ما مدى جاهزية أسطول لندن البحري لتأمين البحر الأحمر؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 5 دقيقة للقراءة

لندن- تواصل كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ضرباتهما في اليمن على ما تصفانه بأهداف عسكرية لجماعة أنصار الله الحوثيين، وبينما تظهر واشنطن قائدة هذه العمليات، فإن لندن -هي الأخرى- تدافع وبحماسة عن الضربات وتعدها “شرعية” مثلما عبر عن ذلك رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك أمام برلمان بلاده.

وبينما نأت جل الدول الغربية بنفسها عن هذه العمليات واكتفت بالتأييد عبر التصريحات ومنها من اختار الصمت، فإن لندن تصر على المشاركة فيها لتأمين البحر الأحمر من هجمات الحوثي، ولا يخشى سوناك كلفة هذه المشاركة السياسية التي ظهرت أنها محط إجماع سياسي -على الأقل- بين حزبي المحافظين والعمال.

لكن حالة الانشغال ربما توجد لدى القادة العسكريين البريطانيين الذين يعلمون أكثر من غيرهم أن وضع الجيش البريطاني الحالي لا يسمح لهم بالانسياق كثيرا وراء العمليات الأميركية، بالنظر لإمكانياته المتراجعة خصوصا من حيث عدد الجنود ومدى جاهزية القطع البحرية القادرة على المشاركة في عمليات تأمين البحر الأحمر.

أمجاد الماضي

دائما ما يحرك القرار السياسي وأحيانا حتى العسكري في لندن، رغبة استرجاع شيء من أمجاد “الإمبراطورية البريطانية”، وعادت هذه الرغبة بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي تحت شعار “بريطانيا العالمية” التي أصبحت عقيدة سياسية وعسكرية الهدف منها تأكيد عودة البلاد وبقوة للساحة الدولية.

ولهذا الغرض، رفعت بريطانيا إنفاقها العسكري وبشكل تدريجي إلى أن تجاوز هذه السنة 2.5% من الناتج الداخلي الخام، ليكون بذلك من بين الأعلى في أوروبا.

لكن هذا السخاء في الأموال يقابله نزيف في الرجال، حيث يعاني الجيش البريطاني من أزمة في توظيف الجنود، ويبلغ عددهم حاليا 76 ألف جندي، وحسب بعض التقديرات، قد يصل هذا الرقم إلى 52 ألفا خلال السنوات العشر المقبلة، علما أنه في سنة 2003 (سنة غزو العراق) كان العدد حوالي 103 آلاف جندي.

وتواجه الجيش البريطاني معضلةُ إقناع الشباب بالانخراط فيه، بسبب تدني الرواتب والخدمات وحالة الصدمة التي مازلت مستمرة منذ حربي العراق وأفغانستان.

غردت وزيرة الدفاع البريطانية السابقة بيني موردنت -هذا الأسبوع- تحذر من تراجع حجم الأسطول البحري البريطاني، وأن بلادها قد تخسر قوتها أمام دول مثل روسيا والصين.

“أسطول صغير”

وأرفقت الوزيرة السابقة تحذيرها مع إحصائية تتحدث عن تراجع هذا الأسطول من 232 قطعة خلال الحرب العالمية الثانية إلى حوالي 68 قطعة خلال السنوات الأخيرة من بينها حاملتا طائرات حديثة وآخرها حاملة الطائرات “الملكة إليزابيث”.

تراجُع الأسطول ليس العقبة الوحيدة أمام قيام الجيش البريطاني بالتحركات العسكرية التي يريد في أي مكان في العالم، بل هناك عامل الجاهزية، وذلك بعد حادثة اصطدام سفينتين بريطانيتين تشاركان في عمليات تأمين البحر الأحمر وخروجهما عن الخدمة، لتبقى سفينة واحدة تشارك في العمليات.

وكشفت صحيفة “تلغراف” البريطانية أن لندن غير قادرة على تحريك حاملة الطائرات “الملكة إليزابيث” إلى البحر الأحمر، لعدم وجود فريق قادر على تحريك سفينة الدعم ” فورت فيكتوريا” التي تكون مهمتها تأمين الذخيرة والوقود، وكل ما يلزم من حاجيات حاملة الطائرات والسفن الحربية المصاحبة للأسطول المشارك في أي عملية قتالية.

وبحسب الصحفية، فإن الجيش البريطاني يواجه صعوبة في توظيف الأطقم العسكرية المناسبة، وحاليا توجد حاملتا الطائرات “الملكة إليزابيث” و”أمير ويلز” في ميناء “بورس موث” في الجنوب البريطاني.

ومنذ خروجها من الاتحاد الأوروبي، أعلنت بريطانيا عن أكثر من عملية بحرية مع التركيز على البحر الأسود لمواجهة -ما تقول لندن- إنه تنامي التهديد الروسي، إضافة إلى التحرك بالغواصات النووية نحو المحيط الهادي صحبة الأميركيين.

كما أمّنت بحر الشمال مع اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية، وانضافت لها حاليا عملية تأمين البحر الأحمر، وكلها عمليات ضخمة وتحتاج لأسطول يبدو أنه -الآن- غير متوفر لدى بريطانيا.

التصاق بالأميركيين

لم يخطئ رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون عندما قال في خطاب توديعه للبرلمان “نصيحتي لرئيس الوزراء الذي سيأتي بعدي أن يبقى ملتصقا بالأميركيين”، فهذه هي سياسة لندن على الدوام، وخصوصا فيما يتعلق بالجانب الأمني والعسكري.

وهذا ما يفسر أن بريطانيا هي الوحيدة التي شاركت مع الولايات المتحدة في الضربات الجوية الموجهة ضد الحوثيين في اليمن، وترى لندن في هذه العملية فرصة أخرى لتثبت للأميركيين أنهم الحليف العسكري الأقرب والأقوى والقادر على التحرك وبسرعة متى استدعت الضرورة أو -بالأحرى- متى رأت واشنطن أن الأمر يستدعي التحرك.

كما تريد بريطانيا أيضا إيصال رسالة للأوروبيين أن قرارها العسكري والسيادي أصبح في يدها بعد أن خرجت من الاتحاد الأوروبي، وبات بإمكانها اتخاذ قرارات مهمة وبسرعة دون الحاجة لانتظار قرارهم.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *