بيروت- فرضت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحولات كبرى على ميزان الصراع بين حزب الله وإسرائيل، وتجاوزت كسر قواعد الاشتباك، إلى تغييرات جذرية بطبيعة ومفهوم الحرب بين الطرفين، وانعكس ذلك على المستوطنات الشمالية، وعلى الجنوب اللبناني.
ومع مرور نصف عام على العدوان الإسرائيلي بقطاع غزة، وامتداد تداعياته إلى جنوب لبنان، تحولت القرى الحدودية لساحة حرب، فهجرت أكثر من 91 ألف جنوبي، واستشهد نحو من 355 بينهم أكثر من 60 مدنيا.
وهنا، تطرح الجزيرة نت 4 أسئلة لتقييم أداء حزب الله وإسرائيل بهذه الحرب، وتسأل عن مآلاتها مع كل من المحللين والكاتبين السياسيين، حسين أيوب وعلي حمادة.
ما أبرز التحولات التي فرضها “طوفان الأقصى” على واقع الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة؟
قبل “طوفان الأقصى”، كانت هناك قواعد اشتباك واتفاقات غير موقعة وغير مكتوبة بين إسرائيل وحزب الله، عقب حرب 2006 وصدور القرار 1701، كما يقول المحلل والكاتب السياسي علي حمادة.
وقد دفعت، بحسب حمادة، لهدنة واستقرار طويل على الحدود، أسهم بتشجيع سكان الجنوب اللبناني والشمال الإسرائيلي، لإعمار المدن والقرى وإقامة مشاريع سياحية وصناعية وخدماتية وزراعية، “على قاعدة أن توازن الرعب بين الطرفين سيمنع اندلاع الحرب مجددا”.
أما بعد 7 أكتوبر، فقد انقلبت قواعد الاشتباك المتفق عليها ضمنيا، و”انتقل الجنوب اللبناني لمرحلة المشاغلة والإسناد التي أعلنها حزب الله”. يقول حمادة “ثمة تغيير جوهري بوضعية الحدود التي أصبحت ملتهبة”.
من جانبه، يعدد المحلل والكاتب السياسي حسين أيوب أبرز التحولات غير المسبوقة بمشهد الحدود، منذ إنشاء الدولة العبرية.
ويقول أيوب إنه “للمرة الأولى، يوجد فصيل عربي (حزب الله) بموقع الهجوم وإسرائيل بموقع الدفاع عن النفس. للمرة الأولى، يتم تهجير كتلة سكانية إسرائيلية بالجليل الأعلى والأوسط والغربي، إلى بقعة ثانية، أي أن الإسرائيلي ليس وحده من يُهجر شعوب لبنان وسوريا وفلسطين”.
وأضاف “للمرة الأولى، يُصاب الاقتصاد الإسرائيلي بخسائر بقطاعاته شمالا، سياحة وزراعة وصناعة وخدمات، لتراكم خسائر أصابت وتصيب الاقتصاد الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر. وللمرة الأولى يتراجع الجندي الإسرائيلي من مواقعه الأمامية للخلف على جبهة ممتدة بعرض 100 كيلومتر من الناقورة غربا حتى مزارع شبعا شرقا، بعدما دمرها الحزب بالقذائف والصواريخ”.
ويتابع المتحدث نفسه “للمرة الأولى يتكرس مفهوم “جبهة مساندة” لجبهة قتال رئيسية بغزة، وهذا النموذج قابل للتطوير.
ما الثابت وما المتغير بأداء كل من حزب الله وإسرائيل؟
أثبتت الحروب المتتالية بين حزب الله وإسرائيل أن المتغير أكبر من الثابت، وبحسب حسين أيوب “غداة تحرير الجنوب سنة 2000، قرر حزب الله تكييف بنيته العسكرية والتنظيمية على أساس تعهده بتنفيذ عملية أسر تؤدي لإطلاق الأسرى اللبنانيين الخمسة في سجون إسرائيل وأبرزهم سمير القنطار”.
وعندما نفذ العملية بـ12 يوليو/تموز 2006، وجد الحزب نفسه ليس بمواجهة عملية أسر موضعية، بل بحرب استمرت 33 يوما خرج منها بدروس كان أبرزها وفق أيوب “الاستعداد لحرب برية آتية حتما، لأن إسرائيل المهزومة بحرب 2006، ستحاول إعادة توازن الرعب واستعادة الهيبة والثقة بجيشها الذي كان يفتخر بأنه لا يُقهر”.
وفي 2012، وجد الحزب نفسه بحرب على أرض سوريا، وفق أيوب، كانت عكس التي استعد لوقوعها على أرض الجنوب. ويقول “انتقل حزب الله من التشكيلات الفدائية الأنصارية السرية لتشكيلات نظامية، وقاتل على الأرض السورية بوصفه جيشا”.
وحينها “وضع الأمين العام للحزب حسن نصر الله معادلة الجليل الأعلى مقابل أي تهديد إسرائيلي للبنان”. وبالفعل طوال 11 عاما، راكم حزب الله لتلك اللحظة بإنشاء وحدات عسكرية (وحدات النخبة) على غرار “فرقة الرضوان”، تيمنا باسم المسؤول العسكري بالحزب عماد مغنية الحاج رضوان الذي قتل بسوريا سنة 2008.
لكن منذ “طوفان الأقصى”، وجدت الفرقة نفسها بحرب استنزاف طويلة والالتزام بعدم المبادرة لرفع سقف المواجهة، بعدما كانت مدربة عقديا وعسكريا، بحسب أيوب.
أما علي حمادة، فيجد أن الحزب يريد حرب مشاغلة بضوابط لا تؤدي لحرب شاملة وتراعي مصالح إيران. بينما إسرائيل وفقا له، فتريد وقفا لإطلاق النار، ولا تريد حربا شاملة، لكنها تصعد لكي ترفع الثمن على حزب الله.
بميزان الربح والخسارة بين حزب الله وإسرائيل.. أين يتفوق كل طرف على الآخر؟
هناك تفوق إسرائيلي واضح من الناحية العسكرية والتكنولوجية، والمطاردات والاغتيالات والثمن الذي يدفعه الحزب بين كوادره وقيادته، وفق علي حمادة.
بالمقابل، يتسم حزب الله بالقدرة على التحمل التي تمنع إسرائيل من القول بأنها تفوقت وانتصرت.
ومع ذلك، يُذكر حمادة أن لدى حزب الله خسائر هائلة، وهناك تدمير واسع بمناطق الجنوب، لكن “جبهة الحزب الداخلية، ضمن البيئة الشيعية حصرا، متماسكة نسبيا حتى الآن”.
بيد أن جبهته الداخلية ضمن البيئات الأخرى غير متماسكة، وفق حمادة، و”لديه مشكلة كبيرة مع مختلف الأطراف التي ترفض حرب المساندة، وستتفاقم فيما بعد بأنماط سياسية مختلفة”.
ويجد حمادة أن إسرائيل تخوض حربا وجودية و”مستعدة لدفع ثمن أعلى من الذي دفعته قبل طوفان الأقصى، وهذا الجديد بالمسألة”.
بالمقابل، يجد حسين أيوب أن الإسرائيلي يتمتع بالقدرة على التفوق بالحرب الجوية والاستخباراتية، بينما يستطيع حزب الله أن يتفوق بمنظومته الصاروخية، وأيضا بأي حرب برية محتملة.
مع تعثر المفاوضات.. هل سيكون الجنوب بوابة لتسوية كبرى أم لحرب أوسع بين لبنان وإسرائيل؟
يجد علي حمادة أن تعثر المفاوضات سمة المرحلة المقبلة. ويرجح ألا تتوقف إسرائيل عن الحرب قبل إنهاء مسألة رفح وجوارها، عن طريق اجتياح أو عبر القضم المتدرج، والإبقاء على عمليات الكر والفر والتوغل بغية تقويض حركة حماس.
لذا، يرى حمادة أن الجنوب لن يكون بوابة تسوية، ولو توقف القتال بقرار من حزب الله، لأن مطالب إسرائيل الحدودية لا يقبلها الحزب، و”الخوف عندما تطول الأزمات أن تنزلق نحو الأخطر”. ويرجح أن يكون الجنوب بوابة لتوسيع الحرب بمستوى أكثر عنفا، وليس حربا شاملة.
أما من يرجحون الضربة العسكرية الإسرائيلية للبنان، وفق حسين أيوب، فيستندون للآتي:
الجيش الإسرائيلي بحالة تعبئة شاملة قد تدفعه باتجاه إكمال المعركة. ربما تكون يد الإسرائيلي أكثر قساوة على الزناد، لأن الجزء الأكبر من المدنيين اللبنانيين بالقرى الحدودية نزحوا، مما يخفف الضغط عنها أمام الأميركيين والأوروبيين.
إسرائيل عاجزة عن تطمين المستوطنين بالشمال للعودة، كما لا تستطيع إقناع يهود العالم بالمجيء إليها. لن تجد إسرائيل بواشنطن رئيسا أكثر إسرائيلية من جو بايدن.
لكن أيوب لا يوافق على أن إسرائيل تريد المضي بالمعركة إذا التزم حزب الله بأي هدنة أو وقف للنار بغزة، ويجد مصيرهما مترابطا، استنادا للمعطيات الآتية:
فكرة أن نتنياهو فاقد للعقل غير دقيقة. فالإسرائيلي يملك آلاف الذرائع بعمليات حزب الله منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكان قادرا على خوض الحرب من دون استئذان أحد. لكن “نتنياهو براغماتي، ويعرف متى يقوم بالاستدارة الكاملة”.
الإسرائيلي يُوسّع رقعة الميدان والأهداف وصولا إلى استهداف القنصلية الإيرانية بدمشق، لكن التقديرات أن أكثر من 90% من ضرباته موجهة نحو أهداف محددة.
وأيضا لا ضوء أخضر أميركيا للمعركة مع لبنان للآن. وإذا كان ملف غزة والضفة إسرائيليا، فالملف اللبناني أميركي بالدرجة الأولى، ولا يستطيع الإسرائيلي اتخاذ قرار بحجم معركة معه دون الضوء الأخضر الأميركي.
وأخيرا، فإن الكلفة البشرية والاقتصادية والعسكرية التي ستدفعها إسرائيل من حرب لبنان ستكون عالية، بظل المدى الصاروخي الدقيق القادر على استهداف إسرائيل من كريات إلى إيلات. والأهم والأخطر أن حزب الله بمعنى من المعاني، “دُرة التاج” الإيراني بالإقليم. لا سوريا ولا العراق ولا الحوثي سيقفون على الحياد إذا شُنت الحرب ضد لبنان.