ردا على الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون على سفن في البحر الأحمر قالوا إنها مرتبطة بإسرائيل وأخرى أميركية تدعم تل أبيب في حربها على قطاع غزة، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا خلال اليومين الماضيين غارات جوية ضد مواقع للجماعة في اليمن.
وفي هذه الأسئلة والأجوبة، بحثت مجموعة الأزمات الدولية في التداعيات.
ما الذي يحدث في البحر الأحمر؟
لقد امتدت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى البحر الأحمر حيث استخدم الحوثيون الذين يسيطرون على مساحات كبيرة من الساحل الغربي لليمن، الطائرات دون طيار والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والقوارب الصغيرة لاستهداف السفن التي يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل.
وخارج ساحل مدينة الحديدة، الخاضعة لسيطرتهم، استهدف الحوثيون الملاحة في البحر الأحمر. كما أعلنت الجماعة عزمها استهداف السفن في بحر العرب وخليج عدن. وسيشمل ذلك السفن التي تسعى إلى تجاوز البحر الأحمر عبر رأس الرجاء الصالح.
ومن بين الهجمات الحوثية المهمة، هجوم وقع في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عندما سيطرت الجماعة على سفينة “غالاكسي ليدر”، وهي سفينة تجارية قال الحوثيون إنها مرتبطة برجل أعمال إسرائيلي، واحتجزوا قبطانها وطاقمها.
وفي 26 ديسمبر/كانون الأول الماضي أدى استخدام الحوثيين قوارب موجهة إلى حدوث انفجار على بعد ميل واحد تقريبًا من سفينة حربية أميركية.
وفي 9 يناير/كانون الثاني الجاري، نفذوا هجومًا معقدًا باستخدام مجموعة من الطائرات دون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية لاستهداف السفن الحربية الأميركية في محيط باب المندب، مؤكدين أن ذلك دليل على دعمهم المستمر لغزة وأيضًا رد على العدوان الإسرائيلي على القطاع.
بدورها، أغرقت الولايات المتحدة 3 زوارق للحوثيين نهاية عام 2023، مما أدى إلى مقتل 10 من مسلحيهم.
وفي منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل استهداف السفن، أطلق الحوثيون في عدة مناسبات طائرات دون طيار وصواريخ على ميناء إيلات الإسرائيلي على ساحل البحر الأحمر. وقد أعلنت تل أبيب اعتراض هذه الهجمات أو إفشالها في الوصول إلى أهدافها المقصودة.
وانخفض تواتر هذه الهجمات عندما حوّلت الجماعة تركيزها إلى السفن، واعتبرتها أهدافًا أقرب وأكثر فعالية لتوضيح موقفها.
وردا على الهجمات البحرية، نشرت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا سفنا حربية في البحر الأحمر، قالت تلك الدول إنها نجحت في اعتراض غالبية صواريخ الحوثيين.
إلا أنه بين عشية وضحاها، نفذت الولايات المتحدة وبريطانيا في 11-12 يناير/كانون الثاني الجاري غارات جوية على مواقع عسكرية للحوثيين في اليمن ردا على استهداف الأخيرة للسفن التجارية والاشتباكات مع الدوريات البحرية، مما أسفر عن مقتل 5 مسلحين حوثيين.
ووصفت القيادة المركزية الأميركية هذه الضربات بأنها إجراءات دفاعية، مدعية أن هدفها هو تقليل قدرة الحوثيين على مواصلة الهجمات على السفن الأميركية وغيرها من السفن العسكرية والتجارية.
وأدان الحوثيون هذه الهجمات ووصفوها بأنها اعتداء صارخ وهددوا بالانتقام، مما زاد المخاوف من تصاعد العنف في هذا الممر المائي الحيوي.
ما الذي دفع الحوثيين لشن هذه الهجمات؟
بدأ الحوثيون بمهاجمة السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر ردًا على الحرب الإسرائيلية في غزة.
وقالت الحركة، في بياناتها، إنها ستوقف هذه الهجمات إذا بدأت إسرائيل بالسماح لكمية غير محددة من المساعدات الإنسانية بدخول القطاع، وستوقف الهجمات على إسرائيل نفسها بمجرد أن توقف إسرائيل هجومها على غزة.
ومن خلال القيام بذلك، عمل الحوثيون بالتنسيق مع أعضاء آخرين فيما يسمى بمحور المقاومة -وهي مجموعة تقودها إيران من الجماعات المسلحة غير الحكومية المعارضة لإسرائيل والولايات المتحدة.
وفي خطاب ألقاه في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صرح زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بأن أعضاء “المحور” كانوا ينسقون أنشطتهم العسكرية.
وفي حين لا يوجد دليل على أن الحوثيين تصرفوا بناء على أوامر إيرانية مباشرة، فمن المرجح وجود درجة معينة من التنسيق: فوجود سفينة استخبارات إيرانية في البحر الأحمر قد تشير إلى مساعدة إيرانية في قرارات الحوثيين.
بالإضافة إلى ذلك، ربما كان الدافع وراء الحوثيين هو حقيقة أنهم، من خلال تحالفهم مع القضية الفلسطينية، بدؤوا يكتسبون شعبية غير مسبوقة في اليمن وخارجها وسط موجة أوسع من التضامن مع الفلسطينيين في جميع البلاد العربية والإسلامية.
وهكذا تحولت حملتهم في البحر الأحمر إلى فرصة لإثبات استعدادهم لتجسيد شعارهم التأسيسي لعام 2002 – “الله أكبر، الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
وكان من الممكن أن يؤدي التقاعس عن التحرك في مواجهة الهجوم الإسرائيلي على غزة إلى تعريض مصداقية ادعائهم للخطر. وبالمقارنة مع الآخرين داخل محور المقاومة، أظهر الحوثيون شهية أكبر بكثير للمخاطرة واغتنموا هذه الفرصة لإثبات قيمتهم الإستراتيجية.
وفي اليمن أيضا، قام الحوثيون بتلميع أوراق اعتمادهم، نظرا للتعاطف الواسع النطاق بين اليمنيين مع محنة الفلسطينيين في غزة. وفي أعقاب الهجمات الأولى على السفن في البحر الأحمر، تزايدت أعداد الحوثيين من خلال حملات التجنيد التي أظهروا فيها دعمهم للقضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، أتاحت حرب غزة للحوثيين الفرصة لتفادي الضغوط الشعبية المتصاعدة بشأن ممارساتهم في الحكم بالمناطق الخاضعة لسيطرتهم، ومكنتهم من “قمع” المعارضة لحكمهم من خلال اعتقال المعارضين في تلك المناطق بتهمة التواطؤ مع إسرائيل والولايات المتحدة.
كيف ردت القوى الغربية على هذه الهجمات؟
في البداية، أرسلت الولايات المتحدة مدمرات إلى البحر الأحمر لحماية الشحن التجاري. وفي 20 ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشفت النقاب عن عملية “حارس الازدهار”، وهي مبادرة أمنية متعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة تشمل المملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل.
وأشار البنتاغون إلى أن أكثر من 20 دولة وافقت على المشاركة في المبادرة، رغم أن عددا منها امتنع عن تأكيد مشاركتها علنا، أو أنكرت مشاركتها عندما سئلت عن ذلك.
ووسعت هذه الخطوة قوة المهام المشتركة، وهي قوة بحرية متعددة الجنسيات تم تشكيلها في عام 2009 ردا على هجمات القرصنة في خليج عدن وقبالة الساحل الشرقي للصومال.
ونجح أعضاء التحالف -وفق إعلاناتهم- في اعتراض معظم هجمات الحوثيين، ففي 31 ديسمبر/كانون الأول الجاري أغرقوا قوارب صغيرة للحوثيين مما أسفر عن مقتل 10 مسلحين حوثيين بعد أن أطلقت القوارب النار على مروحيات تابعة للبحرية الأميركية، وفي 12 يناير/كانون الثاني الجاري نفذت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة غارات جوية على مواقع عسكرية للحوثيين داخل اليمن.
وحتى قبل التصعيد الأخير، نقلت واشنطن والعديد من الدول الغربية رسائل إلى الحوثيين عبر عُمان للحث على وقف التصعيد.
وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، طلبت الولايات المتحدة أيضًا من السعودية إدراج أمن الشحن في محادثاتها السياسية الجارية مع الحوثيين، لكن الحوثيين رفضوا ذلك، مشيرين إلى أن أنشطتهم العسكرية في البحر الأحمر مرتبطة بغزة، وليس صراعهم مع المملكة.
وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني، فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على أفراد زعمت أنهم جزء من شبكة تسهل الأموال للحوثيين. وفي 10 يناير/كانون الثاني، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا يطالب الحوثيين بالوقف الفوري لهجماتهم على السفن في البحر الأحمر، مع تأييده ضمنيا لقوة العمل التي تقودها الولايات المتحدة.
ما تأثير هذه الأحداث على البحر الأحمر؟
لقد جاء التصعيد العسكري في البحر الأحمر بتكلفة اقتصادية في المقام الأول. ويعد البحر الأحمر طريقا ملاحيا رئيسيا يربط بين آسيا وأوروبا. وقد أدى تزايد المخاوف الأمنية إلى ارتفاع تكاليف التأمين على السفن التجارية، واستلزم زيادة عدد أفراد الأمن على متنها.
واختار العديد من شركات الشحن إعادة توجيه سفنها حول الطرف الجنوبي للقارة الأفريقية، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف الشحن الإجمالية بسبب زيادة وقت السفر. وشهدت قناة السويس التي كانت تعج بالحركة في السابق انخفاضا في حركة المرور، مما أدى إلى إلحاق المزيد من الضرر بالوضع الاقتصادي “الهش” بالفعل في مصر، وأوقف ميناء إيلات الإسرائيلي معظم الأنشطة التجارية. وأدى التأخير في عمليات التسليم بدوره إلى حدوث اضطرابات عبر سلاسل التوريد العالمية.
في حين أن العمليات البحرية ليست جديدة على الحوثيين، فإن سلسلة الهجمات الأخيرة تخاطر بترسيخها كتكتيك رئيسي، ويعرب المسؤولون الأميركيون سرا عن قلقهم من أن الحوثيين سيسعون إلى تعطيل العمليات البحرية والشحن العالمي على المدى الطويل.
وقبل حرب غزة، استهدفت الجماعة سفن نقل النفط السعودية، في عام 2018، واستولت على سفينة شحن إماراتية، في يناير/كانون الثاني 2022. ومن جانبها، توجد السفن العسكرية الأميركية والدول الأخرى في البحر الأحمر وخليج عدن وتنفذ عمليات متواصلة ضد المهربين والسفن التي تنقل الأسلحة والذخيرة للحوثيين.
كما يمكن أن تؤدي هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر إلى تقويض الجهود الرامية إلى إنهاء حرب اليمن.
وأحرزت السعودية والحوثيون تقدما في محادثاتهما المستمرة منذ فترة طويلة للتوصل إلى اتفاق بشأن الانسحاب العسكري من اليمن وبدء عملية سياسية يمنية داخلية، لكن المزيد من التصعيد قد يؤدي إلى تأخير أو حتى إحباط المحادثات، خاصة إذا تم تمكين الحوثيين إلى درجة أنهم يشعرون أن بإمكانهم تقديم مطالب جديدة لمحاوريهم السعوديين. ويمكنهم رفض عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة مما يؤدي إلى تجميد المسار السياسي.
وقد يستأنف الحوثيون أيضًا الهجمات على تلك الجماعات التي يعتبرونها موالية أو متعاونة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وقد يسعى كل من الحوثيين وخصومهم على طول ساحل البحر الأحمر اليمني إلى تعزيز وجودهم العسكري، مما يخاطر باستئناف القتال هناك.
وأخيرا، يمكن أن تؤدي التوترات في البحر الأحمر إلى تفاقم الوضع الإنساني المتدهور بالفعل في اليمن، خاصة بعد قرار برنامج الأغذية العالمي في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي بتعليق المساعدات في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال اليمن. وهذا، إلى جانب ارتفاع تكاليف الشحن، يجعل من الصعب على اليمنيين الوصول إلى المنتجات الغذائية الأساسية.
ما الذي يمكن أن يدفع الحوثيين إلى وقف هجماتهم؟
قد تكون للرد العسكري على هجمات الحوثيين قيمة رمزية بالنسبة للدول الغربية وقد يحد من قدرات معينة للحوثيين ولكن سيكون له تأثير إجمالي محدود، بل يمكن أن يجعل الأمور أسوأ. وقد تدفع الجماعة إلى تكثيف هجماتها البحرية وتوسيع نطاق السفن التي تستهدفها.
وفي حين أن قدرات الحوثيين محدودة مقارنة بتلك التي يمكن للولايات المتحدة أن تستخدمها، فإن التقدم في تكنولوجيا الأسلحة يسمح للحوثيين بإلحاق أضرار اقتصادية كبيرة، لا سيما من خلال استخدام الأسلحة الموجهة عن بُعد.
ومن المرجح أن تدفع الهجمات العسكرية الحالية للحوثيين العديد من اليمنيين إلى دعمهم من منطلق التعاطف مع القضية الفلسطينية، حتى لو كانوا يعارضون الجماعة.
وقد لا يكون الحوثيون قلقين للغاية بشأن تعرضهم للضرب، أو تأجيل المحادثات مع المملكة العربية السعودية أو حتى إلغائها. وبفضل الدعم الشعبي، يشعرون بالقدرة على شق طريقهم بتكلفة محتملة. وهذا لا يعني أن الطريق الوحيد إلى الأمام هو من خلال المزيد من التصعيد.
لقد أوضح الحوثيون أن هجماتهم هي رد على حرب إسرائيل على غزة وليست مبادرة مستقلة، فإذا انتهت تلك الحرب، وبافتراض أن الوضع في البحر الأحمر لم يخرج عن نطاق السيطرة بحلول ذلك الوقت، فقد يعود الحوثيون إلى وضعهم السابق، إذا كانوا جادين في تعهداتهم وحريصين أيضًا على أن يؤخذوا على محمل الجد كطرف رئيسي في السلطة الحاكمة المستقبلية باليمن.
ولكن دون وضع نهاية للحرب في غزة، وفي مواجهة كارثة إنسانية متزايدة باستمرار في غزة، ستستمر التوترات في التصاعد ليس فقط في البحر الأحمر، بل أيضًا في لبنان وسوريا والعراق، وعلى الحدود الإسرائيلية والأراضي المحتلة.