صنعاء – دخلت السفينة “روبيمار” التاريخ كونها أول سفينة تغرق في البحر الأحمر إثر تعرضها لهجوم صاروخي من جماعة أنصار الله (الحوثيين) وبقائها جانحة لمدة 13 يوما قبالة السواحل اليمنية.
وأثار غرق روبيمار جدلا كبيرا في الساحة اليمنية بين محذّر من الآثار الكارثية على البيئة البحرية، ومن مخاطر التداعيات الأمنية والعسكرية التي يمكن حدوثها في أعقاب غرق السفينة، وبينما حمَّلت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا جماعة الحوثيين المسؤولية عن الكارثة البيئية لإغراق روبيمار، رمت الأخيرة بالمسؤولية على الولايات المتحدة.
وعدّ رئيس الحكومة اليمنية أحمد عوض بن مبارك غرق السفينة روبيمار كارثة بيئية لم يعهدها اليمن والمنطقة، وقال في تغريدة على موقع إكس “هي مأساة جديدة لبلادنا وشعبنا وكارثة إنسانية تهدد حياة اليمنيين لعشرات السنوات”.
وقال رئيس الحكومة إن من سمّاها “مليشيا الحوثي لم تكتف بإغراق اليمن في كارثة الانقلاب والحرب وما تمخض عنها من مآس لحقت بكل أسرة يمنية”.
من المسؤول؟
في المقابل، قال القيادي في جماعة الحوثيين عبد الملك العجري إن “من يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن أي تلوث بحري محتمل لغرق السفينة البريطانية هو أولا وبالدرجة الأساسية الولايات المتحدة الأميركية”.
وأضاف العجري، في تغريدة بموقع إكس، أن أميركا “مسؤولة عن الحرب في غزة وعن التصعيد الإقليمي الناتج عنها بسبب عرقلتها المتكررة لكل قرارت وقف الحرب في مجلس الأمن الدولي، وهي من تتحمل مسؤولية عسكرة البحر الأحمر”.
وأشار القيادي الحوثي إلى أن “الشركة المالكة والشركة المشغلة للسفينة هي التي أصرت على المرور في البحر الأحمر رغم علمها بالمخاطر المترتبة على مرورها، ورفضها الاستجابة لتحذيرات الجيش اليمني”.
وأعلن الحوثيون يوم 18 فبراير/شباط الماضي إصابة السفينة البريطانية “روبيمار” بعد استهدافها بعدد من الصواريخ خلال إبحارها بالبحر الأحمر أمام ميناء المخاء اليمني.
وكان زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي أفاد الخميس الماضي بأن قواته استهدفت، منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، 54 سفينة في البحر الأحمر وباب المندب.
وأكد الحوثي استمرار جماعته في قرارها بمنع السفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إلى موانئها من المرور في البحريْن الأحمر والعربي وخليج عدن، إسنادا للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة من الكيان الإسرائيلي، حسب تعبيره.
وكانت القيادة المركزية الأميركية قد تحدثت سابقا عن تسرب بقعة زيت بطول 18 ميلا بحريا، واتهمت الحوثيين بالتسبب بكارثة بيئية محتملة في البحر الأحمر جراء استهدافها بالصواريخ سفينة “روبيمار” المحملة بأكثر من 41 ألف طن من الأسمدة، مؤكدة أن “السفينة راسية ولكن الماء أصبح يتسلل إلى داخلها ببطء”.
كارثة بيئية
وقال أستاذ تقييم الأثر البيئي المشارك بجامعة الحديدة الدكتور عبد القادر الخراز إن غرق السفينة روبيمار يشكل كارثة بيئية كبيرة وخطيرة سواء على الإنسان اليمني أو الأحياء البحرية في المياه الإقليمية اليمنية، ومناطق الصيد البحري في هذه المنطقة الحيوية.
وأكد الخراز، وهو رئيس سابق لهيئة حماية البيئة في اليمن، للجزيرة نت أن المخاطر على البيئة البحرية كبيرة جدا، وتتمثل في تلوت مياه البحر بالأسمدة العالية الخطورة.
وأشار إلى عوامل عدة توضح الكارثة لغرق السفينة روبيمار، وهي كالتالي:
- المواد التي تحملها السفينة من أسمدة فوسفات الأمونيا ستذوب في مياه البحر وتلوثه، وستؤدي إلى انخفاض نسبة الأكسجين الذائب في الماء، مما سيؤدي إلى موت الكائنات البحرية، في حين أن بعضها -مثل الرخويات والأسماك- ستحمل هذه السموم وستنتقل عبر الصيد إلى السلسلة الغذائية العليا، وسيؤثر في المجتمعات الساحلية وحتى المناطق الداخلية باليمن، وربما تؤدي إلى انتشار أمراض سرطانية.
- الباخرة روبيمار صُنعت في 1997، أي أنها تعمل منذ 27 عاما، ولذا هي -أيضا- تعدّ نفايات وفقا لعمرها الافتراضي الذي لا يتجاوز 30 عاما.
- حمولة روبيمار الغارقة تبلغ 41 ألف طن، وأعلن أنها تحمل 20 ألف طن من الأسمدة الكيميائية الخطرة، ولم يتم توضيح نوعية باقي نصف الحمولة للباخرة، مع العلم أن هذه الأسمدة تتكون من فوسفات الأمونيا السائبة غير المغلفة، وهي تشمل -كذلك- مواد كيميائية أخرى.
ويوم الخميس 29 فبراير/شباط الماضي كان عدد من الصيادين من منطقة المخاء قد تجمعوا حول السفينة روبيمار، وضُربت السفينة عبر طيران مسيّر لا يُعرف هل هو تابع للحوثيين أو للقوات الأميركية، وقُتل في الحادث اثنان من الصيادين وجرح الباقين.
مخاطر أمنية
في السياق ذاته، رأى الخبير في الأمن البحري الدكتور علي الذهب أن هناك تأثيرات كبيرة لحادثة غرق السفينة روبيمار، خاصة على صعيد تدفق ومرور السفن التجارية من باب المندب وقناة السويس، حيث سيزداد توجه السفن إلى التحرك عبر رأس الرجاء الصالح والالتفاف حول القارة الأفريقية.
وفي حديث للجزيرة نت، قال علي الذهب إن المخاطر الأمنية الأكبر التي ستمس دول المنطقة هو ما ستتخذته أميركا وبريطانيا ودول الغرب من إجراءات عسكرية لمواجهة هجمات الحوثيين واستهدافهم للسفن التجارية وناقلات الشحن البحرية.
ويشن تحالف غربي تتزعمه الولايات المتحدة غارات تستهدف مقار لجماعة الحوثي، ردا على هجمات الأخيرة التي تستهدف السفن في البحر الأحمر.
ولم يستبعد المتحدث ذاته أن تتخذ الشركات العالمية البحرية تدابير وفق تحالفات فيما بينها تجاه الموانئ الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، خاصة موانئ الحديدة، وتفرض على السفن الامتناع عن الرسو بها أو إفراغ حمولاتها وشحناتها التجارية والنفطية بها.