قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن إستراتيجية إسرائيل الطويلة الأجل في غزة لا يزال يكتنفها الغموض بالنسبة لمعظم الإسرائيليين والفلسطينيين وحتى لأقرب حلفائها في الولايات المتحدة رغم مرور أكثر من شهر على الهجوم الإسرائيلي المدمر على القطاع.
وأضافت الصحيفة أن الضراوة التي اتسم بها رد إسرائيل على هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي فاقمت سمة عدم الوضوح بشأن مستقبل غزة بعد الحرب، إذ لا أحد يعرف متى أو كيف ستنتهي، كما أنه ليس من الواضح ما يعنيه عمليا تدمير منظمة بذراعيها السياسية والعسكرية كانت على مدى الـ16 سنة الماضية جزءا لا يتجزأ من منظومة التدبير والخدمات العامة في غزة.
عزل غزة
ومع ذلك، قالت الصحيفة إن مسؤولين إسرائيليين أشاروا إلى أنه سيتم عزل غزة عن إسرائيل، وربما يتم ضغطها أكثر من أي وقت مضى بمناطق عازلة جديدة وحواجز أمنية داخل القطاع.
ونقلت عن مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن إميل حكيم قوله إن التفكير في “اليوم التالي” حاليا يبدو كأنه تشتيت مقصود أو غير مقصود عما يتم الآن “فما تفعله إسرائيل الآن هو الذي سيحدد ما يمكن فعله في اليوم التالي”.
ومع تصاعد الضغوط الدولية من أجل وقف إطلاق النار أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا الأسبوع -تضيف الصحيفة- أوضح مؤشر حتى الآن على تفكير حكومته بشأن فترة ما بعد الحرب مباشرة، قائلا إن إسرائيل “ستفعل ذلك إلى أجل غير مسمى.. تحمّل المسؤولية الأمنية الشاملة لغزة”.
ويوضح مسؤولون إسرائيليون أن هذا قد يشمل القوات المتمركزة في غزة بعد انتهاء الحرب.
ويقول أحد كبار هؤلاء المسؤولين “سيتعين علينا أن تكون قواتنا في مناطق مختلفة لتمكين المرونة العملياتية، استيقظنا جميعا في السابع من الشهر الماضي على واقع جديد، هذا يعني لنا جميعا ألا نفكر من منظور الماضي”.
المنطقة “ب”
ويعتقد البعض في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن الوضع أقرب إلى الوضع في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة في ما تسمى “المنطقة ب”، حيث تمارس القوات الإسرائيلية السيطرة الأمنية إلى جانب سلطة مدنية فلسطينية، وهذا هو السيناريو الأكثر ترجيحا.
لكن آخرين من اليمين الإسرائيلي طالبوا بأن يمارس الاحتلال سيطرة أكثر وبلا قيود على غزة، بل وحتى إعادة إدخال المستوطنات الإسرائيلية -التي يعتبرها معظم المجتمع الدولي غير قانونية- إلى القطاع.
وقدم أعضاء من حزب الليكود -الذي يتزعمه نتنياهو- مشروع قانون من شأنه إلغاء التشريع الذي تم إقراره بعد انسحاب إسرائيل عام 2005، والذي يمنع الإسرائيليين من دخول غزة.
وقال وزير التعليم يوآف كيش في وقت سابق هذا الأسبوع “لا يوجد وضع قائم، ولا شيء مقدس”.
وأثار مثل هذا الحديث إلى جانب طرد إسرائيل مئات الآلاف من سكان غزة من شمال القطاع مخاوف الفلسطينيين من أن ينتهي الأمر بها إلى السيطرة على القطاع.
شرطان في المستقبل
ويقول مسؤول إسرائيلي كبير “لا أعتقد أننا نريد السيطرة على مليوني فلسطيني، وفي ما يتعلق بالآليات المستقبلية لغزة مهما كانت هناك شرطان: الأول هو أنه لا يمكن أن يكون هناك وجود لحماس تحت أي ظرف من الظروف، والآخر أنه يجب أن نحافظ على التفوق العملياتي”.
وفي محاولة لتهدئة مخاوف الفلسطينيين وحلفاء واشنطن العرب، حدد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذا الأسبوع بعض معايير إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لنظام ما بعد الحرب في غزة.
وقال بلينكن “لا يمكن أن تكون هناك إعادة احتلال، ولا يمكن أن يكون هناك أي تشريد قسري للفلسطينيين من القطاع أو تقليص أراضي غزة، أو أي محاولة لحصارها، وبدلا من ذلك يجب إعادة توحيد غزة والضفة الغربية في ظل السلطة الفلسطينية”، وتعلق فايننشال تايمز بأنه من المشكوك فيه تحقيق ذلك.
وأشار بلينكن الأسبوع الماضي إلى أن الأمم المتحدة أو تحالف من الدول العربية يمكن أن يدير غزة لفترة مؤقتة بعد الحرب قبل تسليمها إلى سلطة فلسطينية “فعالة ومتجددة”، لكن الدبلوماسيين والمسؤولين الإقليميين متشككون بشدة.
ويقول مسؤول فلسطيني كبير ومسؤولون عرب إن الخيار الوحيد القابل للتطبيق لتحييد أيديولوجية حماس هو إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.