ماذا تعني أحكام القضاء التونسي في قضية اغتيال بلعيد؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

تونس- لا يبدو أن الأحكام الصادرة من المحكمة الابتدائية بتونس في حق 23 متهما في قضية اغتيال السياسي اليساري شكري بلعيد ستغلق سريعا الملف، فبينما دفعت حركة النهضة ببراءتها عقب صدور الأحكام، يصرّ خصومها على أن الأحكام لا تطوي القضية وإنما تفتح الباب لكشف مَن دبّر الجريمة.

وفي ساعة مبكرة من صباح اليوم الأربعاء، أعلن المساعد الأول لوكيل الجمهورية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب أيمن شطيبة عن قرار المحكمة بإعدام 4 متهمين، وهم عز الدين عبد اللاوي، ومحمد أمين القاسمي، ومحمد العكاري، ومحمد العوادي.

كما أعلن عن الحكم بالسجن المؤبد على متهمين آخرين وبالسجن لفترة تتراوح بين سنتين و120 سنة ضد آخرين وعدم سماع الدعوى في حق 5 متهمين لتتبعهم بالأفعال نفسها في قضايا إرهابية أخرى، وإخضاع جميع المتهمين للمراقبة الإدارية.

دليل براءة

ويأتي صدور هذه الأحكام بعد استكمال الأبحاث من قبل المحكمة وإثر استنطاق المتهمين في جلسة بتاريخ 6 فبراير/شباط الماضي، والاستماع إلى مرافعات هيئة الدفاع عن شكري بلعيد يوم 15 مارس/آذار الجاري، والانتهاء من الاستماع لمرافعة النيابة العمومية ومحامي المتهمين في 22 من الشهر الجاري.

وحول ردود فعل حركة النهضة التي طالما اتهمها خصومها بالوقوف وراء تدبير عملية الاغتيال، يقول عمادي الخميري الناطق باسمها إن صدور هذه الأحكام يؤكد بشكل قطعي براءة الحركة من كل التهم “المزعومة” التي سعت هيئة الدفاع عن بلعيد وأطراف أيديولوجية لإلصاقها بها ظلما.

ويضيف للجزيرة نت أن الهدف من توجيه تلك الاتهامات للنهضة هو إسقاطها من الحكم آنذاك بعد فوزها في صندوق الانتخابات بشكل ديمقراطي، متهما هيئة الدفاع بالمتاجرة بدماء بلعيد واستغلال أي مناسبة “لتكرار أسطوانة اتهام الحركة بالباطل بسبب عدائها الأيديولوجي للنهضة”.

ويؤكد الخميري أن قرار ختم الأبحاث في هذه القضية من قبل قاضي التحقيق لم يشمل اسم أي قيادي أو منتم لحركة النهضة لا من قريب أو بعيد، موضحا أن الأحكام الصادرة لا تدين أي اسم من الحركة وهو ما يثبت براءتها كليا من الاتهامات “المعادية والمغرضة”.

وكان اغتيال المحامي والأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (يسار) شكري بلعيد بالرصاص في سيارته من قبل شخصين كانا يستقلان درّاجة نارية أمام منزله بالعاصمة تونس في 6 فبراير/شباط 2013، قد زج بالبلاد في أزمة سياسية كبرى ووُجهت الاتهامات لحركة النهضة.

النائب السابق عن حركة الشعب محمد براهمي اغتيل يوم 25 يوليو/تموز 2023 (الجزيرة)

أزمة عاصفة

ودفعت تلك الأزمة رئيس الحكومة والأمين العام السابق للحركة حمادي الجبالي إلى الاستقالة ليخلفه فيما بعد القيادي بالنهضة علي العرَيّض. وشهدت البلاد عقب اغتيال بلعيد حالة من الفوضى والعصيان والاحتجاجات وتعطل الدروس وارتباك حركة الملاحة الجوية بسبب الإضرابات.

وفي 27 أغسطس/آب 2023 أعلن العريض -في ندوة صحفية- عن تصنيف ما يسمى “أنصار الشريعة” تنظيما إرهابيا، واتهمه بالضلوع في الاغتيالات السياسية التي استهدفت كلا من القياديين اليساريين شكري بلعيد ومحمد براهمي.

وتمكنت تونس حينها من الخروج من الأزمة التي عصفت بها بعد اغتيال بلعيد والنائب عن حركة الشعب محمد براهمي في 25 يوليو/تموز 2013، إثر نجاح الحوار الوطني الذي قادته 4 منظمات وطنية بعد الاتفاق على كتابة دستور 2014 وتعيين حكومة مستقلة وإجراء انتخابات.

في المقابل، يقول الأمين العام لحركة الشعب زهير المغزاوي للجزيرة نت إن إصدار الأحكام في قضية شكري بلعيد تتعلق فقط بمجموعة صغيرة قامت بتنفيذ عملية الاغتيال، مؤكدا أنه من المتوقع أن يواصل القضاء الكشف عن الحقيقة لمعرفة الأطراف التي خططت وموّلت واستفادت من الاغتيال.

ويؤكد أن إصدار تلك الأحكام يعد خطوة مهمة في مسار البحث عن الحقيقة وتفكيك الجرائم السياسية والإرهابية التي وقعت في تونس في ظل فترة حكم حركة النهضة، مشيرا إلى أن حزبه يحمّلها المسؤولية السياسية عن اغتيال بلعيد وبراهمي على اعتبار أنها كانت تقود حكومة الترويكا.

مجرد بداية

وأضاف المغزاوي أن مسؤولية النهضة في اغتيال براهمي “ترتقي إلى المستوى الجزائي بسبب عدم إشعاره بوجود مخطط لاغتياله من قبل وزير الداخلية لطفي بن جدو في الحكومة التي كانت ترأسها الحركة، على الرغم من وصول تحذير لوزارة الداخلية من قبل جهاز أمني أجنبي”، بحسب تصريحه.

وأوضح أن حزبه لا يسعى لكيل التهم جزافا لحركة النهضة وإنما للكشف عن الحقيقة في قضايا الاغتيالات السياسية التي قال إنها “زرعت الشك والانقسام في المجتمع التونسي”، معتبرا أن القضاء هو من سيحسم في هذه القضايا من خلال البتّ في الاتهامات الموجهة لكل الأطراف بناء على الأدلة.

وتتهم هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد براهمي قيادات النهضة ولاسيما زعيمها راشد الغنوشي، الذي يقبع في السجن منذ نحو عام لاتهامه من قبل السلطة الحالية بالتآمر على أمن الدولة، بإعطاء الأوامر لاغتيال بلعيد.

ويؤكد محامو الهيئة أن الأحكام الصادرة من قِبَل المحكمة الابتدائية مجرد بداية في طريق الكشف عن الحقيقة وتفكيك القضية وكل الجرائم الإرهابية، متهمين حركة النهضة بالتورط في الاغتيالات باستخدام جهاز سري لاختراق أجهزة الدولة، لكن الحركة تنفي بشدة كافة هذه الاتهامات.

من جهته، قال عبد المجيد بلعيد شقيق شكري بلعيد -لإحدى الإذاعات الخاصة- إن هذه الأحكام الصادرة هي مرحلة أولى في بداية مسار محاكمة من خططوا لتلك الجريمة السياسية، متهما الغنوشي بإعطاء أمر تنفيذ الاغتيال.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد استقبل قبل عامين صالح بلعيد والد شكري بلعيد وشقيقه عبد المجيد في قصر قرطاج، مشددا على ضرورة تسريع محاسبة من تورطوا في اغتياله.

ولطالما وجّه سعيد “اتهامات مبطنة لأحزاب حكمت خلال العقد الماضي وأساسا حركة النهضة بالتورط في قضايا فساد وإرهاب”. وبعد اتخاذه تدابير استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021، شنت الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات شملت عددا مهما من قيادات الحركة ومنهم راشد الغنوشي.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *