هل تستجيب المحكمة الجنائية الدولية لمطالب أبناء المعارضين المعتقلين في تونس؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

لاهاي- تغيرت ملامح الديمقراطية في تونس، التي كانت تعتبر مهد الثورة وحرية التعبير، منذ بداية هذا العام بعد أن ألقت السلطات التونسية ـبناء على أوامر من الرئيس قيس سعيدـ القبض على الأصوات المعارضة في البلاد، بما في ذلك أعضاء البرلمان والصحفيون وأعضاء السلطة القضائية.

وفي مؤتمر صحفي الخميس في مدينة لاهاي بهولندا، طالب أبناء 4 شخصيات معارضة بارزة في تونس من المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في الاضطهاد السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان التي يقولون إن حكومة الرئيس التونسي قيس سعيد ارتكبتها.

إلى المحكمة الجنائية الدولية

حضر المؤتمر يسرا الغنوشي، ابنة راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة ورئيس البرلمان المنحل، وزاجا شريف ابن شيماء عيسى، وكوثر فرجاني ابنة المعارض سعيد فرجاني، والناشط السياسي إلياس الشواشي.

وقال المحامي رودني ديكسون إنه قدم شكوى نيابة عن المعتقلين التونسيين في لاهاي حيث يوجد مقر المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بالتحقيق العاجل في الجرائم المزعومة؛ نظرا لعدم وجود أدلة كافية.

وأشار المحامي ـ في حديثه للجزيرة نت ـ أنه تم تقديم طلب لفرض عقوبات على الرئيس قيس سعيد وأعضاء آخرين بحكومته في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.

وأوضح المحامي الموكل عن المعتقلين أن العقوبات تتمثل في حظر السفر على سعيد وتعقب أصوله وتجميدها، لافتا إلى أن هذه الأصول لا تشمل الشخصية فحسب، بل أصول شركائه أيضا “حتى لا يتمكن هؤلاء الأشخاص من الاستمرار في ممارسة الأعمال التجارية”.

من جهة أخرى، وصف ديكسون ظروف المعتقلين بـ”الانتهاكات الجماعية لحقوق المحاكمة وللإجراءات القانونية اللازمة”، خاصة أن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان تشير إلى ضرورة إبلاغ المعتقلين بالقضية المرفوعة ضدهم؛ على اعتبار أنه حق أساسي.

ويهدف الالتماس الذي تم تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية إلى لفت المزيد من الانتباه إلى المشهد السياسي “القمعي المتزايد” في البلد الواقع شمال أفريقيا منذ تعديل الدستور في عام 2021، وهو ما سمح لرئيس البلاد بحل البرلمان وتوسيع سلطاته.

وذكر المحامي أن العائلات قامت بتقديم وثائق للنائب العام في المحكمة، تحمل اسم مذكرة المادة 15، حيث تحدد ادعاء واحدا على الأقل من الجرائم الأربع التي تتم متابعتها وهي الإبادة الجماعية، أو جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، أو الجرائم العدوانية.

أبناء المعارضين المعتقلين في تونس يلجؤون إلى المحكمة الجنائية الدولية سعيا لتحقيق العدالة (الجزيرة)

نضال الجيل الجديد

وقد قام مؤخرا 17 معارضا بارزا بإضرابات عن الطعام من السجن، لا يزال العديد منها مستمرا، كما يواصل جوهر بن مبارك، رئيس التحالف الرئيسي المناهض لسعيد، إضرابه المفتوح عن الطعام، بينما وصل عدد المعتقلين إلى ما لا يقل عن 42 من أبرز منتقدي الحكومة.

وترى يسرا الغنوشي أن الاتهامات الموجهة لوالدها “ملفقة”، موضحة أن اعتقاله كان جزءا من حملة مطاردة واسعة النطاق ضد المعارضة السياسية. وقالت يسرا إنها لم تتحدث مع والدها الذي يبلغ من العمر 82 عاما منذ اعتقاله في أبريل/نيسان الماضي.

وتضيف يسرا، في حديثها للجزيرة نت، “كنا نعتقد أننا تركنا هذه الأشياء وراءنا بعد الثورة لكن بعد كل التقدم الذي تم إحرازه في تونس، تم تدمير كل شيء، وعلينا اليوم أن نعود إلى زيارة السجون والإضراب عن الطعام؛ لأن هذه الأساليب هي الملاذ الأخير للحصول على العدالة”.

وخلال هذه المعركة القضائية الجديدة، يأمل إلياس الشواشي معرفة الأسباب التي أدت إلى إيداع والده منذ 8 أشهر في السجن والقرائن التي تثبت إدانته، فضلا عن مصير 17 قضية جنائية متهما بها، واصفا الإجراءات ضده بـ”الإخلال الصارخ والفاضح”.

وسلط إلياس الضوء على ظروف المعتقلين داخل السجون، قائلا بوجود حراس على مدار الساعة أمام الغرف للتأكد من أنهم لا يتناولون سوى الماء والسكر بسبب إضرابهم عن الطعام، فضلا عن عدم السماح لهم بالقراءة ووضع كاميرات مراقبة داخل الغرفة في انتهاك واضح لحرمة الإنسان في شخصه وجسده، حسب توصيفه.

من جانبها، قالت كوثر فرجاني “إننا نمارس حقوقنا في الدفاع، ونأمل أن يتمكن المدعي العام من القدوم إلى تونس للتحقيق بعد أن احتجِزت السلطة القضائية في تونس كرهينة”.

وأضافت، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، “يتم استهداف المحامين الذين يدافعون عن أشخاص مثل والدي ويجري التحقيق معهم وسجنهم لعدة أشهر دون دليل”، معتبرة أن المحكمة الجنائية الدولية الطريقة الوحيدة للحصول على العدالة.

ولفت زاجا شريف إلى أن والدته شيماء عيسى، التي تعتبر أول امرأة تُسجن بعد الثورة، وأطلق سراحها في يوليو/تموز الماضي، لا تزال تحت الإقامة الجبرية ولا تستطيع العودة إلى حياتها الطبيعية أو مزاولة عملها.

أبناء المعتقلين من اليمين إلى اليسار (المحامي رودني ديكسو، كوثر فرجاني، زاجا شريف، يسرى الغنوشي، إلياس الشواشي).
مؤتمر صحفي في مدينة لاهاي بهولندا لأبناء 4 شخصيات معارضة بارزة في تونس (الجزيرة)

ملف الهجرة الشائك

وفي تفاصيل الشكوى المقدمة للمحكمة الجنائية الدولية، أدرج المحامي رودني ديكسون ملف المهاجرين والانتهاكات التي تمت بحقهم في أثناء محاولتهم العبور إلى أوروبا من تونس وليبيا.

وأوضح المحامي هذا التحرك بالقول إن “الرئيس وحكومته يستخدمون القمع لاستهداف التونسيين والمهاجرين الأفارقة السود، وهذه جريمة ضد الإنسانية بموجب النظام الأساسي للمحكمة”، وانفتح المحامي في معرض كلامه عن الوضع العام في تونس وكيف تستخدم الحكومة هذه الإجراءات القمعية للحفاظ على سيطرتها ومنع الأصوات المعارضة.

وخلال الندوة الصحفية أمس الخميس، تم عرض مقطع فيديو لمهاجر أفريقي ومقطع صوتي آخر لأم أفريقية يحكيان عن معاناتهما والعنصرية التي واجهاها قبل أن يتم إعادتهما قسرا إلى المناطق الصحراوية الحارقة على الحدود التونسية الليبية دون ماء أو طعام.

وقال زاجا شريف، نجل الباحثة والناشطة شيماء عيسى للجزيرة نت، إن سعيّد يستخدم خطابا شعبويا لتشويه السمعة وتغذية الانقسام والكراهية، سواء ضد الأجانب، أو في معاملة المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى، أو حتى بين التونسيين أنفسهم.

من جانبها، أكدت يسرا الغنوشي أن سعيّد دمر الديمقراطية، وفاقم المشاكل الاقتصادية التي استخدمها لتبرير انقلابه من خلال التخلص من السياسيين والمعارضة والبرلمان، وتستطرد الغنوشي قائلة “لكنه فشل، واستمر الاقتصاد في التدهور ونحن على وشك الإفلاس في تونس”.

وأضافت المتحدثة ذاتها “كل هذا يغذي ارتفاع معدلات الهجرة، ويتسبب في الاعتداءات الدنيئة على التونسيين والأفارقة السود، ومن المخيب للآمال أن نرى أوروبا تتعامل معه كجزء محتمل من الحل”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *