تقول كاتبة العمود بصحيفة “غارديان” البريطانية نسرين مالك إن الشيء الوحيد الذي يمكنها قوله بيقين تام عن حرب غزة هو أن الناس رأوا الكثير الذي سيبقى معهم لفترة طويلة، وأن ثقتهم في “المجتمع الدولي” لن تكون هي نفسها.
وأوضحت أنه مهما حدث مع الهدنة الهشة التي أطلقت شعاعا رقيقا من الضوء، فقد تم إطلاق ظلام في العالم شكله النهائي لم يكتمل بعد، لكنه يستمر في التشكل.
ليست عالمية
وأضافت أن عدم القدرة على إقناع “الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” بشيء يبدو واضحا تماما، وهو أن الأحداث التي وقعت في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي لا يمكن محوها بمزيد من الرعب، والدرس وحشي وقصير: حقوق الإنسان ليست عالمية والقانون الدولي يطبق بشكل تعسفي.
وأشارت إلى أن القادة السياسيين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة يقدمون سردا غير دموي بشكل صارخ للصراع يتجاهل الحقيقة المطلقة وعدد الوفيات ويلجؤون بدلا من ذلك إلى لغة شبه سريالية تدعو إلى “كل الاحتياطات الممكنة” لحماية حياة المدنيين، ويفقد مسؤولو الأمم المتحدة هدوءهم ويستخدمون أقوى المصطلحات الممكنة، فيما يبدو أنه نتيجة مباشرة لهذا الإصرار الغريب على عدم تسمية الواقع بما هو عليه.
وعلقت الكاتبة على الفظائع التي ارتكبها الاحتلال الصهيوني خلال الحرب، قائلة إن غزة هي المكان الذي يأتي منه الشعور بفقدان عقلك: حقيقة أنه يبدو أن القوى الغربية غير قادرة حتى على التظاهر بوجود نظام عالمي من القواعد التي تزعم أنها تتمسك بها.
سرعة مرعبة
وأضافت أن جزءا من عدم القدرة على الوصول إلى روايات مقنعة حول سبب وفاة الكثير من الأبرياء هو أن الأحداث تصاعدت بسرعة مرعبة، ولم يكن هناك وقت لتحديد وتيرة الهجمات على غزة، وإعداد المبررات والأمل في أن يؤدي الوقت وفترات الاهتمام القصيرة في نهاية المطاف إلى تغطية الخسائر.
وأشارت إلى أن حرب غزة كانت صراعا شديدا بشكل فريد وغير مريح، ولفتت إلى ما قالته صحيفة نيويورك تايمز من أن وتيرة الموت خلال حملة إسرائيل لها سوابق قليلة في هذا القرن.
ليست كالعراق
وتابعت نسرين مالك بالقول إن الأسابيع القليلة الماضية كانت درسا قويا في الطبيعة الوهمية للقانون الدولي، على عكس العراق، حيث استغرق الأمر سنوات لتتراكم الجثث، وتتصاعد الأدلة وتثبت أن المشروع لم يجعل أحدا أكثر أمانا، وكان بلا رحمة ومضللا، وفي النهاية تتسرب الثقة في القيادة السياسية.
وأوضحت أن أحداث غزة تجري في الوقت الحقيقي، وفي بعض الحالات يتم بثها مباشرة، وأن عمليات القصف لا هوادة فيها ومركزة لدرجة أن عائلات بأكملها قد تم القضاء عليها. وقد نزح الآلاف، وحملوا أطفالهم. وهناك أيضا القوة الأخلاقية لأحوال الأطفال، ليس فقط وفياتهم، التي تقدر بنحو 6000 في أقل من شهرين، ولكن تيتمهم ونزوحهم وحرمانهم من الطعام والماء في غزة المحاصرة التي أصبحت الآن، وفقا لـ اليونيسيف، “أخطر مكان في العالم للأطفال”.