فالنسيا– لم تتمالك أنجيلا توريس، الطالبة بجامعة فالنسيا في إسبانيا، دموعها وهي تتحدث عما يعانيه سكان قطاع غزة في الحرب المستمرة عليهم للشهر الثامن على التوالي. وتلوم نفسها لأنها لم تكن تعرف الكثير عن القضية الفلسطينية في السابق، لكنها اليوم باتت أكثر قربا لمعرفة حقيقة ما يجري.
تقول توريس للجزيرة نت، وهي تكفكف دموعها، إنها لم تتوقع أنها ستعيش أياما يتعرض فيها شعب لإبادة جماعية، “لقد سمعنا عن هذه الأحداث في الماضي، الغريب أننا نعيشها في هذا القرن، ومضطرون للاعتصام في الجامعة حتى نظهر اعتراضنا على ذلك، أنا خائفة من الحاضر قبل أن أخاف من المستقبل”.
تحضر توريس يوميا إلى مكان الاعتصام الذي تجاوزت مدته الأسبوعين، في ساحة كلية الفلسفة. وتقول إنها وزملاءها يشعرون بالقلق مع دخول فترة الامتحانات، لكنها بالنسبة لهم ليست قضية مهمة “فهناك أشخاص يموتون في غزة، وهذا أهم”، حسب وصفها.
أثر مستمر
ويعلق الطلاب المعتصمون لافتة على بوابة كليتهم، يعرضون فيها مطالبهم الأربعة التي يسعون لتحقيقها. وكما باقي الجامعات التي انطلق فيها الحراك الداعم لفلسطين في أميركا وأوروبا، يدعو الطلبة هنا إلى:
- قطع كافة العلاقات الأكاديمية والمالية بين جامعتهم والجامعات الإسرائيلية.
- والأمر الأكثر أهمية بالنسبة للطلاب المعتصمين يتمثل بمطالبتهم إدارة الجامعة بقطع علاقاتها مع شركات وبنوك ومؤسسات محددة تربطها علاقات قوية مع الجانب الإسرائيلي.
- كما يطالبون بأن تنشر الجامعة بيانا واضحا تستنكر فيه الإبادة الجماعية المستمرة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة.
- ويطالبون كذلك بفتح علاقات جديدة مع الجانب الفلسطيني، وخصوصا مع جامعات غزة التي تم تدميرها، وحُرم طلابها من ممارسة نشاطهم الدراسي.
يقول مارك كابيير، وهو أحد الطلاب الذين يداومون على حضور الاعتصام منذ أيامه الأولى، إن هذه المطالب لن تتوقف في حال توقف العدوان الإسرائيلي على غزة، فهم لا يثقون بالوعود المؤقتة أو الشعارات العامة التي لا يظهر فيها موقف واضح من قبل الجامعة، ويقول “ما نريده حقا هو إنجاز أعمال ذات أثر دائم، لا مؤقتة أو شكلية”.
ويصرّ كابيير على المكوث في المخيم ولا يغادر نحو منزله الذي يبعد عن الجامعة مسافة تقل عن كيلومتر إلا للاستحمام أو لتغيير ملابسه، ويتنقل بين خيام الطلاب المعتصمين سعيا لتنسيق أمور المخيم وتوفير احتياجات المعتصمين، وعلى رأسها الخيام، التي تجاوز عددها 30 خيمة حتى اليوم.
مجتمع واحد
يستذكر كابيير شعوره في الأيام الأولى للاعتصام ويقول “شعرت حينها أنني، أخيرا، سأقوم بعمل شيء مؤثر، ولن أكتفي بمتابعة الأخبار عن بُعد”. ويقول إنه اليوم وزملاءه باتوا يشعرون بأنهم مجتمع واحد ذو مطالب واضحة، وأنهم يمارسون حقهم بالتعبير عن إنكارهم للإبادة الجماعية التي تجري في غزة.
ويؤكد كابيير، في حديثه للجزيرة نت، أنه لم تحدث أي مشاكل أمنية أو مضايقات من قبل إدارة الجامعة طوال فترة الاعتصام، فهم يشعرون بالحرية في جامعتهم، ويحرصون على تدبير شؤون المخيم وإدارته، ويسعدهم الدعم الذي يحصلون عليه من المتضامنين والمشاركين معهم، سواء من أساتذة الجامعة أو أفراد المجتمع المحلي، أو حتى من الذين يتواصلون معهم عبر الإنترنت في غزة.
لكنهم في الوقت نفسه، يشعرون بالإحباط من إدارة الجامعة، حيث وجّه الطلاب المعتصمون نداءات متكررة لرئاستها بالحضور إلى المخيم لسماع المطالب من الموجودين فيه دون استجابة من العمادة حتى هذه اللحظة.
ويعلق كابيير على ذلك “نحن لا نملك وقتا كافيا، الإبادة مستمرة، والطلاب مستمرون بالاعتصام، لكن لا شيء على أرض الواقع يتغير حتى الآن”.
ويستشهد كابيير باقتباس إنجليزي مشهور “العديد من الأشخاص الصغار، يقومون بالعديد من الأشياء الصغيرة، في أماكن صغيرة، يمكنهم أن يغيروا وجه العالم”.
ويقول إن هذا ما نشعر به في خيامنا الصغيرة، رغم صعوبة توقع ما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب، فهم يتابعون ما يجري مع طلاب جامعات أخرى ويتواصلون معهم باستمرار.
انتشار
لا يقتصر الوجود في المخيم على الطلاب فقط، حيث يحضر بين الحين والآخر طلاب من جامعات أخرى، أو من أفراد المجتمع المحلي، كما يشارك أبناء الجالية العربية عموما والفلسطينية خصوصا في بعض الفعاليات، حيث يحرصون على تعريف الطلاب والمشاركين بمعلومات عن فلسطين، من خلال الأنشطة التي يشاركون فيها.
تشارك سارة جربوع، وهي طالبة من جامعة “البوليتكنك” المجاورة لجامعة فالنسيا، وصديقاتها في فعالية لرسم الحناء، وهي إحدى الفعاليات التي ينفذها الطلاب في المخيم، سعيا لتعريف الموجودين بالتراث الفلسطيني أو بمعلومات عن فلسطين، سواء من خلال الورش الفنية أو من خلال استضافة شخصيات مؤثرة أو من نشطاء الجالية الفلسطينية.
وترى سارة أن فعل الطلاب الجامعيين بات له أثر العدوى في الجامعات، وتقول إن الاعتصام بدأ في جامعة فالنسيا، لكنه الآن ينتشر في عشرات الجامعات الإسبانية الأخرى، كما أن جامعتها بدأت مساء الاثنين اعتصاما جديدا بمبادرة من الطلاب فيها، أسوة بباقي الجامعات في أميركا وأوروبا.