نابلس- لوهلة ظنَّ عبد الله الخطيب أن إفراج الاحتلال عن نجله الأسير يوسف ضمن اتفاق دولي سيحميه من الاعتقال ثانية، وأنه سيعود لحياته ولمدرسته بعيدا عن السجن، لكن الاحتلال المتحكم بمصير الفلسطينيين وكعادته خيَّب ظنه واعتقله مجددا، كأول حالة يُعاد اعتقالها بالرغم من كونها ضمن دفعات تبادل الأسرى الأخيرة بين المقاومة بغزة وإسرائيل.
وأفرج عن يوسف الخطيب (17عاما) من مخيم عقبة جبر بمدينة أريحا في الضفة الغربية بعد اعتقال إداري استمر 3 أشهر من أصل حكم مدته 6 أشهر، ضمن اتفاق الهدنة في نوفمبر/تشرين الثاني بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل برعاية مصرية قطرية.
ونُفذ الاتفاق ضمن دفعات في إطار تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، وبموجبه أفرجت الأولى عن 50 من الأسرى الإسرائيليين لديها، بينما أطلق الاحتلال سراح 240 من المحتجزين الأطفال الفلسطينيين والنساء.
تهديد واعتقال
ومنذ اللحظات الأولى، عمد الاحتلال لمطاردة الخطيب ومضايقته، واعتقله لساعات بعد أسبوع من تحريره، وأفرج عنه بعد ضربه والتنكيل به، ثم لاحقته أجهزة أمن الاحتلال وشددت الخناق عليه عبر اتصالات التهديد والوعيد، ودعته لتسليم نفسه “بغرض المقابلة السريعة والإفراج عنه” حسب والده.
ويقول أبو يوسف -للجزيرة نت- إنهم وبعد 5 أيام من محاولة عدم تسليم ابنه للمخابرات الإسرائيلية تصاعدت تهديدات الاحتلال، وزاد الخطر والخوف على نجله “حيث هدد الاحتلال باغتياله إذا هرب أو لم يسلم نفسه، وأخبره الضابط بأنه أوعز للجنود بإطلاق النار عليه”.
وتحت تأثير التهديد، قام الوالد بتسليم يوسف للاحتلال على أمل إعادته بعد التحقيق معه، لكنه لم يفعل وحوله للاعتقال الإداري مجددا.
واعتقلت إسرائيل هذا الفتى مرتين في السابق؛ ففي مايو/أيار الماضي داهم الاحتلال منزله واختطفه بعد ضربه بشكل مبرح، وأفرج عنه بعد 12 يوما لكونه قاصرا بعد تغريمه ماليا، واعتقل ثانية في أغسطس/آب وحول للاعتقال الإداري الذي قضى فيه 3 أشهر، وأفرج عنه ضمن اتفاق الهدنة.
وبكل الاعتقالات لم يوجه الاحتلال تهما محددة ليوسف، بل حوله للاعتقال الإداري “بملف اتهام سري” مما أثار حفيظة ذويه خاصة في ظل تكرار اعتقاله والتحريض عليه وتهديده، ويقول والده “يريد الاحتلال كسر شوكة ابني، وإرهابه في محاولة لردعه”.
وبعد تحرره الأخير، تكدرت حياة يوسف بفعل مضايقات الاحتلال وخشية اعتقاله ثانية فلزم المنزل ولم يغادره حتى لمدرسته.
نهج الاحتلال
ومن جهته اعتبر نادي الأسير الفلسطيني (غير حكومي) أن إعادة اعتقال الخطيب “خرق خطير” لصفقات الافراج التي تمت، ومؤشر على استعادة الاحتلال سياسته باعتقال المحررين ضمن صفقات التبادل.
وتخوَّفت أماني سراحنة مسؤولة الإعلام في نادي الأسير من “نهج دائم” للاحتلال بإعادة الاعتقال، وقالت إن ذلك يؤكد أنه “لا ضمان مع الاحتلال حتى لو كان تحت إشراف إقليمي أو دولي”.
واستبعدت سراحنة -في حديثها للجزيرة نت- أن يكون إعادة اعتقال الأسرى المحررين تم وفق مخالفات أو تهم جديدة، وقالت إنه تجري إعادة “الأحكام السابقة” لأولئك الأسرى، كما فعل الاحتلال مع أسرى صفقة “وفاء الأحرار” (صفقة شاليط) ومنهم أسرى محكومون بالسجن المؤبد وآخرون معتقلون قبل أوسلو.
وترى أنه وبالرغم من الاتفاق الأخير (هدنة تبادل طوفان الأقصى) والذي أطلق بموجبه 240 طفلا وامرأة مقابل 105 أسرى إسرائيليين وأجانب، كان على شكل هدنة وليس اتفاقا موسعا وشاملا كصفقة كبيرة، إلا أن هذا لا يعفي الاحتلال من مسؤولياته.
وبالتالي -تواصل سراحنة- بأنه وأمام أي اتفاق مستقبلي آخر حول صفقات التبادل وغيرها لا بد من ضمانات أكثر، وضغوط على الاحتلال أكبر من كل الأطراف الوسيطة وتحت إشراف دولي وليس إقليميا فقط.
نوايا خبيثة
ولم يسبق أن التزم الاحتلال بأي اتفاق مع الفلسطينيين، سواء من أفرج عنهم ضمن اتفاق أوسلو أو حتى وفاء الأحرار عام 2011، وقد أعاد اعتقال 100 أسير من “وفاء الأحرار” عام 2014، ويبقي على اعتقال 48 منهم.
ويقول فؤاد الخفَّش المختص بشؤون الأسرى إن ديدن الاحتلال التنكر لجميع الاتفاقات، ويؤكد أن إعادة الاعتقال للأسرى تتم “بقرار سياسي إسرائيلي” وأنها تتم دون ارتكابهم أية مخالفات.
وأوضح للجزيرة نت أن الاحتلال يحاكم الأسرى المفرج عنهم ضمن التهم السابقة التي اعتقلوا وحوكموا عليها وتم الافراج عنهم ضمن صفقة تحرر، وبالتالي لا تبحث إسرائيل عن تبرير لأفعالها.
وأضاف الخفش “هذا لم يحصل بتاريخ الصراع ولا بكل الصفقات التي تمت بين الدول، ولا حتى بصفقات التبادل السابقة مع الاحتلال نفسه”.
ورأى خبير الأسرى أنه وبإعادة الأحكام السابقة للأسرى تأكيد على “نوايا الاحتلال الخبيثة” لإعادة اعتقالهم، ويقول “الاحتلال دوما وأبدا يحاول أن يوصل أنه لن ينسى أو يسقط من أجندته أي شخص قاومه”.
المطلوب من الكل
لكن ما المطلوب لإلزام إسرائيل؟ خاصة وأن الباب لا زال مشرعا أمام صفقة تبادل واسعة، هنا يؤكد الخفش أن “الإشكالية الكبرى” تكمن في جزء منها عند الوسطاء، لأنهم لم يتخذوا أي إجراءات رادعة ضد الاحتلال بصفقة “وفاء الأحرار” وبالتالي أعادت إسرائيل اعتقال المحررين، وهي الآن تعتقل وتفعل الأمر ذاته مع أسرى الاتفاق الجديد.
وأمام اعتبار الاحتلال نفسه فوق القانون حسب الخفش، وأن أحدا لا يلزمه ويرتكب الجرائم دون رادع من المواثيق والقوانين الدولية، وغياب أي شخص أو جهة ضامنة، وبالتالي فإن هذا يقول الخفش “يستوجب على المقاومة أن تلزم الاحتلال وتوجد شروط كفيلة بألا يتنكر الاحتلال لأي اتفاق، كما سيدفع المقاومة للطلب من الوسطاء أن يكونوا جادين وضامنين للاحتلال”.
ومثل يوسف الخطيب أعاد الاحتلال اعتقال الفتى أحمد وليد خشان من قرية بير الباشا قرب مدينة جنين شمال الضفة الخميس، ليسجل بذلك ثاني حالة اعتقال من الأسرى المحررين ضمن اتفاق التبادل الأخير بين المقاومة بغزة وإسرائيل.