واشنطن- اتخذ الجدل القانوني الذي يلقي بظلاله على انتخابات 2024 الرئاسية في الولايات المتحدة خطوة مثيرة، أمس الأول، بشأن ما إذا كان سلوك الرئيس السابق دونالد ترامب سيمنعه من الترشح لها، وعما إذا كان ذلك كافيا لاستبعاده من شغل أي منصب حكومي، بما في ذلك منصب الرئيس والقائد الأعلى للقوات المسلحة.
واتخذت محكمة ولاية كولورادو العليا قرارا بعدم أهلية ترامب للترشح في الانتخابات؛ بسبب دوره في أحداث 6 يناير/كانون الثاني 2021، ودعمه تمردا ضد الحكومة الأميركية.
هذه هي المرة الأولى التي تخلُص فيها المحكمة العليا في أي ولاية أميركية إلى أن بند عدم الأهلية، الذي تم تبنيه إبان حقبة الحرب الأهلية في التعديل الدستوري الـ14، ينطبق على كل من منصب الرئاسة وتصرفات الرئيس السابق. ورفضت المحاكم العليا في ولايتي مينيسوتا وميشيغان شكاوى مماثلة خلال الأسابيع الماضية.
قضية ضخمة
يُذكر أن كل استطلاعات الرأي تشير حاليا إلى أن ترامب هو المتقدم بوضوح بين مرشحي الحزب الجمهوري لسباق 2024، رغم مشكلاته القانونية التي ليس لها تأثير يُذكر في دعم الناخبين الجمهوريين حتى الآن.
ويصف كل من أستاذ القانون الدستوري لورانس ترايب وقاضي الاستئناف الفدرالي السابق والمحافظ البارز مايكل لوتيغ، معضلة أهلية ترشح ترامب بأنها “قضية ضخمة، وهي أهم قضية دستورية في عصرنا، وترقبوا فستكون هذه ملحمة تستمر من الآن حتى الانتخابات”.
ورأى غريغوري كوجر، مدير مركز جورج هانلي للديمقراطية، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة ميامي بولاية فلوريدا -في حديث للجزيرة نت- أن قرار المحكمة العليا في ولاية كولورادو يُعدّ تطورا كبيرا.
وأضاف أن هذه المحكمة أكدت النتيجة التي توصلت إليها محكمة أدنى بأن دونالد ترامب شارك في تمرد، وأن بند التعديل 14 ينطبق على جميع الموظفين الفدراليين، بمن فيهم الرؤساء.
ومن شبه المؤكد أن يستأنف ترامب قضيته أمام المحكمة العليا الأميركية، وبغض الطرف عما تقوله هذه المحكمة، فإن حقيقة هذه القضية المركزية هي أن ترامب مذنب بخيانة بلاده ودستورها. وهذا يجب أن يقنع كل الناخبين الجمهوريين بضرورة حرمانه من خوض الانتخابات، يقول كوجر.
وجاء الحكم التاريخي بأغلبية 4 أصوات مقابل 3، ويعترف القضاة الأربعة المؤيدون للقرار -الذين عُيّنوا جميعا من حكام ديمقراطيين في ولاية كولورادو- بأن هذا يرقى إلى “منطقة مجهولة قانونيا”، و”للحفاظ على الوضع الراهن”، أوقفت المحكمة تنفيذ الحكم حتى 4 يناير/كانون الثاني المقبل، وذلك قبل يوم واحد من الموعد النهائي لسكرتير الولاية للتصديق على بطاقات الاقتراع الأولية.
“تسييس القضاء”
وستُجرى الانتخابات الأولية بالولاية يوم 5 مارس/آذار القادم. وهذا يعني أنه إذا وافقت المحكمة العليا على الاستماع إلى القضية، وكانت لا تزال قيد النظر بحلول ذلك التاريخ، فيجب إدراج اسم ترامب في بطاقة الاقتراع بعد كل شيء.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي والعضو بالحزب الجمهوري بيتر روف، في حديثه للجزيرة نت، أن “ما نشهده هو أسوأ أنواع تسييس القضاء. وتصويت قضاء المحكمة لإلغاء وجود اسم ترامب في بطاقات الاقتراع، هو السماح لميولهم السياسية الشخصية بالتغلب على مسؤوليتهم بضرورة اتباع القانون”.
ويضيف “أظن أن القرار لن يصمد -ومع ذلك- فهو يوم مخيب للآمال بالنسبة للفقهاء القانونيين الأميركيين”.
يلغي الحكم النتيجة التي توصل إليها قاضي محكمة محلية بأن بند عدم الأهلية لا يغطي منصب الرئاسة. كما يؤكد من جديد أنه بموجب قانون ولاية كولورادو، تتمتع المحكمة باختصاص منع المرشحين غير المؤهلين من الاقتراع التمهيدي للحزب الجمهوري. وخلصوا -كذلك- إلى أن السلطة القضائية مخوّلة بتطبيق هذا البند.
وكانت الدعوى قد بدأت من مجموعة “مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق” الليبرالية في واشنطن نيابة عن 6 ناخبين من كولورادو: 4 من الجمهوريين، واثنان مستقلان.
وينطبق هذا الحكم على ولاية كولورادو فقط، لذا فهو يترك ترامب لا يزال قادرا على الترشح في الانتخابات التمهيدية الجمهورية الأخرى. ومع استمرار تقدمه الواسع على بقية منافسيه، لذا لا يزال بإمكانه الفوز بترشيح حزبه دون التنافس في كولورادو.
“أدلة دامغة”
وفاز الرئيس الأميركي جو بايدن في كولورادو ضد ترامب في 2020 بهامش واسع، ومن غير المرجح أن يحتاج ترامب إلى الفوز بالولاية للفوز في الانتخابات العامة. ولكن قد تكون هناك تداعيات أوسع نطاقا على الانتخابات العامة، إذ رُفعت دعاوي قضائية مماثلة في عدد كبير من الولايات في محاولة لمنع ترامب من الترشح، وهذا القرار قد يزيد من احتمال نجاح بعضها.
وقال بروس فاين، المساعد السابق لنائب وزير العدل الأميركي والخبير القانوني، في حديث مع الجزيرة نت، إن “القسم الثالث من التعديل الدستوري الرابع عشر هو من استبعد ترامب، وليس المحكمة العليا في كولورادو. عدم الأهلية هي عقوبة مدنية وليست جنائية. مطلوب رجاحة الأدلة فقط”.
ويضيف “أدلة المحاكمة دامغة على أن ترامب شارك في تمرد ضد الولايات المتحدة من خلال تنسيق هجوم 6 يناير/كانون الثاني لمنع نائب الرئيس مايك بينس من فرز الأصوات الانتخابية المعتمدة من الولايات المطلوبة بموجب التعديل الدستوري الثاني عشر، وذلك بعد أن رفض بينس طلب ترامب بوضعه فوق الدستور. ستؤكد المحكمة العليا استبعاده مما يمنعه من الترشح، وتقتل طموحات إعادة انتخابه”.
وفي غضون ساعات من صدور الحكم، أرسلت حملة ترامب ببريد إلكتروني لجمع التبرعات إلى مؤيديه، وحثتهم على “الانضمام إلى الكفاح للحفاظ على اسمي في اقتراع 2024 والدفاع السلمي عن حقك في التصويت”، حسب نص الرسالة.