جاكرتا- في بلد يطغى فيه العنصر الشبابي مثل إندونيسيا، تكاد تدور الحملات الانتخابية، التي تجري في 14 فبراير/شباط الجاري، حول هذه الفئة لاجتذابها وإقناعها بالتصويت لهذا المرشح أو ذاك، ويستخدم المرشحون كل الوسائل التي توصلهم إلى الشباب وبالأساليب التي تروق لهم.
وحسب مفوضية الانتخابات، فإن عدد سكان إندونيسيا يبلغ 273 مليون نسمة، ويحق لحوالي 205 ملايين التصويت، ويشكل الشباب منهم ما نسبته 56% من الناخبين.
وتعرف المفوضية فئة الشباب بأنها التي تجمع بين جيل (الألفية من 31-40 عاما) ويشكلون 33.3% من الناخبين، و”جيل زد” (من 17-30 عاما) حوالي 24.1%.
وفي بلد يشكّل فيه هذان الجيلان أكثر من نصف الناخبين، تتراوح أعمار المرشحين؛ وزير الدفاع برابوو سوبيانتو وحكام المقاطعات السابقين أنيس باسويدان وغانجار برانوو، بين 54 و72 عاما، باستثناء العنصر الشبابي الوحيد غيبرين راكابومينغ راكا (35 عاما)، المرشح لمنصب نائب الرئيس مع برابوو سوبيانتو، وهو نجل الرئيس الحالي جوكووي.
تواصل اجتماعي نشط
وكشفت شركة الأبحاث الرقمية بوبليكس أن الناخبين من “جيل زد” يعلّقون آمالا كبيرة على حديث المرشحين، بينما يميل جيل الألفية إلى تفكير أكثر واقعية وتشكيكا في خطابات الحملات الانتخابية.
وقالت بوبليكس في دراسة، أعدتها في الفترة من 31 أغسطس/آب إلى 12 سبتمبر/أيلول 2023، حول الانتخابات إن غالبية الشباب الإندونيسي (13-24 عاما) يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي مصدرا رئيسا للمعلومات الانتخابية.
ولهذا يركز المرشحون الرئاسيون الثلاثة، فضلا عن المرشحين للبرلمانات، على الوصول لهذه الفئة ومخاطبتها بالوسائل والطريقة التي تستهويها؛ حيث يشارك كل منهم بنشاط في حملات واسعة النطاق، على تيك توك وإنستغرام للتأثير في أصوات هذا الجيل.
وتظهر إحصاءات “مؤسسة إندونيسيا الرقمية” لعام 2023 أن 167 مليون مواطن ينشطون على منصات التواصل الاجتماعي، من بين 212 مليون مستخدم للإنترنت في مطلع العام نفسه.
وبالتفصيل، فإن 184 مليون مستخدم لإنستغرام و178 مليون إندونيسي في فيسبوك، أما تيك توك فلديه 126 مليون مستخدم، لكنه في تصاعد مستمر.
فعلى سبيل المثال بعد المناظرة الأولى لمنصب نائب الرئيس الشهر الماضي، تمت مشاهدة مقاطع من البث 300 مليون مرة خلال 12 ساعة على تيك توك.
وبعد المناظرة الرئاسية الثانية هذا الشهر، ظهر المرشح الرئاسي ذو الشعر الأبيض برانوو على الهواء مباشرة على تطبيق تيك توك مرتديا سترة عسكرية خضراء، مقلدا توم كروز في فيلمه (توب غن).
كما غمرت مقاطع الفيديو للمرشح سوبيانتو، البالغ من العمر 72 عاما وهو يرقص، حسابات وسائل التواصل الاجتماعي في إندونيسيا، مما حول صورته من جنرال متقاعد لاحقته تهم انتهاكات حقوق الإنسان في أواخر التسعينيات إلى “جد لطيف” كما يحب الشباب تسميته.
ووفقا لبوبليكس، فإن الصفات القيادية، والرؤية الواضحة، والقبول، هي من الخصائص المفضلة للناخبين الشباب في إندونيسيا. وهذا يجعل حملات وسائل التواصل الاجتماعي حاسمة بشكل خاص في هذا السباق الانتخابي.
وحول ما يتعلق بالسياسات المحددة، يطالب 83% من المشاركين في الاستطلاع الحكومة بخلق المزيد من فرص العمل، ويأمل حوالي 76% في تحسين فرص التعليم للمساعدة في تحقيق الأمن الوظيفي، ويطالب 72% بسياسات أكثر فاعلية لمنع الفساد في الحكومة.
بينما يبدي كثير من الشباب قلقه على الهُوية الوطنية الإندونيسية تحت تأثير ثقافة الغرب والصين ومؤخرا كوريا، التي تسببت في تآكلها في بعض النواحي.
تفاؤل حذر
الجزيرة نت استطلعت آراء الشباب الإندونيسيين حول رؤيتهم للبرامج الانتخابية وواقعيتها، وما يطلبونه من الرئيس المنتخب القادم.
إيمان عبد الرحمن (23 عاما)، وهو طالب في الجامعة الإسلامية الحكومية، يتمنى من الرئيس المنتخب أن يكون أمينا في أداء مسؤولياته، “وألا يقدم مصالحه الشخصية على مصالح الوطن لتأمين مستقبل أفضل لإندونيسيا المتنوعة عرقيا ودينيا، وأن يتمكن من القضاء على المحسوبيات والرشوة والفساد الذي تعاني منه البلاد منذ عقود”.
أما عزام زيندان نور (24 عاما)، وهو طالب في الجامعة الآسيوية في ماليزيا، وعاد للمشاركة في الانتخابات، فيقول “نمارس حقنا في الانتخاب لأول مرة، ونتمنى من الرئيس القادم أن يعيد بناء الحياة الديمقراطية في البلاد بشكل صحيح”.
ويوضح نور بالقول “يمكن تحقيق ذلك بإعادة الاعتبار للمواطن فهو أساس الحياة الديمقراطية وليس النفوذ المالي والسياسي، ومكافحة انتهاك حريات المواطن في التعبير عن رأيه وانتقاد الحكومة؛ لأن ذلك يقتل الحياة الديمقراطية. وأن يتمكن من تحسين الوضع الاقتصادي والتعليمي والصحي للمواطنين، حتى نمشي معا إلى الزمن الذهبي لإندونيسيا في 2045”.
بينما يبدي فراس أنور مولانا (24 عاما)، ويعمل مدرسا في مدرسة خاصة، تفاؤلا بأن المرشحين للرئاسة لديهم القدرة على تحقيق وعودهم الإيجابية التي قطعوها على أنفسهم في الحملات الانتخابية.
وحول ما يطلبه من الرئيس القادم يقول “نأمل الاهتمام بالطبقة الفقيرة، وهي واسعة في المجتمع، وتأمين استقرار أسعار الوقود، وخفض معدلات البطالة، والتركيز على جيل الشباب ومشاركتهم في صنع القرار بطريقة مناسبة”.
وهو ما طالب به -أيضا- هيرانا نوغراها (22 عاما)، المدرس في مدرسة خاصة، من إشراك جيل الشباب، خاصة أن بعض المرشحين يحسبون على هذا الجيل، “فنحن كوننا شباب لدينا تطلعات لأن يكون بلدنا مستقرا وآمنا، فوطننا يهمنا كما يهم الحكومة ومؤسسات الدولة، ومن حقنا المشاركة بالصيغة المناسبة في تنمية بلدنا إلى جانب الحكومة”.
قلق شبابي معيشي
يعيش الشباب الإندونيسي ضغوطا كبيرة وقلقا على تأمين متطلبات الحياة الكريمة في ظل ارتفاع الأسعار، وتدني قيمة الروبية.
ومع بداية حقبة النظام الديمقراطي الجديد في 1998 كان خط الفقر للفرد شهريا في حدود 42,000 روبية (حوالي 4.5 دولارات)، أما اليوم ووفق إحصائية 2023 ارتفع خط الفقر للفرد في الشهر إلى 550,458 روبية (حوالي 35 دولارا). وهو ما يشكل عبئا على الشباب الذي يبدأ حياته العملية في ظل تدني فرص العمل والدخل.
وتؤمن عائشة بوتري بوديارتي، الباحثة في “الوكالة الوطنية للبحوث”، أن “الشباب لهم دور مؤثر وكبير في الانتخابات، لذلك يركز المرشحون على مخاطبتهم، وهذا واضح في هذه الانتخابات أكثر من السابقة، فهم يشكلون أكثر من نصف الكتلة الناخبة”.
وتقول في حديثها للجزيرة نت “بالطبع يتأثر الشباب بإستراتيجية عمل الحملة الانتخابية للمرشحين، وأكثر الساحات والوسائل تأثيرا في هذا القطاع هي منصات التواصل الاجتماعي، التي ينشط فيها القطاع الشبابي، ولذلك فالمرشح الناجح هو الذي يستطيع الوصول إلى الشباب وإقناعهم ببرنامجه، خاصة ما يتعلق بهم وبمستقبلهم، فهم أكثر وعيا من الأجيال الأكبر”.
وحول القضايا التي تهم الشباب في الحملات الانتخابية، تقول بوديارتي “حسب دراسات حديثة عدة من مراكز استطلاعات الرأي، فإن أكثر ما يشغل الشباب هو توفر فرص العمل فهم في عمر الإنتاج أو مقبلون عليه، مثل طلبة الجامعات، ثم يهمهم البرامج الاقتصادية للمرشحين لضمان مستقبل مستقر لعائلاتهم الحالية أو القادمة، ثم تأتي أهمية التأمين الصحي والخدمات الصحية في البلاد”.
ثقافة سطحية
أما الباحث في “مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية” محمد صالح، يقول “لست متأكدا من أن الشباب سيكون لهم دور مهم في تحديد مسار هذه الانتخابات، رغم أن أكثر من نصف الناخبين من هذه الفئة؛ لأن غالبيتهم ليسوا مثقفين سياسيا، وما لديهم من وعي سياسي يأتي من منصات التواصل، وهذه لا تقدم ثقافة سياسية حقيقية بقدر ما هي للترفيه”.
ويؤكد صالح في حديثه للجزيرة نت، أن اعتبار ترشيح غيبران، نجل الرئيس جوكووي نائبا للرئيس، انتصارا للشباب غير صحيح لأنه لم يجر اختياره لأنه شاب (35 سنة) بل لأنه ابن الرئيس، وهذا ليس فيه دلالة على الاهتمام بعنصر الشباب.
وعن العوامل التي تؤثر في اختيارات الشباب عند الاقتراع، يقول صالح حسب دراسات مراكز الاستطلاع التي بحثت هذا الأمر، فإن 37% منهم يتأثر بمن حوله وقناعاتهم، و32% تؤثر فيهم البصمة الرقمية للمرشح أو حضوره ونشاطه على المنصات، وأخيرا يتأثر 29.6% منهم بالصور واللافتات المنتشرة في الشوارع.