بيروت – واكبت القوى والفصائل الفلسطينية الوطنية والإسلامية في لبنان الهجوم الإيراني بالمسيَّرات والصواريخ على إسرائيل فجر الأحد، والذي استمر لنحو 5 ساعات، ردا على قصف قنصليتها بالعاصمة السورية دمشق مطلع أبريل/نيسان الجاري مما أدى إلى استشهاد عدد من قادتها العسكريين والمستشارين.
وأكدت الفصائل الفلسطينية أن الرد الإيراني مشروع وطبيعي ومتوقع، لفرض معادلة وقواعد اشتباك جديدة تمنع إسرائيل مجددا من استهداف أي ممثليات دبلوماسية أو أراض إيرانية؛ لأنها ستلقى الرد المناسب.
وأجمعت الفصائل أن “الهجوم” الإيراني يحمل رسالة تتجاوز اعتباره ردا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق إلى رد بأثر رجعي على اغتيال قادتها وخاصة في سوريا من جهة وعلى جميع المجازر التي نفذتها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة خلال عملية طوفان الأقصى.
وإذ استبعدت الفصائل الفلسطينية في لبنان أن يتدحرج التصعيد في المنطقة إلى حرب مفتوحة، بعدما قرأت إسرائيل الرسائل الحاسمة لجهة دخول إيران بشكل مباشر على خط الصراع التاريخي معها وإطلاق المسيرات والصواريخ من أراضيها مباشرة وليس عبر الحلفاء كما كانت تجري العادة، رأت أن الساعات وربما الأيام المقبلة ستحسم مستقبل ومصير المنطقة.
حماس
وصف الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جهاد طه، الرد الإيراني على استهداف قنصليتها في دمشق بأنه رد طبيعي ومشروع وفقا لحقوق السيادة الإيرانية والقوانين الدولية، مشيرا إلى أن القنصلية الإيرانية تعتبر جزءا لا يتجزأ من السيادة الإيرانية.
وأكد طه للجزيرة نت، على ضرورة مواجهة “المشروع الصهيوني التدميري الاستعماري” الذي يسعى إلى ارتكاب المزيد من الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته، والتي تتنافى مع القوانين الدولية.
ودعا طه المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في مواجهة “التمادي الصهيوني” والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني. وشدد على ضرورة دعم صمود الفلسطينيين ومقاومتهم في وجه العدوان، مطالبا الدول العربية والإسلامية بترجمة قراراتها التي صدرت مؤخرا في القمة العربية الإسلامية في دعم الفلسطينيين ومواجهة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية.
الجهاد الإسلامي
بدوره، اعتبر أمين سر العلاقات لحركة الجهاد الإسلامي في لبنان هيثم أبو الغزلان، أن عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فتحت الباب واسعا لسقوط نظرية التفوق الإسرائيلي، وفي الرد الإيراني داخل الكيان الإسرائيلي، سقطت نظرية التفوق الأمني الإسرائيلي، وتلاشت صورة التفوق والردع الإسرائيليين. والدليل هذه المساعدة الأميركية البريطانية والفرنسية ومن “الجيران” كما قال غالانت في التصدي للهجوم الإيراني.
وقال أبو الغزلان للجزيرة نت “على الرغم من أن الرد الإيراني كان محكما برسالة عدم الرغبة في إشعال حرب إقليمية، فإنه أظهر تحديا إيرانيا واضحا للولايات المتحدة، وكان مفاجئا بحجمه للكيان الإسرائيلي الذي اخترق الخطوط الحمراء باستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق.
وأضاف “تكمن أهمية قرار الرد في اتخاذ القرار أولا، وتأثيراته على النظام الأمني الإقليمي ثانيا، وفي الكشف عن حالة الهلع والقلق “الشعبي الإسرائيلي” تجاه عمق أزمة الثقة بحكومة بنيامين نتنياهو والطبقة الحاكمة، وعن التراجع في المناعة القومية واللحمة الداخلية الإسرائيلية.
وأشار أبو الغزلان إلى أن حرب الإبادة التي يشنها العدو الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، جاءت ترجمة لفشل الأهداف الإسرائيلية الأميركية في القضاء على المقاومة الفلسطينية. وهدف جبهات المساندة في لبنان والعراق واليمن وإيران يتلخص في وقف العدوان على قطاع غزة. لذلك، الرد الإيراني هو جزء من هذه الجبهات لتحقيق هدف وقف العدوان.
الجبهة الشعبية
من ناحيته، اعتبر مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في لبنان هيثم عبدو، أن الضربة التي وجهتها إيران إلى إسرائيل هي “رد مستحق وطبيعي في سياق الاعتداءات الصهيونية على الأراضي الإيرانية من خلال استهداف القنصلية الإيرانية في سوريا”.
وقال عبدو للجزيرة نت، إن هذه الضربة تأتي ردا على المجازر والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية. كما تأتي “في سياق الرد على جميع الاغتيالات التي طالت القادة والاعتداءات على الأراضي الإيرانية، بما في ذلك اغتيال العلماء في إيران”.
ويرى عبدو أن هذا الرد ليس مجردَ إرسال رسالة أو ردًّا فقط على الاعتداء الذي حدث على القنصلية في دمشق، بل هو “تغيير إستراتيجي في ميزان القوى”. وأضاف “من الآن فصاعدا، لن يكون هناك أي اعتداءات أو اغتيالات لأيٍّ من القادة الإيرانيين أو أي اعتداء على القنصليات أو الأراضي الإيرانية دون ردّ”.
وتابع: إن “العدو سيفهم الآن جيدا أن أي عمل يقوم به سيواجه برد مناسب. ومثال ذلك هو الرد القوي الذي جاء على الاعتداءات الصهيونية. بالتالي، يمثل اليوم مفترقا في الإستراتيجية الإيرانية للتصدي للاستيطان الصهيوني، حيث إن الردع وقوة الردع الإيرانية ستكون أقوى في المستقبل”.
كما اعتبر عبدو أن هذا “الهجوم” يأتي في سياق الرد على جميع الاعتداءات الصهيونية على محاور المقاومة في المنطقة، “وليس فقط على القنصلية الإيرانية. مشيرا إلى ضعف الكيان الصهيوني في التعامل مع هذا الرد، وكيف فشل في تجاوزه، حتى بمشاركة العديد من الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة، وحتى الدول العربية التي ساعدت في صد هذه الصواريخ فوق أراضيها قبل وصولها إلى الداخل المحتل”.
وأشار إلى أن هذا الرد الإيراني، سواء في اتخاذ القرار أو التنفيذ، هو “سابقة وسيبنى عليها للمستقبل، وأن ما بعد الـ13 من أبريل/نيسان لن يكون كما قبله”.
الجبهة الديمقراطية
بينما قال عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، فتحي كليب، للجزيرة نت: “إن الرد الإيراني على استهداف العدو الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق جاء كما كان متوقعا، وواضحا في الأهداف التي تقصدها”.
وتابع كليب: “فقد استهدفت القوات الإيرانية مناطق عسكرية، ولم تكن تستهدف أهدافا مدنية” وأضاف أنه “كان من الواضح أن الهدف المباشر هو القاعدة العسكرية في النقب التي تم استهدافها بنجاح”.
وأشار إلى أن الرسالة من الرد تؤكد جاهزية إيران للتعامل مع أي تهديد إسرائيلي. بالتالي، فإن أي استهداف لقواتها، سواء داخل إيران أو في سوريا أو في أي منطقة أخرى، سيتم الرد عليه بنفس الطريقة التي حدث بها هذا الرد، على حد تعبيره.
وبحسب كليب، رغم الدعم الذي تلقته إسرائيل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فإن إيران قادرة على التغلب على الدفاعات الإسرائيلية والحلف الغربي. لكن إيران غير مهتمة بتوسيع نطاق الصراع في الوقت الحالي.
ويعتقد كليب أن مستقبل الصراع أو التصعيد يعتمد بشكل كبير على رد الفعل الإسرائيلي، الذي يحاول تقليل الخسائر وإظهار النصر. بالمقابل، نجحت إيران في وضع قواعد جديدة في التعامل مع إسرائيل، ووصلت رسالتها بوضوح.
وأضاف أنه “من المهم ملاحظة ما يحدث في قطاع غزة، حيث إذا تم وقف العدوان هناك، فقد يحدث تغيير في التعامل الغربي، بما في ذلك التعاطي بين إسرائيل والولايات المتحدة”.