القدس المحتلة- أجمع محللون على أن سياسات حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تجاه الفلسطينيين بالضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والأقصى حفزّت الهجوم المفاجئ لحركة حماس على البلدات الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة وفي الجنوب.
ووفقا لتقديرات المحللين، فإن تمادي حكومة بنيامين نتنياهو في قمع الشعب الفلسطيني في كل أماكن وجوده وتوسيع المشروع الاستيطاني في الضفة والاعتداء على المقدسات في القدس والاعتداء غير المسبوق على الأسرى في سجون الاحتلال حفزت حركة حماس على التخطيط لعملية “طوفان الأقصى”.
وعزا محللون الهجوم المفاجئ لحركة حماس إلى غياب الأفق السياسي لأي تسوية سياسة من شأنها أن تضمن حقوق الشعب الفلسطيني بالتحرر والاستقلال وإقامة دولة وعاصمتها القدس، وكذلك بتمادي نتنياهو بالتفاخر بمواصلة قطار التطبيع مع دول عربية وإسلامية بمعزل عن القضية الفلسطينية.
عنصر المباغتة
وعلى هذا الأساس، يقول الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطون شلحت “لا شك أن سياسات حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية أدت إلى هذا الوضع وإلى اندلاع الحرب، إذ عمدت حماس إلى اعتماد عنصر المباغتة واستباق أي عملية عسكرية كانت تتحضر حكومة نتنياهو لتنفيذها ضد الفلسطينيين”.
واستذكر شلحت في حديثه للجزيرة نت تصريحات نتنياهو فور تشكيله حكومة اليمين المتطرف بأنه يدفع نحو منع أي تسوية للقضية الفلسطينية، وأن حكومته تعمل على توسيع المشروع الاستيطاني في الضفة من أجل فرض وقائع على الأرض تمنع إقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
وأوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي أن نتنياهو اعتمد إستراتيجية تكريس الانقسام بين غزة والضفة الغربية، وتعامل بازدواجية مع الفلسطينيين، حيث دأب على التعامل مع رام الله بالمنظور الاقتصادي والتنسيق الأمني، فيما تعامل مع غزة بإحكام الحصار وبالعصا الأمنية والعلميات العسكرية المستمرة بشكل دوري منذ العام 2009.
ورجح شلحت أن لدى حركة حماس معلومات مؤكدة مفادها أن إسرائيل تتحضر لشن عدوان شامل على الفلسطينيين وقطاع غزة بعد انتهاء الأعياد اليهودية، وعليه أرادت الحركة استباق إسرائيل واعتمدت فرضية اختيار التوقيت المباغت لعلمية “طوفان الأقصى” التي خططت لها على ما يبدو منذ فترة.
إستراتيجية نتنياهو
تعتبر الحكومة الحالية الأكثر تطرفا دينيا وقوميا، ويقول شلحت “شرع نتنياهو واليمين المتطرف في تطبيق سياسة القمع ضد الفلسطينيين بالضفة، وترجم إستراتيجيته بتوسيع المشروع الاستيطاني، والتحلل من خطة فك الارتباط والعودة لمستوطنات شمال الضفة، والاعتداء غير المسبوق على القدس والأقصى”.
كما أن الحكومة الإسرائيلية الحالية -بحسب شلحت- “أطلقت العنان لعصابات المستوطنين للتمادي بالاعتداءات على الفلسطينيين في الضفة، وإقامة البؤر الاستيطانية بشكل غير مسبوق، وبغطاء كامل من المؤسسة الأمنية التي كانت في السابق تحاول ولو بشكل صوري كبح عنف المستوطنين”.
ويعتقد الباحث في الشأن الإسرائيلي أن ما حصل من اندلاع حرب كان شبه حتمي، لافتا إلى أن تطورات إقليمية ساهمت في ذلك، ولعل أبرزها مواصلة قطار التطبيع والوصول إلى واقع أن المزيد من دول عربية وإسلامية تتجه للتطبيع مع إسرائيل، دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية.
انعدام التناغم بين السياسي والعسكري
بدوره، يعتقد مراسل ومحلل الشؤون العسكرية في موقع والا الإخباري أمير بوحبوط أن ما حصل يعكس انعدام التناغم الذي كان سائدا بين وزراء في الحكومة الإسرائيلية والمؤسستين الأمنية والعسكرية، وهو ما ظهر كثيرا خلال ولاية حكومة اليمين المتطرف على شكل تصادم وخلافات علنية في وجهات النظر.
ورجح بوحبوط أن المستوى السياسي وأحزاب اليمين المتطرف لم تكن تأخذ تحذيرات المؤسسة العسكرية على محمل الجد في حال تم الاستمرار في استفزاز حركة حماس أو التصعيد ضد الفلسطينيين بالضفة، وكان الاعتقاد الخاطئ لدى نتنياهو أن الحركة ضعيفة وتم ردعها وكبحها ولن تتجرأ على شن أي عملية عسكرية ضد إسرائيل.
وأوضح أن أحزاب اليمين المتطرف المشاركة في الائتلاف الحكومي كانت ماضية في تأسيس مشروعها الاستيطاني الواسع بالضفة وقمع الفلسطينيين والتصعيد ضدهم في كافة مجالات الحياة والعمل على إقامة دولة يهودية تمتد من البحر إلى النهر.
وبحسب بوحبوط، تدرك المؤسسة الأمنية جيدا أن “الأدوات التي استخدمت حتى الآن لم تعد ناجعة، وقد حان الوقت الذي يتعين فيه على الجيش الإسرائيلي بموافقة المستوى السياسي أن يخلع القفازات ويفرض ثمنا باهظا على حماس لاستعادة الردع الإسرائيلي”.
اتهام بترحيل الصراع
من جانب آخر، حمّل المتحدث باسم كتلة “السلام الآن” آدم كلير حكومة اليمين برئاسة نتنياهو مسؤولية الحرب على جبهة غزة، مشيرا إلى أن حكومة نفتالي بينيت اختارت أيضا ترحيل الصراع مع الفلسطينيين، وأن تتحمل هي الأخرى المسؤولية.
وأكد كلير للجزيرة نت أن تراكمات السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين وتغييب الأفق السياسي لإنهاء الصراع انفجرت في وجه إسرائيل حربا، لكن لم يكن يتوقع أحد في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن تكون بهذا الحجم.
وبعيدا عن التجاذبات السياسية الداخلية في إسرائيل، يؤكد كلير أن نهج وسياسة وممارسات حكومة اليمين المتطرف لم تختلف في جوهرها عن سياسات الحكومات التي سبقتها، وكانت تحمل في طياتها رسائل واضحة وهي أن “على الفلسطينيين عدم توقع أي شيء من إسرائيل لإنهاء الصراع”.
“مرحلة جديدة”
وأشار كلير إلى أن المغاير في سياسات حكومة اليمين المتطرف هو العودة إلى مربع الصراع الأول على كل فلسطين التاريخية، وتأسيس دولة المستوطنين في الضفة، والإعلان بشكل مباشر أنه لا يوجد لإسرائيل أي شريك فلسطيني يمكن التوصل معه إلى تسوية.
ويعتقد كلير أن حركة حماس أيقنت معاني ودلالات سياسات حكومة اليمين الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وعليه بادرت بالهجوم المفاجئ والتسلل إلى “غلاف غزة” والبلدات الإسرائيلية بالجنوب، وأرسلت للإسرائيليين رسالة مفادها أن القضية الفلسطينية لم ولن تموت، حيث إن حماس أسست بـ”طوفان الأقصى” مرحلة جديدة وفتحت باب الصراع على مصراعيه.
وأوضح المتحدث ذاته أن الهجوم المفاجئ من قبل حماس بمثابة صفعة موجعة إلى نتنياهو الذي تمادى في التفاخر بأنه بصدد مواصلة التطبيع مع المزيد من الدول العربية والإسلامية دون أن تدفع إسرائيل أي ثمن أو أي تنازلات، مع تجاوز للقضية الفلسطينية وكأنها غير موجودة لتأتي عملية “طوفان الأقصى” وتعيدها إلى الذاكرة.