واشنطن – رغم أن نسبتهم لا تتعدى 2.4% من سكان الولايات المتحدة، بعدد يقارب 7.5 ملايين شخص، يملك الناخبون الأميركيون اليهود، في عدد من الولايات الحاسمة، قوة تصويتية كبيرة بما يكفي لترجيح كفة مرشح على آخر والفوز بالانتخابات الرئاسية.
وبالنظر إلى تصميم نظام المجمع الانتخابي بحيث يأخذ الفائز بالولاية كل أصواتها، يمكن لعدد صغير فقط من الناخبين في ولايات متأرجحة إهداء الفوز لمرشح بعينه، وهذه الإمكانية تتجلى بوضوح في بنسلفانيا وأريزونا، بالنسبة للصوت اليهودي.
ويعيش أغلب يهود أميركا في 4 ولايات شبه محسومة النتائج، وهي نيويورك ونيوجيرسي وكاليفورنيا، وهي ولايات تصوت تقليديا للديمقراطيين، إضافة لولاية فلوريدا التي أصبحت جمهورية. ويبلغ عدد اليهود أكثر من 2% من سكان ولايتين حاسمتين متأرجحتين، وهما بنسلفانيا وأريزونا.
ويبلغ عدد الأميركيين اليهود في ولاية بنسلفانيا ما يزيد قليلا على 300 ألف شخص، وهو يماثل عدد مسلمي ولاية ميشيغان المتأرجحة كذلك. ويمثل هؤلاء الناخبون اليهود ما يقرب من 3% من إجمالي أصوات الناخبين بالولاية التي لها 19 مقعدا في المجمع الانتخابي، هو ما يجعلها أكبر الولايات المتأرجحة.
وفي انتخابات عام 2016، فاز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بولاية بنسلفانيا بهامش أقل من 0.7% (44 ألف ناخب) بينما في عام 2020، حصل المرشح الديمقراطي جو بايدن على أصوات الولاية بهامش 1.2% (80 ألف ناخب).
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن أكثر من ثلثي الناخبين اليهود في الولاية ديمقراطيون، أو يميلون إلى الديمقراطيين. ويعرف عن اليهود مشاركتهم بنسب مرتفعة في الانتخابات الرئاسية، من هنا، يرجح مراقبون أن يكون لنمط تصويتهم تأثير كبير على أكبر الولايات المتأرجحة.
وتعد ولاية أريزونا، التي لها 11 مقعدا في المجمع الانتخابي، ثاني أكبر الولايات المتأرجحة من حيث عدد ناخبيها اليهود البالغ عددهم 125 ألفا، أي أكثر بقليل من 2% من إجمالي الناخبين في الولاية. في انتخابات عام 2016، فاز ترامب بالولاية بفارق 90 ألف صوت، وفي انتخابات 2020 فار بايدن بأريزونا بفارق 11 ألف صوت فقط.
إسرائيل وتصويت اليهود
من أحد أهم الأسئلة التي تثار في هذه الدورة الانتخابية هو ما إذا كانت إسرائيل ستكون قضية مركزية لأكثر من 5 ملايين ناخب يهودي أميركي، وهل ستبعد أو تجذب أغلبية الناخبين اليهود من ولائهم التاريخي للحزب الديمقراطي ومرشحيه.
وفي حديث للجزيرة نت، اعتبر روبي غريشتاين، وهو ناخب يهودي يقطن بشمال غرب العاصمة واشنطن، أن “إسرائيل قضية محورية عند اليهود الأميركيين، إلا أن الدعم الواسع والمستقر من مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري خلال هذه الدورة الانتخابية، مثلها مثل أغلب الانتخابات السابقة، يجعلها قضية هامشية في اختيار المرشح الرئاسي الذي يسانده أغلب يهود أميركا”.
وأشار غريشتاين إلى أن “فوز كامالا هاريس سيضمن استمرار سياسة دعم إسرائيل التي تبنتها إدارة بايدن، ولو فاز ترامب، فلربما نشهد دعما أكثر. لكن لا أتصور ذلك، فقد حصلت إسرائيل بالفعل على كل ما تريد من الإدارة الديمقراطية الحالية”.
ورغم أن الناخبين اليهود ليسوا متجانسين في وجهات نظرهم حول القضايا الاجتماعية أو فيما يتعلق بالمرشحين الذين يدعمونهم، فإن 75% منهم يرون أنفسهم ليبراليين وليسوا محافظين.
وتؤكد الاستطلاعات المتتالية لمركز بيو للأبحاث وغيره، ثبات التوجه السياسي الليبرالي لغالبية يهود أميركا، نتيجة تبنيهم مواقف تقدمية من القضايا الاجتماعية الأساسية كالإجهاض والحريات الجنسية.
ويعد الجدل بشأن زيادة معاداة السامية منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بين تيارات الحزب الديمقراطي التقدمية، أحد أهم أسباب ميل الناخبين اليهود مؤخرا للمرشح الجمهوري ترامب.
وعبر الكثير من الناخبين اليهود عن عدم ارتياحهم لما يعتبرونه “تسامح الحزب الديمقراطي مع الأصوات التي تنتقد إسرائيل بعبارات متطرفة، مثل وصف ما يجري في غزة بأنها إبادة جماعية” حسبما يقول غريشتاين للجزيرة نت.
ويدعم الناخبون اليهود القوانين التي تحظر على الناس ارتداء الأقنعة أو تغطية وجوههم بقصد إخفاء هويتهم أثناء التجمع في مكان عام، مثل الاحتجاجات والاعتصامات، وهي قضية بارزة بشكل متزايد بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في حين أن الناخبين اليهود متحالفون بقوة مع الديمقراطيين بشأن قضية الإجهاض حتى الجمهوريين بينهم، فإن وجهات نظرهم تتفاوت حول الهجرة، إذ إنهم يدعمون المزيد من التدقيق في هذه العملية، لكنهم في الوقت نفسه يدعمون زيادة هجرة ذوي المهارات العالية.
واقع معقد
يؤمن ترامب بأحقيته في الحصول على أصوات أغلبية الناخبين من يهود أميركا، لا سيما بعد نقله السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، واعترافه بالأخيرة “عاصمة موحدة ودائمة لإسرائيل”، وبالجولان “أرضا إسرائيلية”.
وكان ترامب أيضا قد أغلق المكتب الدبلوماسي الفلسطيني في واشنطن، وكذلك القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، بالإضافة لانسحابه من الاتفاق النووي مع إيران.
غير أن واقع الصوت اليهودي يبدو أكثر تعقيدا من حسابات ترامب، إذ يصوت -تاريخيا- أكثر من ثلثي اليهود الأميركيين للحزب الديمقراطي، بينما يأمل ترامب أن يتمكن من إحداث ثغرة واختراق في أصوات اليهود تمنحه أغلبيتها أو نصفها على الأقل.
ورغم أن أغلب اليهود الأميركيين ينظرون إلى المرشح الجمهوري على أنه شديد الود تجاه إسرائيل، فإن 68% منهم سبق أن صوتوا لصالح منافسه الديمقراطي جو بايدن في انتخابات 2020، كما تشير كل استطلاعات الرأي إلى نية 60% إلى 70% من يهود أميركا التصويت لصالح المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
ويشير استطلاع رأي حديث أجراه المجلس الديمقراطي اليهودي الأميركي إلى حصول هاريس على دعم 71% من يهود أميركا، في حين حصل ترامب على 26% فقط. وكشف الاستطلاع أن أهم القضايا التي تهم الناخب اليهودي مماثلة للقضايا التي تهم جميع الناخبين، وهي مستقبل الديمقراطية والإجهاض والاقتصاد.