نشرت صحيفة هآرتس مقالا يستقرئ فيه كاتبه التاريخ للوقوف على أسباب تفكك الدول وانهيارها؛ مستلهما منها الدروس والعبر لمعرفة ما إذا كانت الأحداث المتلاحقة في إسرائيل من تداعيات الحرب في غزة تُنذر بانهيار الدولة، وهل إسرائيل إذا انهارت قادرة على النهوض من ركامها؟
وكتب المؤرخ الإسرائيلي عوفري إيلاني في المقال أن ملايين من الناس في وقتنا الحاضر وُلدوا في دول لم تعد موجودة الآن، كتلك التي خرجت من عباءة الكتلة الشيوعية مثل يوغوسلافيا وألمانيا الشرقية واليمن الجنوبي، وبالطبع الاتحاد السوفياتي.
وعزا زوال بعض تلك الدول والكيانات السياسية إلى تطورات تاريخية شهدتها. وذكر من بينها دولة بروسيا، والجمهورية العربية المتحدة التي تفككت فعليا في عام 1961 عندما انفصلت سوريا عنها، وتم حلها رسميا في عام 1971.
ووفقا للمؤرخ، فإن كثيرين لا يعتقدون أن دولة إسرائيل، التي مضى على تأسيسها 76 عاما، على وشك أن تنضم إلى قائمة تلك الدول السابقة التي لم يعد لها وجود.
لن تحتفل بعيدها المائة
غير أنه يعود ليقول إن الحديث عن أن إسرائيل تعيش سنواتها الأخيرة أصبح متداولا في وسائل الإعلام، ويجرى التعبير عنه في الاحتجاجات المناهضة للحكومة الإسرائيلية وفي تصريحات المثقفين في الداخل وحول العالم.
وغالبا ما يُعبّر عنه أيضا في شكل تحذير كالذي تضمنه مقال للكاتب ميراف أرلوسوروف في صحيفة “ذي ماركر” (بالعبرية) هذا الأسبوع، بأن “الطريقة التي تسير بها دولة إسرائيل حاليا، لن توصلها إلى الاحتفال بعيد استقلالها المائة”.
ويُقسِّم إيلاني أولئك الذين يتحدثون عن زوال إسرائيل إلى مجموعتين: أولئك الذين يأملون حدوث ذلك، وأولئك الذين يخشون حدوثه.
وقال إن المجموعة الأولى هي أعداء إسرائيل في العالم العربي وأماكن أخرى، وبعض المتظاهرين المناهضين لإسرائيل في الولايات المتحدة وأوروبا. وهؤلاء “يرون أن إسرائيل كيان استعماري ينبغي تفكيكه، وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل”.
وعندما يُسأل البعض عما يتوقعون حدوثه لمواطني إسرائيل اليهود بعد زوال دولتهم، يقولون إن عليهم “العودة إلى أوروبا”، بينما يتحدث آخرون عن فرض الديمقراطية على “الأراضي التي يحتلها النظام الصهيوني حاليا”، مثلما حدث في الاتحاد السوفياتي، أو في جنوب أفريقيا “التي لم تُحل ولكن نظامها تغير”.
ووصف المؤرخ الإسرائيلي تلك التصريحات بِالشائنة، لأنها تنطوي -كما يقول- على قدر كبير من التعالي والاعتداد بالنفس. فالإسرائيليون -برأيه- مصابون بصدمة نفسية شديدة لدرجة أنهم لا يصدقون أن تفكيك دولتهم يمكن أن يتم بسلاسة.
كابوس مرعب
وليس من المستغرب، إذن، أن ينظر معظم الإسرائيليين إلى احتمال زوال دولتهم على أنه كابوس مرعب؛ فتجارب التاريخ اليهودي تستحضر سيناريوهات محرقة ثانية، أو على الأقل سيناريوهات تدمير، على حد تعبير مقال هآرتس.
ويمضي الكاتب إلى أنه ليس ثمة ما يدعو للاعتقاد بأن أكثر من 10 ملايين شخص سيحزمون حقائبهم ويستقرون في أوروبا أو الولايات المتحدة.
ويضيف أنه باستقراء تاريخ إسرائيل خلال الأطر الزمنية الطويلة، فمن المرجح أن نستخلص منه أن دولة إسرائيل قد تنهار لكنها ستنهض مرات ومرات.
وختم الكاتب مقاله بنبرة متفائلة قائلا: إن الحرب التي تدور رحاها حاليا في قطاع غزة ستبدو وكأنها فصل فرعي من التاريخ لا يكاد يذكر، “مثل شجار بين العشاق قد يبدو مثيرا في أوانه”، وسيُطمر تحت ركام المعارك والمصالحات، حتى لا يتذكر أحد أسباب حدوثه، على حد تعبيره.