كان عالم الفيزياء اليهودي ألبرت أينشتاين صريحا بشأن مشروع إقامة الدولة اليهودية، فعندما سُئل عام 1946، أثناء الإدلاء بشهادته أمام لجنة تحقيق أنجلو أميركية بشأن فلسطين، عن دولة إسرائيل المحتملة مقابل وطن ثقافي لليهود، أجاب أينشتاين بشكل لا لبس فيه بأنه لم يكن قط مؤيدا للدولة، حسب موقع إخباري كندي.
ويلخص موقع “كاونتربنتش” بهذه الجملة -مقالا للكاتب روبن فيلبوت- حاول فيه أن يلقي الضوء على مواقف أينشتاين الذي كان يدعو لقيام وطن ثقافي لليهود، دون أن يقصره على فلسطين ودون أن يربطه بأي لبوس ديني، حسب ليون سيمون، أحد محرري مقالاته ومترجميها الأوائل.
وقبل بضعة أسابيع من إنشاء دولة إسرائيل، طلب شيبرد ريفكين المدير التنفيذي لمجموعة شتيرن من ممثلي المجموعة مقابلة أينشتاين في الولايات المتحدة باعتباره “أعظم شخصية يهودية” في ذلك الوقت.
لكن رد أينشتاين كان واضحا، إذ قال “عندما تقع كارثة حقيقية ونهائية علينا في فلسطين، فإن المسؤول الأول عنها سيكون البريطانيون، والمسؤول الثاني عنها المنظمات الإرهابية التي تم بناؤها من صفوفنا. أنا لست على استعداد لرؤية أي شخص لديه ارتباط بهؤلاء الأشخاص المضللين والمجرمين”.
وعلق الكاتب على ذلك قائلا “لفهم صيرورة أينشتاين ما علينا سوى استبدال البريطانيين بالأميركيين والمنظمات الإرهابية مثل مجموعة شتيرن ومجموعة إرغون بحكومة (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، والأحفاد السياسيين لزعيمي هذه المجموعات مناحيم بيغن وإسحاق شامير”، وهما رئيسا وزراء إسرائيليان سابقان.
أينشتاين قال إن حياته كانت مقسمة بين المعادلات والسياسة، ولكن كتاباته السياسية عن إسرائيل والصهيونية كانت في أفضل الأحوال تُخفى تحت البساط، وفي أسوئها تُشَوَّه تماما لتظهره مؤيدا لدولة إسرائيل
تحت البساط
وقال أينشتاين إن حياته كانت مقسمة بين المعادلات والسياسة، ولكن كتاباته السياسية عن إسرائيل والصهيونية كانت في أفضل الأحوال تُخفى تحت البساط، وفي أسوأ الأحوال تُشَوَّه تماما لتظهره مؤيدا لدولة إسرائيل، حتى استخرجها من النسيان فريد جيروم وترجمها من الألمانية، ونشرها في كتاب “أينشتاين عن إسرائيل والصهيونية”.
غير أن الطبعة الأولى من هذا الكتاب أصابها ما أصاب المقالات من الإهمال، ولم تنشر إلا بكميات ضئيلة للغاية، ولم يتم الترويج لها أو تحويلها إلى كتاب إلكتروني، وبيعت في وقت قصير بعد أن خضع الناشر لضغوط هائلة من الصهاينة، ولكن دار باراكا للنشر أخرجت طبعة جديدة بموافقة جوسلين جيروم، أرملة المؤلف.
كان أينشتاين في ألمانيا في عشرينيات القرن العشرين في وقت تفشي معاداة السامية عندما تعرضت نظرية النسبية للهجوم باعتبارها “علما يهوديا”، فانجذب إلى الحركة الصهيونية، ولم يكتشف “لأول مرة أنه يهودي” إلا في عام 1914، عندما وصل إلى ألمانيا، وقد أطلق على نفسه لقب “الصهيوني الثقافي”.
وحذر كورت بلومنفيلد، وهو ناشط صهيوني أُرسِل لتجنيد أينشتاين، رئيس إسرائيل بعد ذلك حاييم وايزمان من هذا العالم قائلا “أينشتاين ليس صهيونيا، وأطلب منك ألا تحاول تحويله إلى صهيوني وألا تحاول ربطه بمنظمتنا. أينشتاين يميل إلى الاشتراكية، سمعت أنك تتوقع منه أن يلقي الخطب. أرجو أن تكون حذرا للغاية في هذا الشأن. أينشتاين كثيرا ما يقول أشياء بسذاجة لا نرحب بها”.
وأشار الكاتب إلى أن أينشتاين كان يشكل عقبة دائمة أمام المشروع الصهيوني لاستعمار فلسطين وإنشاء دولة إسرائيل حتى وفاته في عام 1955، ومن أمثلة ذلك مراسلاته مع حاييم وايزمان، فقد كتب له أينشتاين عام 1929 “إذا لم نتمكن من إيجاد طريقة للتعاون الصادق والمعاهدات الصادقة مع العرب، فإننا لم نتعلم شيئا خلال ألفي عام من المعاناة، ونستحق المصير الذي سيحل بنا”.
وتكررت فكرة “المصير الذي سيحل بنا” كثيرا عند أينشتاين، ففي عام 1929، يبدو أنه تنبأ بأن دولة إسرائيل التي حلم الصهاينة بإنشائها من دون “تعاون صادق ومواثيق صادقة” مع جيرانهم الفلسطينيين سوف تتحول إلى ما هي عليه اليوم، أي إلى المكان الأكثر خطورة في العالم بالنسبة لليهود.
وفي مارس/آذار 1947، أرسل إليه إ. ز. ديفيد، أحد أعضاء جماعة إرغون الإرهابية بقيادة مناحيم بيغن، استبيانا أجاب عليه بحدة ووضوح، فقال ردا على السؤال “ما رأيك في إنشاء فلسطين يهودية وطنية حرة؟” بالقول “الوطن القومي اليهودي؟ نعم. فلسطين القومية اليهودية؟ لا. أنا أؤيد فلسطين الحرة الثنائية القومية في وقت لاحق بعد الاتفاق مع العرب”، وقال “أنا ضد التقسيم” جوابا على رأيه فيه.
في صحبة أينشتاين
وفيما يتعلق بمسألة الإمبريالية البريطانية والأميركية، لم يكن لدى أينشتاين أي وهم، إذ قال “يبدو لي أن الأميركيين الأعزاء لدينا يصممون الآن سياستهم الخارجية وفق نموذج الألمان، لأنهم ورثوا تضخمهم وغطرستهم فيما يبدو. وهم يريدون أيضا تولي الدور الذي لعبته إنجلترا حتى الآن، وكأنهم لم يتعلموا إلا القليل حتى من تجربة الإنجليز القاسية”.
أما بالنسبة للأسلاف السياسيين لحكومة نتنياهو الحالية، فقد هاجمهم أينشتاين وهاجم أحزابهم السياسية في صحيفة نيويورك تايمز، وعندما جاء مناحيم بيغن إلى نيويورك في أواخر عام 1948، نشر أينشتاين والناشطة حنا أرندت وشخصيات يهودية أخرى في الولايات المتحدة رسالة تندد بزيارته وبالمنظمة التي قادها ووصفوها بأنها “حزب سياسي قريب جدا في تنظيمه وأساليبه وفلسفته السياسية من الأحزاب النازية والفاشية”، ومن الأمثلة التي ذكروها مذبحة 240 رجلا وامرأة وطفلا في قرية دير ياسين الفلسطينية.
فيلبوت: كان أينشتاين حتى وفاته عام 1955 يكرر الاتهام بأن “هؤلاء الناس نازيون في أفكارهم وأفعالهم”، لكن أي شخص يقول مثل هذا الكلام اليوم في وسائل الإعلام الرئيسية سيُوصَم على الفور بأنه معادٍ للسامية ويُحظر من وسائل الإعلام نفسها.
وكان أينشتاين حتى وفاته عام 1955 يكرر الاتهام بأن “هؤلاء الناس نازيون في أفكارهم وأفعالهم”، وعلق الكاتب على ذلك قائلا إن أي شخص يقول مثل هذا الكلام اليوم في وسائل الإعلام الرئيسية يُوصَم على الفور بأنه معادٍ للسامية ويُحظر من وسائل الإعلام نفسها.
وذكر فيلبوت أن رئيس وزراء إسرائيل آنذاك عرض رئاسة البلد على أينشتاين على إثر وفاة حاييم وايزمان عام 1952، لكن أينشتاين رفضها مبررا ذلك بقوله “كان علي أن أقول للشعب الإسرائيلي أشياء لا يحبون سماعها”، أما رئيس الوزراء بن غوريون فقال “أخبرني ماذا أفعل إذا قال نعم. لقد اضطررت إلى عرض المنصب عليه لأنه كان من المستحيل ألا أفعل، ولكن لو كان قبل لكنا سنواجه مشكلة”.
وختم الكاتب بطمأنة كل من يتهمون بمعاداة السامية أو يطردون من وظائفهم لأنهم يجرؤون على انتقاد دولة إسرائيل ووصفها بأنها دولة فصل عنصري وإدانة الإبادة الجماعية للفلسطينيين، بأنهم في صحبة أينشتاين، ولو كان حيا اليوم لكان في الصفوف الأولى يتظاهر معهم، حسب الكاتب.