ما حقيقة تخلي تونس عن الاتحاد الأوروبي حليفها التقليدي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

تونس- لا يخفي مسؤولو الاتحاد الأوروبي انزعاجهم من توجه تونس نحو الشرق لعقد تحالفات تمزج بين الجانبين الاقتصادي والسياسي، ورغم أن محللين يعتقدون أن هذا التقارب ضرورة أملتها الأزمة المالية التي تعيشها البلاد فإن آخرين يستبعدون انسلاخها عن شريكها الأوروبي.

ومنذ صعود الرئيس قيس سعيد إلى سدة الحكم في خريف 2019 لم يتوانَ لحظة واحدة عن توجيه رسائل مباشرة إلى الغرب -تحديدا الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة– بعدم التدخل في شؤون بلاده واحترام سيادتها، بسبب انتقادات موجهة له تتعلق بـ”الانفراد بالحكم”.

وفي نهاية مايو/أيار الماضي سافر سعيد إلى الصين للمشاركة في أعمال منتدى التعاون الصيني العربي، وتكللت زيارته بإبرام اتفاقيات اقتصادية في قطاعات متعددة، وأعرب الرئيس التونسي عن مساندته العلنية “لاعتبار بكين تايوان جزءا منها”.

الرئيس التونسي قيس سعيد (يسار) مع المرشد الأعلى علي خامنئي في طهران (الصحافة التونسية)

محل قلق

وقبل ذلك بأيام أجرى سعيد زيارة إلى إيران وُصفت بأنها الأولى من نوعها لتقديم العزاء في وفاة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، ويعد سعيد من القادة العرب القلائل الذين شاركوا في تشييع رئيسي، مما طرح تساؤلات بشأن سر “التعاطف الثنائي”.

وبعد تلك الزيارة أعلنت وزارة الخارجية التونسية إلغاء تأشيرة دخول الإيرانيين إلى البلاد، في خطوة تعزز هذا التقارب الثنائي، في وقت تتطابق فيه المواقف السياسية والأيديولوجية بين البلدين لدعم الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.

كما شهدت العلاقات التونسية الروسية حراكا -خاصة نهاية العام الماضي- بعد زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تونس.

وأعلن البلدان عزمهما على تطوير التعاون الثنائي والمبادلات التجارية البينية في مجالات عدة واستكشاف فرص الاستثمار.

وباتت هذه العلاقات الحثيثة مع الشرق محل قلق مزعج لدى مسؤولي الاتحاد الأوروبي، إذ قال مسؤول سياسته الخارجية جوزيب بوريل إن وزراء خارجية الاتحاد ناقشوا في اجتماعهم ببروكسل الثلاثاء الماضي التقارب التونسي مع الشرق.

وبحسب مراقبين، لم تكن تونس مدرجة في جدول أعمال وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، ولكن بوريل كشف عن مناقشة علاقات الاتحاد مع تونس بسبب التطورات الداخلية والخارجية، وفي ظل ضغط من منظمات حقوقية تتهم الرئيس التونسي بـ”الاستبداد”.

وتعد مناقشة الاتحاد الأوروبي ملف التقارب بين تونس والشرق الأولى من نوعها، ويرجح أن تُجرى نقاشات أخرى بشأنه، ذلك أن الاتحاد يعد الشريك الاقتصادي الأول لتونس وتربطه بها اتفاقيات اقتصادية قديمة بحكم القرب الجغرافي.

رفض تونسي

من جهته، يرى المحلل الاقتصادي رضا الشكندالي -في حديث للجزيرة نت- أنه من الطبيعي أن يكون هناك قلق ومخاوف لدى الاتحاد الأوروبي في ظل التقارب التونسي مع الشرق، والذي يندرج ضمن خلفية الرفض التونسي للتدخل الغربي في شؤون البلاد الداخلية، كما قال.

ويفسر هذا التقارب برفض السلطة في تونس ما تعتبرها ضغوطا من الغرب وشروطا تمس سيادتها، بالإضافة إلى سعيها إلى تنويع شركائها الاقتصاديين في ظل الأزمة المالية التي تشهدها البلاد وتعثّر حصولها على قرض من صندوق النقد الدولي.

وفشلت المفاوضات بين تونس والصندوق للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار على 4 سنوات كان سيفتح الباب أمام حصولها على تمويلات دولية أخرى بنسب فائدة أقل بكثير من السوق المالية العالمية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة مالية.

وكان موقف الرئيس سعيد الرافض لشروط صندوق النقد -خاصة المتعلقة بإلغاء الدعم الحكومي عن السلع- أحد أسباب تعثّر المحادثات، في حين تواجه تونس تحديا كبيرا العام الجاري للاستدانة بالعملة الأجنبية من الداخل أو الخارج لتوريد السلع وإنهاء ديونها.

وتحتاج الموازنة التونسية لهذا العام إلى 28.7 مليار دينار (8.9 مليارات دولار)، منها 16.44 مليار دينار (5.2 مليارات دولار) تسعى تونس لاقتراضها من الخارج.

ويرى الشكندالي أن المخاوف الأوروبية من التقارب مع الشرق تبرز أكثر لدى فرنسا وإيطاليا وألمانيا نظرا لتطور عدد مؤسساتها المستثمرة في تونس، في مقابل ضعف الاستثمارات الصينية والروسية، علاوة على ارتفاع العجز التجاري مع الصين وروسيا.

حالة تباعد

وبفضل تسجيل فائض في المبادلات التجارية مع الاتحاد الأوروبي لصالح تونس بحكم انخفاض تكلفة النقل والقرب الجغرافي وارتفاع الاستثمارات الأوروبية في تونس يستبعد الشكندالي أن يكون هناك توجه رسمي لتونس لتعويض الشريك الأوروبي بحلفاء من جهة الشرق.

كما يستبعد حصولها على تمويلات باليورو أو الدولار من قبل الصين أو روسيا باعتبار أن هذا القطب يسعى إلى الحط من قيمة هاتين العملتين، وبالتالي -من وجهة نظره- فإن التوجه إلى الشرق سيخدم مصلحة تونس إذا كان يندرج في إطار تنويع الشراكة وجلب الاستثمار.

وبرأي المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، فإن التقارب التونسي مع الشرق جاء نتيجة وجود حالة من التباعد بين تونس والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وذلك على خلفية المواقف الغربية من سياسات الرئيس سعيد الذي اعتبرها تدخلا سافرا في الشأن الداخلي.

وعبّر الاتحاد وواشنطن -سابقا- عن قلقهما مما اعتبراه انحرافا عن مسار الانتقال الديمقراطي في تونس بعد إعلان الرئيس سعيد تدابير استثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 حل بموجبها البرلمان السابق وعزل الحكومة وألغى دستور 2014، إضافة إلى غيرها من القرارات.

ويقول الجورشي -للجزيرة نت- إن هناك توجها لدى تونس لإنشاء تحالفات اقتصادية وسياسية مع الصين وروسيا وإيران في ظل التباعد مع الغرب، والذي جاء أيضا على خلفية قناعة السلطة أن تعثّر المفاوضات مع صندوق النقد جاء بضغط من الغرب.

لكنه يرى أن الدول الغربية الصديقة لتونس تسعى إلى احتواء هذه المسألة من خلال استمرار دعمها ماليا حتى لا تنهار اقتصاديا، وبالتالي تجد نفسها أمام تحديات أمنية وسياسية واقتصادية مع طرف يسعى على المستويين الجغرافي والجيوالسياسي إلى أن يكون قريبا منها.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *