إدلب- تنطلق سامية نجم كل صباح باتجاه المناطق الجبلية بالقرب من مخيمات خربة الجوز الواقعة بريف إدلب الغربي والفاصلة بين ريفي إدلب واللاذقية شمال سوريا.
تترك سامية خيمتها في كل صباح من أجل جمع الحطب عبر جمعه من الأشجار الحراجية بهدف تأمين الدفء لأطفالها، وذلك بعد فقدان أملها بالحصول على دعم لشتاء هذا العام من المنظمات الإنسانية.
تقول سامية في حديث للجزيرة نت “يقال إن النازحين تحت خط الفقر، أما نحن فتحت خط الموت؛ فالمعيشة بين الجبال تزيد برودة الطقس، ناهيك عن شح الدعم وعدم وجود فرص عمل، لذلك نحن نعيش أوضاعا كارثية”.
وتضيف أنه “إذا مرض طفل، بسبب برودة الطقس فالعائلة تكون في حيرة من أمرها لإنقاذه، فالمشافي بعيدة جدا، ولا يوجد هنا سوى نقاط طبية يسيرة تقدم إسعافات أولية”.
ويعيش آلاف النازحين في مناطق جبلية ضمن مناطق ريف إدلب الغربي وريف إدلب الشمالي، ويطلق عليها مخيمات الساحل السوري، حيث يعدّ معظم سكانها من مدينة اللاذقية وريفها.
ويقطن سكان هذه المخيمات ضمن بقعة جغرافية جبلية وعرة للغاية، كما تبعد عن المناطق الحيوية شمال إدلب ومركز وجود المنظمات أكثر من 200 كيلومتر ذهابا وإيابا، مما يصعب مهمة المنظمات في الوصول إليها.
ويشكو أهالي مخيمات الساحل من ظلم كبير يتعرضون له رغم برودة الطقس وعدم وجود فرص للعمل؛ بسبب سكنهم في الجبال وعدم وجود أسواق للتجارة، وعدم إرسال المنظمات الإنسانية مساعدات لهم، أو وسائل تدفئة.
ندرة الدعم
محمد سينو، نازح من ريف اللاذقية بعد سيطرة النظام السوري على قريته إلى مخيمات بالقرب من منطقة “الملند” بريف إدلب الغربي، يشكو غرق خيمته وعدم وجود مأوى له خلال الأيام الماضية.
يقول محمد سينو -للجزيرة نت- إنه اضطر للعيش هو وأطفاله الخمسة مع عائلة شقيقته في خيمة تبلغ مساحتها 40 مترا، وذلك بسبب عدم وجود خيام إضافية، حيث شُرّدت مئات العائلات في المنطقة التي يعيش فيها، حسب تعبيره.
وأضاف أن المنطقة التي يقطنها سكان الساحل مظلومة مقارنة بالدعم الذي يقدم للمخيمات في مناطق سرمدا والدانا، القريبة من معبر باب الهوى الحدودي شمال سوريا، التي تعدّ مركزا لمكاتب المنظمات الإنسانية، في حين أن هناك غيابا شبه كامل للدعم في هذه المنطقة.
وحسب إحصاءات منظمات وفرق تطوعية، فإن أصحاب هذه المخيمات يعيشون حالة فقر شديد وسط الطقس البارد، إذ إن معظم سكانه لا يملكون حطبا للتدفئة، مما دفع ناشطين سوريين لإطلاق حملة مساعدات لتلك المخيمات التي وصفوها بالمنسية.
وتعمل كثير من النساء في جمع الحطب وبيعه من أجل تأمين قوت المعيشة، في الوقت الذي يعاني فيه معظم سكان المخيم البطالة، عكس النازحين الذين يعيشون بالقرب من المدن ومراكز عمل المنظمات، حيث يحصلون على فرص عمل بشكل أكبر.
المعاناة بالأرقام
عمر السعيد -نازح من مدينة اللاذقية- قرر جمع الملابس القديمة وشراء الملابس المستعملة من السوق القريبة من المنطقة التي يعيش فيها من أجل التدفئة هذا العام، ولكن هذا الأمر تسبب بانبعاث دخان داخل خيمته كاد أن يخنق أطفاله، مما دفعه للتدفئة على الحطب.
وفي حديث للجزيرة نت، يقول عمر إنه يرسل أطفاله كل يوم إلى جبال الساحل السوري ومعهم أكياس، “ولا يعودون حتى يجمعوا الحطب الذي يكفينا ليومين، والذي يزيد أعطيه لجيراني الذين لا يملكون ما يتدفؤون به”.
ويضيف “قلبي ينفطر على أطفالي عندما أرسلهم لجلب الحطب؛ لأنهم يعودون مبللين بالمياه، ويرجفون من البرد، ولكن لا حيلة لي، فأنا مريض ولا يمكنني تسلق الجبال، وليس هناك بديل عن هذا الأمر”.
ورصد فريق “منسقو استجابة سوريا”، عددا من المصاعب التي يواجهها النازحون في مخيمات شمال غربي البلاد، من بينها صعوبة تأمين الخبز والغذاء وانتشار الحرائق والأمراض الجلدية، ومشكلات المياه والصرف الصحي.
وأصدر الفريق تقريرا قال فيه إن 86% من المخيمات تواجه أزمة تأمين الغذاء، بينما يعاني النازحون في 94% من المخيمات؛ بسبب نقص الخبز وارتفاع أسعاره.
وأشار إلى أن 61% من المخيمات تنعدم فيها خدمة الصرف الصحي، وترتفع النسبة إلى 100% في المخيمات العشوائية، كما تغيب المياه النظيفة والصالحة للشرب عن 48% من المخيمات (819 مخيما).
وسجل التقرير زيادة الأمراض الجلدية في أكثر من 23% من المخيمات، وافتقار 87% منها إلى عيادات متنقلة أو نقاط طبية.
ولا يحتوي 69% من المخيمات على نقاط تعليمية، في حين بلغت نسبة الأطفال العاملين فيها أكثر من 37%، وفق التقرير.
وكشف الفريق عن ارتفاع أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية في سوريا إلى 17.3 مليون شخص، في نسبة هي الأعلى منذ 2011.
وخلال الأيام الماضية بدأت الفرق التطوعية والمنظمات الإنسانية تسليط الضوء حول معاناة المخيمات، بهدف جذب الأنظار إليها من أجل تأمين دعم لهم خلال فصل الشتاء.
ويؤكد الناشط الإنساني عبد الجبار الزيدان أن فريق الاستجابة الطارئة أطلق حملة لتدفئة 5 آلاف عائلة بقيمة 250 ألف دولار، وسيتم تسيير قوافل إغاثية إلى تلك المنطقة من أجل تسليم مواد التدفئة للمحتاجين.
وأضاف في حديث للجزيرة نت، أن هذا لا يغطي سوى 20% من العوائل المحتاجة للتدفئة، لذلك فالحملة يجب أن تشمل جميع المنظمات من أجل كفاية كل النازحين في الساحل السوري، فحجم المتطلبات كبير من الدعم الغذائي إلى مواد النظافة والمحروقات.