فاز ناريندرا مودي بولاية أخرى رئيسا لوزراء الهند بفارق أقل مما كان متوقعا. ومن خلال ضمان ولاية ثالثة على التوالي، أثبت مودي مكانته كأهم قائد في البلاد لأجيال. ورغم قيادته الهند لمدة عقد من الزمن، فإنه في بعض النواحي أبقى بلاده في حالة ترقب بشأن رؤيته. وفيما يتعلق بالمسائل الكبرى، وهي علاقات الهند واقتصادها ومجتمعها وحكومتها؛ فإن النموذج الذي يريد مودي أن تكون عليه الهند لا يزال غير واضح.
وفي هذا التقرير الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، يجيب الكاتب أليكس ترافيلي عن 4 أسئلة رئيسية تتعلق بهذه المسائل الكبرى في الهند:
أين ستجد الهند أصدقاء؟
قال الكاتب إن الهند قضت السنوات الأخيرة في توطيد علاقتها مع الولايات المتحدة. وقد تقربت من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك اليابان وأستراليا، وطلبت أنظمة أسلحة أميركية عالية المستوى من النوع الذي يخلق اعتمادا في المستقبل. ومن غير المرجح أن تقف إلى جانب الصين، التي عبرت قواتها في عام 2020 الأراضي التي تسيطر عليها الهند وتسببت في اشتباك قُتل على إثره 20 جنديا. ومنذ ذلك الحين، أبقى مودي على مسافة مع بكين.
لكن مودي، البالغ من العمر 73 عاما، أشار إلى أنه لا يريد أن يكون حليفا للولايات المتحدة، بينما لا يزال بعض أعضاء دائرته المقربة ينظرون للولايات المتحدة بحذر. ومن جهتهم، اشتكى الدبلوماسيون الأميركيون من الجهود الظاهرة التي تبذلها نيودلهي لتقويض معايير الديمقراطية وحقوق الأقليات. ولهذا السبب، تترك الهند خياراتها مفتوحة.
أي نوع من الاقتصاد لديها؟
ويجيب الكاتب بأن الهند تفوقت مؤخرا على الصين كأكبر دولة من حيث عدد السكان وأسرع اقتصاد كبير نموا. ومع ذلك، لا يزال الفقر متفشيا في البلاد، حيث يحتاج حوالي 800 مليون شخص للمساعدة من أجل ملء بطونهم. وقد تعتبر أفكار مودي حول كيفية مساعدتهم متناقضة ذلك أنها تشمل الانفتاح على العالم وفي نفس الوقت اتباع سياسة حمائية.
وأشار إلى أن إحدى الطرق المحتملة أمام الهند قد تكون النسج على منوال دول شرق آسيا التي طلقت الفقر من خلال تصنيع السلع القابلة للتصدير. وفي هذا السياق، أطلق مودي في عام 2014 مبادرة “صُنِع في الهند” في محاولة لجعل الهند تحل محل الصين كأكبر مُصنِّع في العالم. لكن الصادرات بالكاد زادت، حتى مع تقديم مودي إعانات جديدة لها. وحيال ذلك، قال بعض الاقتصاديين الهنود إنه من الأفضل التركيز على تصدير الخدمات، مثل تكنولوجيا المعلومات والعمل الاحترافي عن بعد.
ماذا عن حماية الأقليات؟
ولفت التقرير إلى أن مؤسسي الهند صاغوا دستورا لجمهورية متنوعة وعلمانية، إلا أن مودي يعيد تشكيل البلاد كأمة هندوسية بشكل صريح. وفي هذا الصدد، حوَّل جامو وكشمير، وهي الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في البلاد، إلى إقليم اتحادي تحت حراسة مشددة. كما بنى معبدا هندوسيا ضخما في موقع متنازع عليه حيث دمرت حشوده مسجد بابري التاريخي.
وخلال حملته الانتخابية هذا العام، وصف مودي المسلمين الذين يمثلون 14% من إجمالي السكان، بأنهم “متسللون”. ويقول مسلمو الهند إنهم أصبحوا مواطنين من الدرجة الثانية.
ويرى التقرير أن ولاية مودي الثالثة ستكون اختبارا: هل تحقق مشروع القومية الهندوسية أم أن هناك المزيد مما يمكن فعله لفرض هيمنة دين واحد؟ وقال إن الدعوة إلى إعادة المسلمين إلى حجمهم الحقيقي عنصر حيوي بالنسبة لحزب مودي، الذي فاز بالأغلبية في مجتمع هندوسي متنوع يقوم على الطبقية.
وأضاف أنه خلال ولايته الثالثة، يمكنه أن يختار أهدافا جديدة، على غرار إثارة مطالبات لبناء مزيد من المعابد الهندوسية مكان المساجد التاريخية. ومع ذلك، قد يتعين عليه التقيد بشركائه السياسيين الجدد غير الملتزمين بشكل خاص بمشاريع حزبه التي تعطي الأولوية للهندوسية.
ما مستوى الاستبداد؟
وفي هذا الصدد ذكر تقرير نيويورك تايمز أنه من أسباب شعبية مودي المستمرة قدرته على تنفيذ قراراته. فغالبا ما يفرض مودي الإصلاحات دون سابق إنذار معتمدا على الجرأة وحتى عنصر المفاجأة لتخطي الروتين الإداري. وهو لا يتسامح مع أي عوائق مهما كان نوعها.
ومن بين نتائج ذلك أن الهند -التي يعتبرها البعض الديمقراطية الأكبر في العالم- قد تخلت عن العديد من المعايير الديمقراطية. فقد اعتقلت الشرطة قادة المعارضة مما زاد من عدد السجناء السياسيين، ويسيطر على لجنة الانتخابات مؤيدوه، ونادرا ما يقف القضاء في طريق أولويات الحكومة.
وخلص التقرير إلى أن مودي يبدو أنه حافظ على منصبه، بيد أنه فقد أغلبيته البرلمانية. والآن سيكون عليه استرضاء شركاء التحالف والتشاور معهم بشأن التغييرات الكبرى. وربما يحمي ذلك بعض المؤسسات التي تأسست للحفاظ على نزاهة العملية السياسية.
ويتمثل الاحتمال الآخر في أنه سيمارس قمعا أشد من أي وقت مضى، مستفيدا بالكامل من الوكالات التي تخضع لسلطته المباشرة وذلك لضمان بقاء حزبه متقدما في المنافسة المتجددة. وحتى الآن، وصل مودي إلى هذه المرحلة برغم كل الشكاوى حول القمع. وإذا كان هناك أي شيء سيعوقه الآن، فسيكون من داخل التحالف الحاكم الجديد.