ما وراء جولة وزير الخارجية الأميركي بأفريقيا؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

من لواندا عاصمة أنغولا ذات العلاقات الضاربة مع روسيا، أنهى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جولته الأفريقية التي استمرت أسبوعا كاملا بين عدة دول تعتبرها الولايات المتحدة نموذجا في القيم الديمقراطية.

وبعد أن سوّقت روسيا نفسها في المنطقة كقوة لم تكن لديها مستعمرات في أفريقيا، ولم تشارك في تجارة الرقيق، بدأت الولايات المتحدة في العزف على خطاب الحرية ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحرب على الإرهاب وضرورة الاستقرار بمنطقة أفريقيا.

وجولة قائد الدبلوماسية الأميركية -التي جاءت على وقع حدة التنافس الدولي في هذه القارة، والتوترات الشديدة في الشرق الأوسط- حملت رسائل ودلالات تتمثل في الاهتمام بأفريقيا ومستقبل ثرواتها، والعمل على سد الفراغ العسكري الذي سببه خروج القوات الفرنسية من منطقة الساحل.

وقد شملت الزيارة 4 دول ديمقراطية تقع على المحيط الأطلسي هي الرأس الأخضر وساحل العاج ونيجيريا وأنغولا، وهي دول تتنوع أهميتها بين الثروة والنفوذ والموقع الإستراتيجي.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد التزم في القمة الأفريقية الأميركية نهاية 2022 بزيارة القارة عام 2023 وتقديم الكثير من الدعم لكنه لم يف بوعده، وتأتي زيارة وزير الخارجية التي تحمل الكثير من الأجندات سعيا لتجسيد وعود الرئيس.

الرئيس النيجيري بولا أحمد يستقبل بلينكن في العاصمة أبوجا (الأناضول)

شراكة وتضامن

وأولى الرسائل التي أراد بلينكن أن يوصلها لأفريقيا هي سعي الولايات المتحدة للدخول في الشراكة الاقتصادية مع القارة.

وتعتبر منطقة غرب أفريقيا مكانا غنيا بالثروات المتعددة كاليورانيوم والذهب والغاز والنفط، ويبلغ مجموع سكانها 350 مليون نسمة، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع أي 17% من إجمالي مساحة القارة، وهي منطقة واعدة للاستثمارات، وتقصدها الشركات العالمية ذات الجنسيات المتعددة.

ولا تريد الولايات المتحدة أن تبقى الصين منفردة بالاستثمارات في منطقة غرب أفريقيا، وقد شيّدت بكين في المنطقة الكثير من المنشآت في مجال البنية التحتية، وقدّمت قروضا سخية للحكومات من أجل التغلب على العجز في الميزانيات.

وبدأت واشنطن تجسّد نهج بكين في التركيز على العمل في مجال البنية التحتية، وقامت مؤخرا بعقد شراكة لبناء توسعة ميناء برايا في عاصمة الرأس الأخضر بمبلغ 150 مليون دولار، وتجول بلينكن بهذه المنشأة التي أنجزتها بلاده، وبدون مواربة قال إن واشنطن تريد العمل مع أفريقيا والشراكة معها في دعم خياراتها.

وفي مقابلة له مع إذاعة فرنسا الدولية، قال بلينكن إن أفريقيا مكان للجميع، والولايات المتحدة تعمل على جذب الاستثمارات للقارة دون إثقالها بالديون، وذلك في إشارة للصين التي تعمل على دعم الاستثمارات عبر القروض الواسعة.

ومؤازرة لزيارة بلينكن، تقوم السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد بجولة في غرب أفريقيا تشمل 3 دول هي غينيا بيساو وسيراليون وليبيريا التي شاركت في حفل تنصيب رئيسها الجديد جوزيف بواكاي.

النفوذ والتنافس

وفي ظل تلاشي النفوذ الفرنسي غرب أفريقيا، والحضور الاقتصادي للصين، وتنامي الوجود العسكري لروسيا، تسعى الولايات المتحدة لتوسيع وجودها في القارة عبر أجندات التسليح والتعاون العسكري والأمني.

ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الأكاديمي ديدي ولد السالك أن الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة الأولى -والتي تمتلك 700 قاعدة عسكرية في العالم- تدرك أن الاستمرار في القطبية الأحادية مرهون بالاهتمام بالقارة الأفريقية.

ويرجح ولد السالك -في تصريحه للجزيرة نت- أن أفريقيا ستشكل قاطرة التنمية في العالم على مدى العقود الثلاثة القادمة، إذ توجد بها 70% من موارد العالم التي لم تستغل، وقوة بشرية تقدر بـ1.4 مليار نسمة من السكان الذين يشكل الشباب منهم نسبة تزيد على 60% ويقسمون على 54 دولة.

ويضيف الأكاديمي ولد السالك أن أغلب هذه الدول ما زالت تحتاج للتنمية والإعمار، وتتيح الفرصة للفاعلين عن طريق الشراكات المتنوعة.

وجاءت جولة قائد الدبلوماسية الأميركية بعد أسبوع واحد من زيارة وزير الخارجية الصيني للمنطقة زار خلالها مصر وتونس، وساحل العاج وتوغو.

وترتبط الصين بشراكات اقتصادية قوية مع الدول الأفريقية، خاصة في أنغولا وساحل العاج والنيجر وموريتانيا.

الملاحة الدولية

ومن اللافت للانتباه أن الدول الأربع التي اختارها بلينكن في جولته كلها مطلة على المحيط الأطلسي، ولها حدود مائية شاسعة.

وتقع أنغولا ونيجيريا وساحل العاج على خليج غينيا الذي يشكل ممرا حيويا للطرق البحرية الدولية، وتكثر فيه حوادث الاختطاف والقرصنة.

وبحسب تقرير المكتب البحري الدولي الصادر عام 2019، فإن 70% من حالات القرصنة في المياه الدولية تقع في خليج غينيا.

ومع تدهور الوضع الأمني في الساحل، أصبح من الأولويات تأمين سواحل نيجيريا التي تخوض معارك دائمة مع الجماعات المسلّحة.

وكانت إدارة بايدن أعلنت عام 2023 عن خطة لدعم الاستقرار مدتها 10 سنوات لعدد من الدول المطلة على خليج غينيا.

وفي هذه السياق، قال بلينكن إن زيارته تأتي لدعم الاستقرار ومحاربة الجماعات الإرهابية والحركات المتطرفة.

مواجهة المد الروسي

كما تسعى الولايات المتحدة لسد الفراغ الذي خلفه خروج فرنسا من دول الساحل التي شهدت موجة انقلابات في الأعوام الثلاثة الأخيرة، مما ترك الباب مفتوحا أمام المد الروسي في المنطقة.

وفي سياق الوجود الروسي في منطقة الساحل، قال بلينكن إن أي مكان توجد فيه مجموعة فاغنر الروسية يعني أنه توجّه للعنف والإرهاب ونهب الموارد، ويزداد انعدام الأمن في كل الأماكن التي تنشط فيها هذه المجموعة الروسية.

وللولايات المتحدة قاعدة جوية كبيرة في منطقة أغاديس شمال النيجر أنفقت على إنشائها 100 مليون دولار، وتضم ألف جندي أميركي.

وقد بعثت الولايات المتحدة برسائل إيجابية تجاه المجلس العسكري الحاكم في النيجر، حيث قالت إنها مستعدة لاستئناف المعونات الاقتصادية إذا قدّم قادة الانقلاب جدولا زمنيا مقبولا لفترتهم في الحكم.

ورغم أن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم لم يكدّر صفو العلاقة بين نيامي وواشنطن، فإن المجلس العسكري الحاكم أعلن أنه سيراجع شروط الوجود العسكري على أرض دولته.

وحسب الصحافة الأفريقية، فإن من أهداف جولة بلينكن توطيد العلاقات مع دول غرب أفريقيا المستقرة تمهيدا لإقامة قواعد عسكرية تقلل من الاعتماد على قاعدة أغاديس.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *