ما وراء استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 8 دقيقة للقراءة

رام الله- ساق رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية مبررات عديدة لاستقالة حكومته، والتي قبلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس مساء الاثنين، كان منها أزمات رافقت الحكومات من بداياتها عام 2019، والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومحادثات الفصائل الفلسطينية.

وقال اشتية، في كلمة بمستهل جلسة مجلس الوزراء، إن قراره “يأتي على ضوء المستجدات السياسية والأمنية والاقتصادية المتعلقة بالعدوان على أهلنا في غزة، والتصعيد غير المسبوق في الضفة الغربية ومدينة القدس، وفي ظل الخنق المالي غير المسبوق أيضا، والسعي لجعل السلطة الوطنية الفلسطينية سلطة إدارية أمنية وبلا محتوى سياسي”.

ووفق اشتية، فإن “المرحلة المقبلة وتحدياتها تحتاج إلى ترتيبات حكومية وسياسية جديدة، تأخذ بالاعتبار الواقع المستجِد في قطاع غزة، ومحادثات الوحدة الوطنية والحاجة الملحة إلى توافق فلسطيني- فلسطيني، مستند إلى أساس وطني ومشاركة واسعة ووحدة الصف، وإلى بسط سلطة السلطة على كامل أرض فلسطين”.

توجهت الجزيرة نت إلى عدد من المحللين، وسألتهم عن سياقات ودواعي استقالة الحكومة وشكل الحكومة القادمة، فاتفقت آراؤهم على أنها استجابة لضغوط دولية لتحقيق مطلب “تجديد السلطة”، مستبعدين أن تكون أي حكومة قادمة بمثابة استحقاق، لا سيما أن الاستقالة استبقت لقاء الفصائل المزمع الخميس في موسكو.

رئيس الوزراء الفلسطيني المستقيل محمد اشتية كُلف بتشكيل الحكومة عام 2019 (الجزيرة)

ترتيبات داخلية وإقليمية

يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل الدكتور بلال الشوبكي إن الحديث عن تغيير الحكومة في الوقت الحالي “ليس بعيدا عما يجري في قطاع غزة، وربما يأتي منسجما أو نتيجة لترتيبات على المستوى الفلسطيني الداخلي والإقليمي”، مشيرا إلى لقاءات فلسطينية داخلية استبقت اجتماع موسكو القادم في 29 فبراير/شباط الجاري.

ولا يستبعد الشوبكي وجود مناقشات مع قوى دولية لترتيب حكومة جديدة، قد تكون خالية من الصبغة السياسية، “على اعتبار أن هناك تحديا جديدا أمام الفلسطينيين في إدارة الشأن الداخلي في القضايا اليومية في مرحلة ما بعد الحرب على غزة، سواء فيما يتعلق بمسألة إعادة الإعمار أو تأمين حياة المواطن الفلسطيني من صحة وتعليم وما بحكمها”.

ويتساءل المحلل الفلسطيني “هل تبديل الحكومة يحل المعضلات القائمة؟”، ويُتبعها بالإجابة أن “أثر التغيير لن يكون ملحوظا وكبيرا، لأن أي تغيير حكومي يتطلب تغيير المسار والعمل السياسي الفلسطيني، وهذا يتطلب تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وإدماج الفصائل التي لم تدخلها”.

يضيف الشوبكي أن “قيمة أي حكومة تتشكل تكون مرتبطة بالمرجعية السياسية لها، وليست مرتبطة بذاتها”، مستبعدا أي فروقات جوهرية بين الحكومة المستقيلة والقادمة، ما لم يكن هناك تغييرات جوهرية على مستوى البرنامج السياسي والرؤية السياسية.

وشدد على أن “التحدي الأساسي الآن للفلسطينيين ليست إدارة الحياة اليومية للمواطن بقدر ما هي مواجهة مشروع كامل من الحكومة اليمينية الإسرائيلية، الذي لا يستهدف قطاع غزة فحسب، بل الكل الفلسطيني ومؤسساته، التي ينظر إليها فلسطينيا على أنها بذرة دولة، ولا يراها الاحتلال سوى بلدية كبيرة”.

سياقات عديدة

ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأميركية أيمن يوسف أن هناك “عدة سياقات لاستقالة اشتية، أولها استمرار العدوان على قطاع غزة وعدم مقدرة الفلسطينيين على فعل شيء”.

وأشار إلى “العديد من المبادرات والضغوطات والسيناريوهات التي تطرح على الساحة، بما فيها خطة نتنياهو لما بعد الحرب، فكانت استقالة اشتية ضربة استباقية من الرئيس أبو مازن للتفاعل مع السياقات الإقليمية والمبادرات الدولية”.

ووفق المحلل الفلسطيني، فإن “الحالة الفلسطينية أصبحت متكلّسة من الداخل، وبحاجة إلى رؤية جديدة للتعامل مع المتغيرات والمستجدات والمؤشرات التي خلقتها معركة غزة بشكل مباشر”.

وأضاف أن “حكومة اشتية كانت حكومة مسيسة، وحكومة أزمات ومرت بعدة مشاكل، وتمثل حركة فتح بشكل واضح، ونتيجة الضغوط الإقليمية التي مورست ومتغيرات داخلية وخارجية، كانت رغبة الرئيس في تغييرها”.

ورجح أن يميل الرئيس إلى تشكيل حكومة تكنوقراط من المستقلين المهنيين “حتى لا يعاب عليها أنها تمثل حركة فتح وبعض الفصائل على حساب أخرى”، وتحدث عن “ضغوط مورست على الرئيس من دول الجوار وخاصة مصر والأردن وقطر للتعامل الإيجابي مع مبادرات الإصلاح وإعمار قطاع غزة”.

المطلوب شعبيا

و”تغيير النظام السياسي بالكامل، مطلب وطني تُجمع عليه الفصائل، وعليه شبه إجماع شعبي، وليس تشكيل حكومة بالضفة، ترتبط سياسيا بالسلطة الحاكمة، وتبتعد عن حالة الوحدة الوطنية”، وفق المحلل السياسي سامر عنبتاوي.

وأضاف عنبتاوي أن “إقالة الحكومة تأتي استجابة للضغوطات الغربية والأجنبية والأوروبية والأميركية، بغية إحداث تغييرات سياسية ضمن وجهة النظر الغربية، وليس استرضاء لمطلب الشعب الفلسطيني بالتغيير السياسي”.

وقال إن “التغيير الحاصل يأتي ضمن الحديث عن اليوم التالي للحرب، ومحاولة أميركا إظهار كأن هناك توجها لتشكيل حكومة تقود إلى دولة فلسطينية، مع أن ذلك ذر للرماد في العيون واحتيال على الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي بأكمله”.

وتابع أن “المطلوب ليس تغيير حكومات، بل تشكيل حكومة وحدة وطنية خاصة في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة وإنهاء لقضيته، تشمل الجميع وعلى أسس نضالية وكفاحية، تقوم برسم السياسية القادمة للمستقبل الفلسطيني، وتمهد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ولمنظمة التحرير، وإعادة بنائها على أسس كفاحية ووطنية”.

من هنا يرى عنبتاوي أن “الحكومة القادمة ستكون حكومة تكنوقراط، لا تناسب شعبا يعيش في مرحلة التحرر الوطني، التي تتطلب وجود توجهات وطنية”، معتبرا أن الإدارة الأميركية تحاول الخروج من الإطار الوطني وحق تقرير المصير إلى قضايا إدارية داخلية.

رئيس الحكومة القادم

يرى السياسي الفلسطيني والنائب المستقل في المجلس التشريعي المحلول حسن خريشة أن “استقالة اشتية تعبير عن عجز وفشل، ثم استجابة للتوجه الأميركي الذي يستحدث سلطة متجددة”. وقال إن “إشغال الناس بالحكومة فيه كسب وقت للإسرائيليين لممارسة مزيد من حرب الإبادة، وإلهاء للشعب الفلسطيني وكأننا نعيش وضعا طبيعيا”.

ويستبعد أن تكون الحكومة المقبلة نتاج حوار وطني، “والدليل أن الرئيس استبق حوارات موسكو لتغيير الحكومة”، وتابع أن الاستقالة تأتي أيضا “تحضيرا لمرحلة قادمة، على اعتبار أن هناك وعودا أميركية بأن السلطة ستكون مسؤولة عن قطاع غزة والضفة، في وقت يعلن فيه الإسرائيليون أنهم لا يريدون حماس أو فتح إنما إدارة مدنية إسرائيلية للقطاع”.

ويرجّح خريشة أن يكون رئيس الوزراء القادم الدكتور محمد مصطفى مستشار الرئيس الاقتصادي ورئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير، موضحا أن “له علاقات ممتدة” وأنه “بديل عن الرئيس سلام فياض، الذي يضغط الأميركيون باتجاه تكليفه بتشكيل الحكومة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *