جنين- كان الشاب محمد قدري صباح يتصدى لاقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جنين للاجئين شمال الضفة الغربية، فجر الأربعاء الماضي، برفقة عدد من المقاومين، حين استدرجته قوة إسرائيلية إلى مقبرة قريبة، وعندها استهدفته طائرة مسيّرة مع عدد آخر من المقاومين، فاستشهد في الحال.
كما أن قوات من الاحتلال الإسرائيلي كانت قد اقتحمت مخيم جنين وحي الهدف القريب منه، وأطرافا من بلدة برقين على الحدود الشمالية للمخيم، وخاض المقاومون اشتباكات عنيفة معها، وبعدها استدرجت قوة من الاحتلال مجموعة من المقاومين إلى بوابة المقبرة القديمة في المخيم، ورمتهم بصاروخ من طائرة مسيّرة، فاستشهد 3 منهم، وجرح آخرون.
عودة إلى سياسة الاغتيال
ويشهد مخيم جنين منذ بداية معركة “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، زيادة في اقتحامات قوات الاحتلال، إضافة إلى استخدام إسرائيل لطرق غير معهودة في استهداف المقاتلين.
حيث عمدت إسرائيل إلى قصف مسجد الأنصار الواقع شمال المخيم، بينما كان يوجد فيه المقاومان: محمد حسين عابد، ومحمد مروان عبد الله، في مشهد يُذكّر باغتيالات قادة المقاومة خلال الانتفاضة الثانية في الفترة بين 2000 إلى 2004.
يقول أبو العز، وهو أحد مقاتلي كتيبة جنين، وواحد من الذين شاركوا في التصدي لاقتحام المخيم فجر الأربعاء الماضي، إن “إسرائيل استخدمت مع شباب المقاومة في المخيم طرقا كثيرة، وفي كل مرة كانت تخفق في النيل منهم، ومع كل اقتحام تستعمل أساليب جديدة”.
وأضاف، أن القوات الخاصة كانوا يدخلون إلى أزقة المخيم عن طريق شاحنات بلوحات أرقام فلسطينية، وأحيانا بسيارات لبيع الألبان، لمباغتة المقاومة في جنين ومخيمها والقضاء عليها.
ويرى أبو العز أن كتيبة جنين استطاعت في كل مرة أن تطور من قدرة أفرادها وخبرتهم في التعامل مع قوات الاحتلال، واستطاعت بأساليبها الخاصة التي تخترعها بما يتوفر لديها، بأن تتفوق على القدرة العسكرية الكبيرة للجيش الإسرائيلي.
واليوم يسعى شباب الكتيبة للوصول إلى طريقة تحميهم من الطائرات المسيّرة الانتحارية، لتقليل قدرتها على استهداف المقاومين في الميدان.
وقال أبو العز، إن قوات الاحتلال حتى اليوم تعجز عن الدخول إلى المخيم واعتقال المقاومين، وفي كل مرة يحاول الجيش الإسرائيلي التوغل لاعتقال أحد أفراد الكتيبة، كانوا يواجهون بقوة المقاومة والاشتباك مع عناصرها من مسافات قريبة، وكانوا يوقعون في صفوف الاحتلال إصابات محققة، وهذا باعترافهم.
“لذا تلجأ إسرائيل إلى طرق جديدة للوصول إلينا دون الاضطرار إلى الاشتباك، وهذه الطرق مع الأسف هي الاغتيال بالطائرات المسيرة”، يقول أبو العز.
اجتياحات متكررة
وخلال أسبوع واحد اغتالت قوات الاحتلال الإسرائيلي 5 مقاومين من مخيم جنين، عن طريق قصفهم بالطائرات المسيرة المعروفة باسم “الانتحارية”، في عمليتين منفصلتين الأولى كانت في مسجد الأنصار، والثانية الأربعاء الماضي قرب مقبرة المخيم.
ويضيف المقاوم من كتيبة جنين، “تهدد إسرائيل باستمرار باجتياح المخيم، وتسعى للقضاء على المقاومة في الضفة في الوقت التي تعمل فيه على قتل أهلنا في غزة، وكل ليلة تحاول دخول جنين والوصول إلى حدود المخيم، لكن المقاومة تتصدى لها، وتمنع أي تقدم للآليات العسكرية الإسرائيلية إلى قلبه”.
ويقول المقاومون، إن محاولات إسرائيل لاجتثاث المقاومة في الضفة لا تهدأ حتى مع انشغالها في عدوانها على قطاع غزة، بينما تشهد مناطق الضفة -أيضا- اعتقالات غير مسبوقة منذ بداية عملية “طوفان الأقصى”.
وشهدت عمليات القتل ذروتها، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، التي أعلنت أمس الأحد، أن عدد الشهداء في الضفة منذ السابع من الشهر الحالي وصل إلى 114 شهيدا.
ويقول أبو العز، إن العدوان على غزة، “لم يكفّ يد الاحتلال عن القتل والاعتقال هنا في الضفة، وقبل أسبوع اقتحمت مخيم طولكرم، وجرّفت وخرّبت في البنية التحتية، وقتلت قرابة 12 شابا، كل ذلك في محاولة منها لمحو المقاومة في تلك المنطقة”.
واستشهد أيسر العامر، وهو أبرز قادة كتيبة جنين، ونعته سرايا القدس، الجناح العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي. وقالت، إن أيسر العامر قضى خلال تأديته واجبه الجهادي دفاعا عن مخيم جنين، ونصرة لغزة ضمن معركة “طوفان الأقصى”.
أساليب جديدة
ويقول مقاتلون من كتيبة جنين، إن أساليب إسرائيل في اعتقال الناشطين السياسيين وقادة الحركة الطلابية في الجامعات، إضافة إلى سياسة الإغلاق الشامل التي تفرضها إسرائيل على كل المدن والمحافظات، وتكرار اقتحامات المخيمات بشكل عام ومخيم جنين خاصة، كل ذلك يأتي ضمن الحملة التي تسعى من خلالها إسرائيل للقضاء على المقاومة وأذرعها القتالية في الضفة.
يقول أبو العز، “نشهد يوميا حملات اعتقال لأعداد كبيرة في المدن والقرى، كل ذلك لتخويف شعبنا، وفصل المقاومة عن حاضنته الشعبية، لكن المقاومة بفضل الله مستمرة، ونحن اخترنا طريق الجهاد والهدف الذي وضعناه واضحا، وهو التحرير”.
ويضيف، “نمرّ كلنا نحن كتائب المقاومة في جنين وطولكرم وأريحا ونابلس والخليل بمرحلة صعبة، ويوميا نفقد عددا من شبابنا ومقاتلينا، لكن ذلك لا يرهبنا، الدم الذي ينزف في مدن الضفة ومخيماتها هو ثمن الحرية”.
وقال، “بفضل الله أعداد المقاومين تزداد، وخبرتنا في ضرب العدو والقتال معه -كذلك- تزداد، وفي كل مرة نستطيع مجابهة الأساليب والأسلحة التي تستخدمها إسرائيل لضربنا”.
مضيفا، “نركز الآن على إيجاد طريقة ناجحة للتخلص من استهداف الطائرات الانتحارية، والوصول لنقطة تمكننا من تعطيل استدراجها للمقاومين أثناء القتال على الأرض”.