الاقتصاد الروسي والمتمثلة بالتضخم، حيث حققت رقمًا قياسيًا فترة ما بعد الاتحاد السوفياتي، يتماشى مع المؤشرات المعمول بها داخل الدول المزدهرة”.

ويشير المتحدث نفسه إلى التحسن الملموس في الرخاء الاجتماعي، وانخفاض معدلات الجريمة بشكل ملحوظ “حيث انخفض عدد جرائم القتل العمد ومحاولات القتل على سبيل المثال أكثر من 5 مرات”.

التفاوت الاجتماعي

في المقابل، يقول يقول الكاتب السياسي سيرغي سورجيكوف إن “بوتين لم يتمكن من معالجة ما يصفه بالتفاوت الكبير للغاية في الدخل بين السكان، والنقص المزمن في الاستثمار في الاقتصاد، والحصة المنخفضة جدا من الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي”.

كما يشير إلى استمرار عدم القدرة على التنبؤ بالمشهد الاقتصادي والسياسي، مضيفًا إلى أن “الشركات العاملة في روسيا غالبًا ما تفضل تسجيل الممتلكات والمعاملات في الخارج، لتجنب عمليات الاستحواذ المحتملة من قبل الدولة، أو نتيجة لقرارات غير مسؤولة من قبل المحاكم”.

ويوضح سورجيكوف أنه إضافة لعوامل أخرى، فإن “البلاد تعرضت لعملية هروب الكوادر المؤهلة، نتيجة قلة الوظائف الواعدة ذات الأجور المرتفعة، بسبب ضعف الطلب من الدولة، وشبه غياب للقطاع الخاص الذي يعمل في مجال التقنيات العالية”.

كذلك يرى الكاتب السياسي ذاته بأن عمليات التكامل في بلدان رابطة الدول المستقلة قد فشلت، ولا يشكل أي منها -بما فيها بيلاروسيا وكازاخستان- حلفاء إستراتيجيين حقيقيين لروسيا، سواء عسكرياً أو سياسياً، مسميًا إياها بـ”الشراكة الظرفية”. ولفت إلى أن أزمة 2014-2018 أثبتت ذلك بشكل كامل، متسائلًا “أين كان دعم كل هذه الدول في سوريا وشبه جزيرة القرم والقضية الأوكرانية؟”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *