كييف- بمناسبة مرور سنتين على بداية الحرب الروسية الأوكرانية، شهدت العاصمة كييف أمس الأحد فعاليات منتدى “أوكرانيا في 2024″، بحضور عشرات الصحفيين المحليين والأجانب، وممثلي منظمات المجتمع المدني.
حشدت أوكرانيا لهذا الحدث كبار مسؤوليها، وكان من الواضح أن الغرض بث رسائل معينة، والكشف عن معلومات وتوضيح أخرى، وتوقع ما قد يحمله العام الجاري من تطورات، مرهونة بعوامل داخلية وخارجية.
تقدم عسكري
تحدث وزير الدفاع، رستم أميروف، خلال المنتدى عن خطط أوكرانيا العسكرية لاختراق دفاعات الروس والتقدم في عمق الأراضي الأوكرانية التي يسيطرون عليها.
وأكد أن خطط العام الجاري ستكون ناجحة، محملا الغرب مسؤولية فشل العمليات الأوكرانية المضادة في 2023، بسبب تأخر وصول 50% من المساعدات العسكرية المطلوبة، على حد قوله.
وعبّر الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي خلال مؤتمر صحفي، عن توقعاته بمواجهة صعوبات خلال الأشهر القادمة وتأثرها بتحضيرات روسيا لهجوم في فصل الصيف.
وصول “إف 16”
لتحقيق اختراق كبير، تعتمد أوكرانيا على تحقيق توازن في القوة الجوية، من خلال استلام واستخدام طائرات “إف 16” (F16) الموعودة، التي يتدرب عليها الأوكرانيون حاليا في العديد من الدول.
وقال أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، للجزيرة نت، على هامش المنتدى، إن “سيطرة الروس على المجال الجوي هي التي أدت إلى سقوط أفدييفكا مؤخرا، بالإضافة إلى العديد من المدن الأخرى قبل ذلك، لقد دمر طيرانهم المدن”.
وأضاف دانيلوف: “لا أعتبر ذلك انتصارا، فهذه المدن ليست مدنهم أولا، وهي مدن تم محوها من على الخارطة أصلا، ناهيك عن أنهم يحاولون السيطرة عليها منذ عام 2014. في النهاية، ليست هذه المدن بحجم برلين أو باريس، فعن أي نصر كبير يتحدثون؟”.
وعيد للروس
من جانبه، توعد رئيس دائرة الاستخبارات العسكرية في وزارة الدفاع، كيريلو بودانوف، الروس بعمليات نوعية خلال العام الجاري، سواء داخل أراضيهم، أو في الأراضي الخاضعة لسيطرتهم.
وقال: “النظام في روسيا لن ينهار بدون مساعدتنا، نحن نعمل بالفعل من أجل ذلك، وجود هذا النظام يشكل خطرا دائما على العالم في المستقبل”.
ووجه بودانوف رسالة إلى سكان القرم، قائلا: “مفاجآت جديدة تنتظر الأعداء، لا أنصح السكان المدنيين باستخدام ما يسمى جسر القرم”.
وفي شأن آخر، قال المتحدث ذاته: “روسيا لم تتسلم صواريخ من إيران، ولم تستخدم إلا القليل من الصواريخ الكورية الشمالية”.
حرب مسيرات وتقنيات
وبحسب وزير الدفاع أوميروف أيضا، الحرب الراهنة خرجت عن المألوف بكونها حرب مسيّرات تتحكم فيها الهواتف الذكية، إضافة إلى كونها حرب لا يؤثر فيها كم الذخائر وأعداد الجند كما تفعل التقنيات الحديثة، على حد قوله.
في السياق ذاته، صرّح وزير القطاعات الإستراتيجية الأوكراني أوليكساندر كاميشين، بأن بلاده ضاعفت إنتاجها العسكري بشكل عام 3 مرات في عام 2023، وتخطط لمضاعفته 6 مرات في عام 2024.
لهذا الغرض، بحسب كاميشين، تعمل 100 شركة صناعات عسكرية حكومية، و400 شركة خاصة، تضم جميعها نحو 300 ألف موظف وعامل، ومجالات الإنتاج تشمل المسيرات، وكل أنواع الآليات والأسلحة.
وكمثال، أشار كاميشين إلى أن أوكرانيا ضاعفت إنتاج قذائف الهاون 42 مرة، وذخائر المدفعية على اختلافها 2.8 مرة، مشيرا إلى أن “حاجة أوكرانيا من هذه الذخائر تفوق قدرات الإنتاج لدى الولايات المتحدة والدول الأوروبية مجتمعة”.
في سياق متصل، أشار ميخايلو فيودوروف، وزير “التحول الرقمي”، إلى أن المسيّرات أصبحت سلاحا رئيسيا في الحرب، وباتت تصنف كغيرها من الأسلحة؛ كما أن 90% من المسيّرات التي تستخدمها بلاده تصنع في أوكرانيا.
وأقر فيودوروف بأن بلاده لن تتفوق بالكم العددي على روسيا (على مستوى الأسلحة والجند)، لكنه أكد أن “كفة العقول والتقدم التقني” ترجح لصالح أوكرانيا، بإنتاجها المحلي، والمساعدات التي تحصل عليها.
هاجس الانتخابات الأميركية
وتطرق المنتدى مرارا إلى موضوع الدعم الغربي بشكل عام، والأميركي على وجه الخصوص، وإلى الهواجس الأوكرانية فيما يتعلق بتراجع رغبة دعم كييف في واشنطن، خاصةً إذا وصل الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى الحكم مرة أخرى، وهو الذي عارض مساعدة أوكرانيا بشكل صريح.
وكان واضحا أن الأوكرانيين المشاركين اتفقوا في إجاباتهم حول سياسة التقليل من تلك الهواجس، ومن ذلك تصريح أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، للجزيرة نت: “يجب ألا نخلط بين سياسة الحكم والسباقات الانتخابية. عندما يشغل الرئيس منصب الرئيس، يطلع على معلومات وحقائق مختلفة، وعليها يبني القرارات. هذه حقيقة مهمة”.
وأضاف: “الانتخابات شأن داخلي أميركي، التعامل بيننا على مستوى الدول، وليس على مستوى شخصيات الرؤساء. دعونا نذكر أن أوكرانيا حصلت على أول مساعدات عسكرية دفاعية أميركية في أثناء فترة ولاية ترامب. أنا متأكد من أن الدعم الأميركي لن يتوقف، حتى وإن تباطأ لسبب أو آخر”.
لا تخافوا من روسيا
حول اختلاف المواقف الغربية فيما يتعلق بحجم دعم أوكرانيا، وخشية بعض العواصم من “إغضاب روسيا”، تحدث ميخايلو بودولاك، مستشار الرئيس، حول سياسة بلاده لتبديد “المخاوف المصطنعة”.
وقال: “هاجس المستقبل يشغل الجميع. الخطر الروسي من أكبر “المخاوف المصطنعة” التي تؤثر في حياة الأوروبيين وغيرهم اليوم. روسيا دولة كبيرة بمساحتها وحجم مواردها. لكنها ضعيفة بسياساتها وفساد نظامها، وحتى بأسلحتها التي لا تقارن مع جودة السلاح الغربي. روسيا يجب أن تواجه بحزم، لا بالتأني”.
وحول الموضوع ذاته قال أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، أوليكسي دانيلوف، للجزيرة نت: “نحن في حرب عالمية ثالثة حقيقية، بدأها الروس عمليا بمهاجمة جورجيا سنة 2008. عندها أغلق العالم المتحضر فمه وعينيه وغطى أذنيه، فمنح بضعف موقفه بوتين الفرصة نحو المزيد، وحدث ما حدث، ويحدث بعد ذلك”.
أوكرانيا تكشف خسائرها
ولأول مرة منذ سنتين، كشف الرئيس الأوكراني أن عدد قتلى الجيش الأوكراني منذ بداية الحرب بلغ 31 ألفا، لكنه رفض تحديد أعداد المصابين، لأن فيها “أسرارا تعين العدو على الحركة”؛ مشيرا إلى أن خسائر الروس تصل إلى 500 ألف بين قتيل وجريح، لا سيما أنه “مقابل كل جندي أوكراني يوجد 7 جنود روس”.
وللمشاركة وسد الثغرات، أعلن وزير الداخلية، إيهور كليمينكو، تشكل 10 وحدات من قوات “الهجوم” التابعة للحرس الوطني، تضم نحو 10 آلاف مقاتل إلى جانب القوات المسلحة، أي ما يمثل نحو 20% من قوات الداخلية”.
وفيما يتعلق بخسائر أوكرانيا في صفوف المدنيين خلال سنتين، أشارت لوحات في قاعة المنتدى إلى مقتل 11 ألفا و869 مدنيا، من بينهم 527 طفلا، وإصابة 18 ألفا و962، من بينهم 1224 طفلا؛ بالإضافة إلى مشاكل نفسية تواجه 77% من الأوكرانيين بسبب الحرب.
وأكد النائب العام الأوكراني، أندري كوستين، أن بلاده وثقت نحو 142 ألف جريمة حرب، وتعمل بجد على محاكمة بوتين وحاشيته، سواء من خلال محكمة العدل الدولية، أو محاكم خاصة بالحرب الروسية على أوكرانيا.
إطلاق سراح المدنيين
وفيما يتعلق بالأسرى، جدد مسؤول ملف حقوق الإنسان في البرلمان الأوكراني، دميترو لوبينتس، تأكيده السابق على أن “المنظمات الدولية لا تعمل”، مشيرا إلى أن 28 ألف أوكراني محتجزين لدى روسيا.
لفت كذلك لوبينيتس إلى أن “مبادلة المدنيين بمدنيين أمر محظور بموجب القانون الدولي. ولذلك، تبحث أوكرانيا عن أساليب جديدة وبلدان يمكنها الانضمام إلى عملية إعادة الرهائن المدنيين”.
وتابع في هذا الصدد: “رئيس الوزراء القطري أبدى في الدوحة قبل أسبوع استعداد بلاده لمحاولة إعادة الرهائن المدنيين. نحن بحاجة إلى إنشاء تحالف دولي لهذا الغرض”.
قمة دولية للسلام
نهاية الحرب في المنظور الأوكراني يجب أن تكون بقمة سلام تستند إلى “ضمانات أمنية” يسوق لها مكتب الرئيس الأوكراني في دول العالم، من 10 نقاط تسجل أرضية توافقية لدى جميع الدول.
هذا ما أكده أندري يرماك، مدير مكتب الرئاسة، مشيرا إلى أن سويسرا ستشهد قمة عالمية حول السلام في أوكرانيا في ربيع العام الجاري.
لكنه لفت إلى أن روسيا لن تكون حاضرة، وبعد القمة، ستعمل الدول المشاركة معا على تطوير خطة السلام في أوكرانيا، وقد تدعو روسيا لحضور القمة الثانية حول هذا الشأن”.
انتعاش اقتصادي
وفيما يتعلق بالاقتصاد، تحدث المسؤولون بإيجابية حول الانتعاش الذي شهده العام الماضي، بعد نكسة كبيرة استمرت عمليا حتى أواسط 2022.
وتوقع رئيس الوزراء، دينيس شميهال، حصول بلاده قريبا على 12 مليار دولار من الولايات المتحدة، كما أن البنك الدولي تعهد بدعم كييف على مدار 4 أعوام، بنحو 15 مليار دولار، بضمانات دول “مجموعة السبع الكبار” (G7).
ولفتت يوليا سفيريدينكو، نائبة وزير الاقتصاد، إلى عودة 90% من الشركات الأوكرانية للعمل، ونمو بنحو 6.6% حققته البلاد مع نهاية 2023، بعد تراجع بلغ 29.1% بسبب الحرب.
كما أشارت إلى أن أوكرانيا حصلت على دعم دخل الميزانية بنحو 75.4 مليار دولار، وانفراج كبير شهدته حركة الموانئ، بتصدير 12 مليون طن من الحبوب العام الماضي.