ما الثمن الذي ستدفعه القدس خلال ولاية ترامب الجديدة؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

القدس المحتلة- بعد 11 شهرا من تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة الأميركية، كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قد قال، يوم السادس من ديسمبر/كانون الأول من عام 2017، إن إسرائيل دولة ذات سيادة، ولها الحق كأي دولة سيادية أخرى أن تحدد عاصمتها، والاعتراف بذلك كأمر واقع هو شرط ضروري لتحقيق السلام.

وفي إعلانه الشهير قال ترامب “إننا اليوم نعترف أخيرا بما هو جلي، وهو أن القدس عاصمة إسرائيل، وهذا ليس أقل أو أكثر من اعتراف بالواقع، بل هو أيضا الأمر الصحيح الذي يجب القيام به، إنه أمر يجب القيام به”.

وأعطى ترامب في الإعلان ذاته تعليمات لوزارة الخارجية الأميركية بالتحضير لنقل سفارة أميركا من تل أبيب إلى القدس، وأشار إلى أن التعاقد مع معماريين ومهندسين ومخططين سيبدأ على الفور حتى تكون السفارة الجديدة -بعد الانتهاء من بنائها- إجلالا رائعا للسلام.

ترامب معتمرا القلنسوة اليهودية عند حائط البراق خلال زيارته السابقة للقدس (رويترز-أرشيف)

إطلاق يد إسرائيل

لم يكن ذلك الإعلان مستغربا من شخص كترامب، ولم يعوّل المقدسيون على إدارته ولا على الإدارات الأميركية السابقة واللاحقة.

ورغم أن تهويد القدس وخرق الوضع القائم في المسجد الأقصى يعد سياسة إسرائيلية قديمة متبعة منذ احتلال شرقي القدس عام 1967، فإن إعلان ترامب أطلق يد إسرائيل أكثر في تنفيذ مخططاتها وسياساتها العنصرية في المدينة المحتلة.

ومع تولي ترامب ولاية جديدة بفوزه في الانتخابات الرئاسية على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، سألت الجزيرة نت الأكاديمي والخبير بالشأن الإسرائيلي محمد هلسة حول مواقفه المتوقعة تجاه القدس والمقدسات خلال السنوات الأربع المقبلة.

واستهل هلسة حديثه بالقول “لدينا تجربة طويلة في علاقة ترامب مع إسرائيل وتحديدا مع نتنياهو، عندما قدم له جملة من الامتيازات أحدها صك الملكية في موضوع الجولان السوري المحتل، والامتياز المهم المتعلق بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، بالإضافة إلى اختلاق مسار اتفاقيات إبراهيم وجر أنظمة عربية للتطبيع مع إسرائيل”.

وأكد هلسة أن المواقف الأيديولوجية للرئيس ترامب وسلوكه الفوقي العام، وكل ما فعله خلال ولايته الأولى انعكس على القضية الفلسطينية بشكل أساسي، وسينعكس هذه المرة أيضا بسبب مواقفه واعتباراته تجاه كل ما يجري من جهة، وبسبب نظرته للعالم العربي الذي يشعر بالتحرر من حاجته إليه من جهة أخرى.

خلال التوقيع على اتفاقيات إبراهام في البيت الأبيض
التوقيع على اتفاقيات إبراهام في البيت الأبيض خلال ولاية ترامب السابقة عام 2020 (الجزيرة)

 

انفلات أكثر

ويضيف هلسة “سنلمس خلال ولايته الجديدة انفلاتا أكثر تجاه كل ما هو عربي إسلامي، وسينعكس هذا الانفلات أيضا تجاه القدس بشكل أساسي والرغبات الإسرائيلية فيه، واليمين الذي يحكم في إسرائيل سيتقاطع مع انفلات قوة اليمين التي ستحكم الولايات المتحدة المتمثلة بترامب والحزب الجمهوري واليمين المسيحي أيضا”.

وهذا سيؤدي، وفقا للأكاديمي هلسة، إلى استمرار المد الإسرائيلي في المنطقة، وكسر شوكة العرب والمسلمين في ظل الموقف العربي الضعيف والصامت والمهزوم أمام الاندفاع الإسرائيلي.

“أثبت العرب على امتداد عام ونيف من الإبادة في غزة أنهم غير قادرين على فرض موقف على إسرائيل لمنعها من وقف المجازر التي ترتكبها على الأقل، وفي حال قرر نتنياهو ويمينه الذهاب إلى تنفيذ أجندتهم بالمدينة المقدسة والمسجد الأقصى تحديدا، لن يشعر ترامب بتهديد العالم العربي والإسلامي، فلديه شواهد على ما جرى خلال السنة الماضية”، وفق هلسة.

ويعتقد الباحث والأكاديمي المقدسي أنه “في إطار المقايضات التي ستجري بين ترامب ونتنياهو، فمن الممكن أن يقدم الأخير هدية لترامب بوقف الحرب، وفي المقابل سيعده ترامب بامتيازات تتعلق بالتطبيع مع بلدان أخرى، أو بضم الضفة الغربية أو القفز قفزة نوعية في قضية المسجد الأقصى”.

ويرجح هلسة أن الأقصى سيكون في عين العاصفة، وأن القدس ستشهد انتهاكات جديدة لأن ترامب سيذهب إلى اتخاذ كل ما من شأنه أن يفرض الرواية الإسرائيلية، وما يمكن أن يدفعه إلى التراجع -كأن تكون مصالح الولايات المتحدة مهددة من خلال ضغط وموقف عربي- غائب وغير موجود، وبالتالي لن يتردد في القول إن اليهود لهم حق في الصلاة بمكان خاص ومستقل في المسجد الأقصى بفرض التقسيم المكاني على مستوى رسمي.

“لن يقول أي نظام عربي لترامب لا، وحركة الشعوب في العالم العربي الآن صفر، فهل سيكون الأقصى أغلى من عشرات آلاف الأرواح التي تزهق أمام الكاميرات؟ بالتأكيد لا للأسف”، يضيف خبير الشأن الإسرائيلي.

تقسيم الأقصى

وختم المتحدث نفسه بالقول إنه خلال ولاية ترامب الثانية “سنشهد تقسيما مكانيا كاملا للمسجد الأقصى، ولن يقتصر الإعلان عن ذلك من خلال صفحات نشطاء جماعات الهيكل فحسب، بل قد يكون الإعلان عن ذلك رسميا، وهو ما سيعتبر إنجازا كبيرا لليمين الإسرائيلي الحاكم، وقد تنفذ تغييرات على الأرض باقتطاع مساحة عبر وضع الحواجز والسواتر، على غرار ما تم فرضه في الحرم الإبراهيمي بالخليل”.

أما الكاتب والمحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات فقال للجزيرة نت إن سياسة ترامب أكثر اتساقا مع السياسة الإسرائيلية، وسيستمر الطرفان في خرق القانون الدولي ومخالفته خلال السنوات الأربع المقبلة، كما فعلا إبّان الولاية الأولى، لعدم وجود من يردعهما.

ولا يعتقد عبيدات أن ترامب سيمارس ضغوطات جدية على نتنياهو من أجل وقف الحرب، بل سيكون سخيا أكثر من إدارة بايدن في الدعم المالي والسياسي والعسكري، “وهذا سينعكس حتما على قضية القدس والمسجد الأقصى الذي شهد خلال عام الحرب الكثير من الانتهاكات غير المسبوقة”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *