هل تخلى الصليب الأحمر عن الأسرى الفلسطينيين؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 10 دقيقة للقراءة

رام الله- في موقعها الإلكتروني تقول “اللجنة الدولية للصليب الأحمر في إسرائيل والأراضي المحتلة” إن من أنشطتها “زيارة المحتجزين في مرافق الاحتجاز الإسرائيلية والفلسطينية ولا تألو جهدًا في الحفاظ على الروابط العائلية من خلال برنامج الزيارات العائلية”.

أما على أرض الواقع، فلم تقم هذه اللجنة الدولية بزيارة أي أسير فلسطيني، أو تسهيل زيارات أي من عائلات الأسرى أو حتى إصدار بيان يوضح السبب، بل ظلت صامتة منذ بدء العدوان على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق مصادر فلسطينية.

واليوم الأحد، دعت مؤسسات الأسرى والقوى الوطنية والإسلامية والاتحادات والنقابات والفعاليات إلى المشاركة في وقفات جماهيرية بمراكز المدن الفلسطينية، بينما أعلنت الحكومة تعليق عمل دوائرها اعتبارا من 11:30 بالتوقيت المحلي لإتاحة الفرصة للموظفين للمشاركة فيها، وذلك استجابة لدعوات بجعل الأول من ديسمبر/كانون الأول “يوماً وطنياً مركزياً نصرة لغزة والأسرى”.

اللجنة الدولية للصليب الأحمر طالبت حماس بالإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في غزة (الجزيرة)

لماذا الصمت؟

في مقطع فيديو على صفحتها بموقع “فيسبوك” تجيب لجنة الصليب الأحمر على تساؤل “لماذا أنتم صامتون؟ في الحروب وفي ظل الفظائع المرتكبة، نحن لا نصمت، إنما نحكي بطريقة غير معلنة”.

وتضيف “أكثر ما نحرص عليه إنقاذ الأرواح” مشيرة إلى تركيزها على الإغاثة الإنسانية ووقوفها إلى جانب المدنيين، وأنها تتحاور باستمرار مع أطراف النزاع وأن عدم لجوئها إلى الإدانة لطرف أو آخر “لا يعني موافقة علنية أو ضمنية على ما يفعل”.

ثم تقول “يمكن أن نفعل ذلك (الإدانة) عندما تفشل كل وسائل التأثير والتغيير الأخرى، وإذا كنا غير قادرين على العمل بشكل كامل، وإذا كان المدنيون والمرضى والجرحى والمحتجزون سيستفيدون”.

ولكن، هل الفقرة الأخيرة تنطبق على الأسرى الفلسطينيين؟ وماذا عن الجنود والإسرائيليين المأسورين في غزة؟

ففيما يتعلق بالأسرى والمحتجزين في غزة، فإن رئيسة اللجنة ميريانا سبولياريتش أصدرت بيانا بعد نحو شهر من اندلاع الحرب، عقب لقائها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الراحل إسماعيل هنية بالدوحة، جاء فيه “لم تنقطع اللجنة الدولية عن دعوتها للإفراج الفوري عن الرهائن (الإسرائيليين). وتصر على ضرورة السماح لفرقنا بزيارة الرهائن للاطمئنان على سلامتهم وتوفير الأدوية اللازمة، وإتاحة الفرصة للرهائن للاتصال بعائلاتهم”.

وجددت اللجنة الدولية دعوتها “للإفراج عن الرهائن” في لقاء ثان مع هنية خلال مارس/آذار الماضي.

اتهام صريح

أما في حالة الأسرى الفلسطينيين وبعد أكثر من 14 شهرا على الحرب، فإن نداءات ذوي الأسرى -ووقفاتهم أمام مقار لجنة الصليب الأحمر بالضفة، وبيانات المؤسسات الحقوقية المختصة بشؤون الأسرى التي بلغت حتى الصراخ- لم تصل اللجنة، ليس للمطالبة بالإدانة، إنما ببيان تقول فيه إنها تُمنع من زيارة الأسرى إن منعت، وتحريك ذلك في المحافل الدولية، وفق الباحث بشؤون الأسرى منقذ أبو عطوان.

وأضاف أبو عطوان، وهو أيضا مدير عام بهيئة شؤون الأسرى (حكومية) -في حديثه للجزيرة نت- أن عدم قيام الصليب الأحمر بالدور الذي يطالب به ذوو الأسرى والمؤسسات يعد “تجاوبا مع طلب إدارة السجون الإسرائيلية التي تمنع الزيارات، دون أن يدين هذا السلوك الشائن أو ما يجري بحق الأسرى”.

ويحمّل الباحث الفلسطيني هذه اللجنة الدولية “مسؤولية الشراكة في قتل وتصفية الأسرى من خلال صمتها وعدم قيامها بتوضيح حقيقة ما يجري للعالم، وعدم إصدارها بيانا من مقرها الرئيس في جنيف يدين ويشرح فيه الإجراءات الإسرائيلية ومنعها من زيارة السجون”.

واستهجن أبو عطوان “حرص لجنة الصليب الأحمر على حرية المختطفين في غزة، دون أن تتطرق في أي بيان لمعاناة الأسرى الفلسطينيين” بل ويرى أن “التعامل مع الأسرى الفلسطينيين توقّف بمبادرة من الصليب الأحمر، ردا على عميلة الاختطاف في غزة”.

وتحتجز حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وفصائل فلسطينية في قطاع غزة، عشرات الإسرائيليين والجنود أسرتهم خلال عملية “طوفان الأقصى” في معسكرات الجيش ومستوطنات بغلاف غزة.

ماذا يجري وما المطلوب؟

وفق عبد الله الزغاري، رئيس نادي الأسير الفلسطيني (أهلي) فإنه منذ أكثر من 14 شهرا لم تقم لجنة الصليب الأحمر “بأي دور من الأدوار المنوطة بها كمنظمة دولية حقوقية إنسانية باتجاه زيارة الأسرى داخل المعتقلات الإسرائيلية، أو الكشف عن ما يتعرضون له من اعتداءات يومية من منظومة الاحتلال الإسرائيلي”.

وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن ذلك “يضع علامة استفهام على دور الصليب الأحمر خاصة أنهم لم يخرجوا ليتحدثوا عندما يتم منعهم من القيام بدورهم وما يتعرض له الأسرى داخل السجون”.

وتابع “وجهنا عدة انتقادات للجنة من خلال مكاتبها، طالبناها بأن تقوم بهذا الدور، خاصة مع الارتفاع الكبير في عدد الشهداء الأسرى، ورفع وتيرة الاعتقالات والجرائم الطبية والتجويع داخل السجون، أو أن تعلن موقفا واضحا خاصة أنها منظمة دولية ذات صلاحية أكثر من كل المؤسسات الفلسطينية”.

وقال الزغاري إن عدم قيام اللجنة الدولية بدورها يخلف “حالة من الغضب الكبير لدى أهالي الأسرى تحديدا، ولدى مختلف المؤسسات الحقوقية الفلسطينية” مشيرا إلى المطالبة “عدة مرات بضرورة أن تخرج بمؤتمر صحفي تعلن فيه عن أسباب منعها من القيام بدورها داخل السجون، لكن لم يصدر أي بيان، ولم يردوا على رسائلنا لهم”.

وأوضح رئيس نادي الأسير أن مسؤولين في اللجنة الدولية للصليب يقولون -خلال اللقاءات الثنائية مع مؤسسات فلسطينية- إن الاحتلال يمنعهم من القيام بدورهم “وأقصى ما نطلبه أن يصدروا بيانا يعلنون فيه ذلك”.

وشدد الزغاري على أن المطلوب من هذه اللجنة الدولية التحرك العاجل لتشكيل ضغط حقيقي على إدارة سجون الاحتلال من خلال المنظومة الدولية للقيام بدورها وزيارة الأسرى في المعتقلات، وإدخال ملابس للأسرى وتمكينها من نقل أغطية وملابس خاصة مع دخول الشتاء.

وتابع أن على هذه اللجنة الدولية ممارسة ضغوطات لإدخال الاحتياجات الأساسية للأسرى ومنها مواد التنظيف، خاصة مع انشار الأمراض ومنها الجرب، ومعالجة الأسرى وتحويل المرضى إلى المستشفيات، والقيام بزيارات للسجون وتوثيق شهادات الأسرى.

وعن دور اللجنة الدولية للصليب قبل العدوان، أشار إلى أنها كانت تنظم زيارات للأسرى داخل السجون وتوثق إفادات من الأسرى، لكن الآن “لا علم لنا عن زيارات حتى للأسرى المفرج عنهم أو عائلات الشهداء الأسرى”.

وأشار الزغاري إلى توقف اللجنة الدولية للصليب الأحمر منذ بدء الحرب عن إصدار ما تعرف بـ”شهادات الصليب” والتي تتضمن معلومات أساسية عن تاريخ اعتقال الأسير والإفراج عنه والمدة التي أمضاها في السجن.

رأي قانوني

بدورها تؤكد جمعية حقوق المواطن في إسرائيل (غير حكومية) أنه “منذ اندلاع الحرب، تمنع إسرائيل زيارات الصليب الأحمر للسجون ومراكز الاعتقال العسكرية”.

وأشارت هذه الجمعية في مارس/آذار الماضي عبر موقعها الإلكتروني إلى “رسالة سرية” بداية نوفمبر/تشرين الثاني 2023 نشرتها مفوضة السجون الإسرائيلية، وتذكّرها فيها اللجنة الدولية للصليب “بالتزامات إسرائيل بضمان ظروف سجن مناسبة ووصول ممثلي المنظمة إلى جميع المرافق التي يوجد فيها السجناء”. فكان رد المفوضة بعدم السماح بالدخول إلى السجون “ما دام هناك مختطفون إسرائيليون في غزة”.

ووفق الجمعية الإسرائيلية، فإن القانون الدولي ينص على أنه “حتى لو انتهك أحد أطراف النزاع التزامه بالسماح بزيارات الصليب الأحمر للمدنيين المحتجزين، فإن ذلك لا يعفي الطرف الآخر من هذا الالتزام”.

وأشارت إلى نص المادة 143 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تنص على أن “لممثلي الصليب الأحمر الحق في الذهاب إلى جميع الأماكن التي يتمتعون فيها بالحماية، وخاصة أماكن السجن (..) ولهؤلاء الممثلين الحرية الكاملة في اختيار الأماكن التي يرغبون في زيارتها”.

كما أشارت إلى أن التزام إسرائيل بالسماح بزيارات الصليب الأحمر مثبت في القانون الدولي وفي التشريع الإسرائيلي أيضا.

ووفق معطيات هيئة شؤون الأسرى، فإن عدد حالات الاعتقال المسجلة في الضفة الغربية المحتلة منذ بدء هذه الحرب بلغ 11 ألفا و900 معتقل فلسطيني، بينهم 435 فلسطينية، و775 طفلا و136 صحفيا.

ولا تشمل هذه الإحصائية قطاع غزة الذين يقدر عدد معتقليه بالآلاف ويخفي الاحتلال المعطيات حول عددهم وظروف اعتقالهم، وفق الهيئة الفلسطينية.

كما استشهد ما لا يقل عن 45 أسيرًا ممن تم الكشف عن هوياتهم وأُعلن عنهم خلال نفس الفترة، من بينهم 27 شهيدا من معتقلي غزة، بالإضافة للعشرات من معتقلي غزة الذين استُشهدوا بالسّجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم، إلى جانب العشرات الذين تعرضوا للإعدام الميداني.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *