واشنطن- يقضي أعضاء مجلس النواب الأميركي عطلة نهاية الأسبوع في دوائرهم وولاياتهم، بعدما أخفقوا في التوصل إلى أي تقدم في المناقشات المتعلقة بخطة التمويل الفدرالية للعام المالي 2024، الذي يبدأ في أول أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
ومن شأن عدم الوصول لاتفاق بين الأغلبية الجمهورية والأقلية الديمقراطية بالمجلس قبل 30 سبتمبر/أيلول الجاري، بدء إغلاق حكومي جديد.
ويرفض عدد يقدر بثمانية أعضاء جمهوريين متشددين، ممن يتبنون “أجندة أميركا أولا” الترامبية، الموافقة على أي مقترحات لا تخفض التمويل الفدرالي للعديد من البرامج الاجتماعية، إضافة إلى طلبهم تضمين تمويل لبرامج غلق الحدود الجنوبية، ورفضهم تقديم أي تمويل جديد لدعم أوكرانيا.
ويعدّ كلٌّ من النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا مات جايتز، والنائب الجمهورية عن ولاية جورجيا مارجوري تايلور غرين، أهم أعضاء هذا الفريق المتشدد.
ويتمتع الجمهوريون بأغلبية صغيرة في مجلس النواب، بواقع 221 مقعدا مقابل 212 للديمقراطيين، ويسمح هذا التقارب لأي مجموعة من 5 مشرّعين من الحزب الجمهوري بعرقلة أي تقدم، خاصة مع توقع معارضة جميع الديمقراطيين أي مشروع قرار يخفض الانفاق العام، أو يوقف المساعدات لأوكرانيا.
من ناحية أخرى، ينطوي أي اتفاق محتمل لرئيس مجلس النواب كيفين مكارثي مع الديمقراطيين على مخاطر عليه شخصيا، إذ يواجه النائب الجمهوري تهديدا مستمرا من الجناح المتشدد بالحزب، بإجراء تصويت على عزله وحجب الثقة عنه.
طريق الجمهوريين مسدود
قال رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، السبت، إنه لا يزال يفتقر إلى الدعم من حفنة من الأعضاء الجمهوريين المتشددين، لطرح مشروع قانون مؤقت الأسبوع المقبل، وهو ما يجعل إغلاق الحكومة الفدرالية واردا بصورة كبيرة يوم الأول من أكتوبر/تشرين الأول المقبل.
وقال مكارثي، “أحاول وضع قانون تمويل مؤقت، أقدّر جميع الأعضاء الذين عملوا بجد على ذلك، لكن لا يزال هناك عدد قليل من الأعضاء الذين لن يصوتوا لتمويل الحكومة، قبل أن ننتهي من جميع مشروعات القوانين الـ 12، أنا لا أفهم لماذا؟”.
ومع اقتراب الموعد النهائي في 30 سبتمبر/أيلول الحالي، لا تظهر حتى الآن خطة لتجنب الإغلاق، حيث كان يأمل مكارثي في أن يؤدي الزخم بشأن بعض مشروعات قوانين الاعتمادات إلى تغيير موقف عدد كافٍ من الرافضين لدعم قرار قيادة الحزب الجمهوري بمجلس النواب، الذي يلقى استحسانا من قيادات الحزب بمجلس الشيوخ.
وتسود بواشنطن حالة من التشاؤم، ضاعف منها إخفاق مناورة أخيرة لرئيس مجلس النواب كيفن مكارثي، لطرح مشروع قانون الإنفاق الدفاعي (ميزانية الدفاع)، ويدرس الجمهوريون في مجلس النواب الآن العودة إلى فكرة إلغاء كل التمويل المتعلق بأوكرانيا من مشروع القانون، لكسب تأييد النائبة مارجوري تايلور غرين، وربما تغير موقف أعضاء أخرين معها.
شبح ترامب وقلق بايدن
ودخل الرئيس جو بايدن على خط الاختلافات بين الجمهوريين، وربط ما يحدث بالسباق الرئاسي، وألقى باللوم على الرئيس السابق دونالد ترامب، وربطه بدعم الأعضاء المعترضين اليمينيين المتشددين على منصة تروث سوشال (Truth Social).
وقال مستشار الاتصالات لحملة بايدن، تي جي داكلو، إن “دونالد ترامب يهدف لإغلاق الحكومة، ولا يهتم بما يعنيه ذلك للعائلات الأميركية، حيث يواصل الرئيس السابق العمل دُمية للجمهوريين اليمينيين في مجلس النواب، ويأمرهم الآن بإغلاق الحكومة، الأمر الذي من شأنه أن يسبب الفوضى على حساب الأميركيين المجتهدين، وعلى حساب أمن أمتنا”.
مخاطر الإغلاق
جاء في بيان للبيت الأبيض، أنه إذا لم يتمكن المشرّعون من التوصل إلى اتفاق، فإن أفراد الجيش وإنفاذ القانون الفدراليون سيضطرون إلى العمل دون أجر حتى تُخصص الأموال، بينما حذّر صندوق الإغاثة من الكوارث التابع لإدارة الطوارئ الفدرالية من نفاده بشكل خطير، فمن المتوقع أن يُعقّد ذلك جهود الإغاثة في حالات الكوارث.
ويقدّر البيت الأبيض أن 10 آلاف طفل سيفقدون إمكانية الوصول إلى برامج “هيد ستارت” في جميع أنحاء البلاد، حيث تمتنع وزارة الصحة والخدمات الإنسانية من تقديم المنح أثناء الإغلاق، في حين سيتعين على مراقبي الحركة الجوية وضباط إدارة أمن النقل العمل دون أجر، مما يهدد بتأخير السفر في جميع أنحاء البلاد، كما أن الإغلاق سيؤخر عمليات التفتيش على سلامة الأغذية التابعة لإدارة الغذاء والدواء.
هل الإغلاق جزئي أو كلي؟
وتشير كل المؤشرات إلى أن الكونغرس في طريقه لإحداث إغلاق حكومي كامل؛ لأنه من غير المتوقع تمرير مشروعات قوانين الاعتمادات الـ 12 التي تمول العمليات الحكومية، قبل بداية السنة المالية الجديدة.
ولا يمكن للوكالات الفدرالية إنفاق -أو التعهد بإنفاق- أي أموال دون موافقة من الكونغرس، وإذا أخفق الكونغرس في تمرير الـ 12 مشروع قانون للاعتمادات السنوية، فيجب على الوكالات الفدرالية إيقاف جميع الوظائف غير الأساسية حتى يتحرك الكونغرس، ويُعرف هذا باسم الإغلاق الكلي.
أما إذا سنّ الكونغرس بعض -وليس كل- مشروعات قوانين الاعتمادات الـ 12، فإن الوكالات التي ليس لديها اعتمادات، هي التي يجب أن تغلق أبوابها فقط، ويعرف هذا باسم الإغلاق الجزئي.
كيف وصلنا لهذه النقطة؟
أقرّ الكونغرس في يونيو/حزيران 2023 قانون رفع سقف الديْن الفدرالي، بدعم من القادة الجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، ووقّعه الرئيس بايدن، ووضع هذا القانون حدودا للإنفاق السنوي المخصص -واحد للدفاع، والآخر لغير الدفاع- للسنتين الماليتين 2024 و2025، علما أن سنة 2024 المالية تبدأ في 1 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في الوقت نفسه، كانت التوقعات تشير إلى أن هذا القانون قد حسم الحجم الإجمالي لمشروعات قوانين الاعتمادات، وأن الكونغرس سيمرر الـ 12 مشروع قانون تمويل، طبقا للمستويات المتفق عليها.
وقد اتبعت لجنة الاعتمادات في مجلس الشيوخ هذا المسار، وأقرت جميع مشروعات قوانين الاعتمادات الـ 12 بدعم من الحزبين، لكن الجمهوريين في مجلس النواب، غير الراضين عن الاتفاق الذي أبرمه رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي مع البيت الأبيض، يريدون تخفيض الإنفاق على البرامج الاجتماعية، ويريدون وقف الدعم لأوكرانيا.
هل من مخرج؟
تقليديا، وعندما لا يمرر الكونغرس مشروعات قوانين الاعتمادات لسنة مالية كاملة، فإنه يمرر -أحيانا- مشروعات قوانين الإنفاق المؤقتة “القرارات المستمرة” (Continuing Resolutions)، التي تمول العمليات الحكومية حتى تاريخ محدد، وكثيرا ما تواصل هذه القرارات التمويل عند مستوى اعتمادات السنة السابقة، ولكن ليس بصورة دائمة.
ومن الجدير بالذكر أن نزاعا حول تمويل الجدار الحدودي بين ديسمبر/كانون الأول 2018 ويناير/كانون الثاني 2019، أدى إلى إغلاق استمر 35 يوما في عهد الرئيس ترامب، لكنه كان إغلاقا جزئيا؛ لأن الكونغرس كان قد أقر 5 من مشروعات قوانين الاعتمادات الـ 12.