طهران- بعد تسجيل الجولة الأولى منها أدنى نسبة مشاركة منذ انتصار الثورة الإيرانية عام 1979، انتهت، فجر الخميس، الفترة المخصصة للحملات الدعائية لمرشحي جولة الإعادة في الانتخابات البرلمانية الإيرانية، المقررة في 10 مايو/أيار الجاري.
وبناء على ذلك، يتوجه الناخبون الإيرانيون، صباح غد الجمعة، إلى صناديق الاقتراع للتصويت في الجولة الثانية للانتخابات البرلمانية، لحسم مصير المقاعد البرلمانية المتبقية وعددها 45 في 16 دائرة انتخابية، لعل أهمها طهران.
وفي مطلع مارس/آذار الماضي، شهدت إيران انتخابات مجلسي الشورى الإسلامي (البرلمان) وخبراء القيادة، وتنافس فيها نحو 15200 مترشح على 290 مقعدا، لكن تراجع المشاركة حال دون حسم 45 مقعدا، في حين حُسِمَت جميع مقاعد مجلس خبراء القيادة المؤلف من 88 عضوا من رجال الدين لفترة مدتها 8 سنوات.
انقسام شعبي
وفي حين بلغ عدد أصحاب حق الاقتراع في الجولة الأولى 61 مليونا و172 ألفا و298 شخصا، أكدت الإحصاءات الرسمية أن عدد المشاركين في الاقتراع منهم لم يتجاوز نحو 25 مليونا، لتتراجع نسبة المشاركة إلى 41% في ربوع البلاد، وإلى 24% في مدينة طهران، كونها المركز السياسي للدولة.
وقامت الجزيرة نت، اليوم الخميس، بجولة في طهران، حاورت خلالها عددا من المواطنين حول استحقاق الجمعة، ولم تكن نحو نصف الآراء المستطلعة على علم بموعد جولة الإعادة، فيما أكدت شريحة أخرى أنها حسمت قرارها بعدم المشاركة في التصويت.
وكلما نبتعد عن المناطق الجنوبية والشرقية في طهران نحو الغرب والمناطق الشمالية، فإن البرود الانتخابي يضحى السمة البارزة في المدينة التي دخلت الصمت الانتخابي فجر الخميس، لكن المفارقة أن شريحة المتدينين تبدو متحمسة للمشاركة “انطلاقا من الواجب الديني والوطني والأخلاقي” وفق الحاجة “غلتاج” (68 عاما).
وتؤكد الفتاتان “مليكا” (23 عاما) و”مهتاب” (25 عاما) أنهما لن تشاركا في انتخابات الإعادة على غرار يوم الأول من مارس/آذار الماضي، “احتجاجا على تعنت البرلمان المحافظ في المصادقة على قوانين فرض الحجاب، ودعمه لعودة دوريات شرطة الأخلاق إلى الشوارع”.
في المقابل، يقول الشاب صابر (32 عاما) إنه قرر المشاركة في انتخابات الجمعة لأول مرة في عمره، ويرجع سبب قراره إلى شعوره بالفخر بعد تحرك بلاده عمليا بضرب العمق الإسرائيلي يوم 13 أبريل/نيسان 2024، “نصرة للقدس والقضية الفسطينية العادلة، وانتقاما لدماء الإيرانيين التي أُريقت جراء الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية”.
وعلى غرار الشارع، تنقسم الأوساط الإيرانية السياسية حول المشاركة في الانتخابات، بين مَن يرى في المقاطعة خيارا للتعبير عن رفضه سياسة مجلس صيانة الدستور ومنعه أغلب الوجوه المنتقدة من خوض المعترك الانتخابي، وآخرين يحثون على التصويت كونه حقا دستوريا يمكّنهم من اختيار الأصلح لتمثيلهم في البرلمان.
أسباب العزوف
من ناحيته، يرى الباحث السياسي يوسف آكنده، في المثل القائل “من جرب المجرّب حلت به الندامة” ما يبرر البرود الانتخابي وعزوف الشعب عن المشاركة، متسائلا “أليس البرلمان المحافظ هو مَن حرم الشعب منافع إحياء الاتفاق النووي خلال الأشهر الأخيرة من الحكومة السابقة، في ضوء رغبة الإدارة الأميركية الراهنة؟”.
وقال للجزيرة نت إن شريحة كبيرة من النساء تفضل عدم المشاركة في اختيار نواب سيبذلون ما بوسعهم للتضييق عليهن، بحجة ملف الحجاب وحرمانهن من حقوقهن الاجتماعية، ناهيك عن القوانين الأخرى التي لا تصب سوى في صالح الحكومة، ومنها قوانين الضرائب، حسب تعبيره.
ووفق آكنده، فإن الجولة الأولى من الانتخابات أظهرت تركيبة البرلمان المقبل، وأن الشارع الإيراني لا يعوّل على جولة الإعادة لحدوث تغيير، لأنه لا خيار ثالث أمامه سوى الاختيار بين المحافظ والأكثر تشددا.
وحسب المتحدث نفسه، فإن البرلمان المحافظ، الذي يسيطر تياره السياسي على الحكومة ومفاصل الدولة، يرى أن من واجبه مساندة الحكومة لتنفيذ مخططاتها أكثر من مراقبة أدائها ومطالبتها بتحقيق تطلعات الشعب.
وخلص إلى أن شريحة كبيرة من الشعب الإيراني تطالب بتحسين الوضع المعيشي، وكبح جماح التضخم ومكافحة الفساد، وقد لا يهمها من سيفوز بالانتخابات البرلمانية، لأنه بات معروفا أن النائب لا يستطيع التحرك خارج إطار برامج تياره السياسي، برأيه.
ضغوط خارجية
في المقابل، يشاطر الباحث السياسي جلال جراغي، المتحدث السابق، آراءه بخصوص تطلعات الشعب الإيراني في المرحلة الجارية، لكنه يعارضه حول أسباب عزوفه عن المشاركة.
وأوضح أن الانتخابات النيابية عادة تحل في المركز الثاني في سُلّم الاستحقاقات المهمة في البلاد، وأن جولة الإعادة لطالما تميزت بمشاركة أقل من الجولة الأولى في الجمهورية الإسلامية.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول جراغي إنه لا يمكن التنبؤ بشكل دقيق بنسبة المشاركة ونتائج جولة الإعادة، ذلك أن المراقب السياسي اعتاد المفاجآت في الاستحقاقات الإيرانية، وعزا سبب البرود الانتخابي عشية استحقاق العاشر من الشهر الجاري، إلى اعتماد المرشحين على أساليب مستحدثة في حملاتهم الدعائية بدلا من الملصقات التقليدية.
ولدى إشارته إلى أن هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية لم تخصص برامج ترويجية كافية للجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، أكد أن أولويات البلاد ومؤسساتها تتغير بين فترة وأخرى، نظرا إلى التطورات الداخلية والعالمية والإقليمية.
ويعتقد جراغي أنه في ظل العقوبات الأميركية والضغوط الغربية على الجمهورية الإسلامية، فإن تدهور الوضع المعيشي يزيد الاحتقان الشعبي، وتوجيه الاتهام للبرلمان بعدم التحرك الجاد لتحقيق المطالب الشعبية، مؤكدا أن البرلمان المقبل سيكون أمام تحدي مراقبة أداء الحكومة أو دعمها لتنفيذ المشاريع الوطنية.