لوموند: معركة الحفاظ على أدلة جرائم نظام الأسد

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

دعت العديد من المنظمات سلطات سوريا الجديدة إلى عدم تدمير أدلة جرائم النظام السوري والحفاظ عليها على أمل العدالة المستقبلية وأيضا للمساعدة في البحث عن آلاف المفقودين في سجون الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.

وذكرت صحيفة لوموند، في تقرير لها عن الموضوع، أن آلاف الوثائق والشهادات حول ما جرى منذ الساعات الأولى للحرب، في مارس/آذار 2011، وحتى قبل ذلك بكثير ربما ستشكل دليلا مستقبليا على جرائم النظام السوري السابق.

واعتبرت الصحيفة الفرنسية أن “سوريا سلالة الأسد، التي انتهى عهدها -بعد أن دام نصف قرن- يوم الأحد 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي، هي في الواقع، قصة مذابح وتعذيب على نطاق واسع” لا يضاهيها، بالحرف، إلا النظام النازي.

ونقلت، في تقرير لمراسلتها بلاهاي ستيفاني موباس عن بيتر بوكارت، مدير منظمة فورتيفاي رايتس غير الحكومية قوله “لقد وثقت الدولة السورية نفسها تقريبا جميع أعمال التعذيب والانتهاكات والإعدامات التي ارتكبتها في أرشيفاتها الخاصة”.

وأضاف بوكارت، الذي جمع لمنظمة هيومن رايتس ووتش، عند سقوط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، عشرات الوثائق في أرشيف أجهزة المخابرات المدنية والعسكرية الليبية أن “سوريا كانت آلة قتل بيروقراطية في عهد بشار الأسد”.

ومن برلين طالب المحامي السوري أنور البني، الذي دافع لفترة طويلة عن معارضي النظام السوري قبل أن يضطر بدوره إلى الهروب إلى المنفى، في عام 2014، السلطات الجديدة أن تساعد في “جمع الوثائق والأدلة المحتملة وأن تحتفظ بها كلها حتى نتمكن من تسليمها إلى قاض أو مدع عام”.

ولفتت لوموند إلى أن المنهزمين دأبوا -في أخطر ساعات الحروب والثورات- على تدمير الأدلة على جرائمهم، لكنها لاحظت أن ذلك تغير خلال الـ15 سنة الأخيرة، خاصة بعد أن أطاحت العدالة الدولية بقوانين العفو، إذ حاول المستبدون، على العكس مما هو معهود، الحفاظ على هذه الأدلة، وهنا طالبت الصحيفة بفتح أدراج النظام السوري للتمكن من قياس همجيته الحقيقية، وربما تقديمه للعدالة ذات يوم.

ونسبت موباس لرئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، روبرت بيتي، قوله يوم الأحد: “لدينا بالفعل مؤشرات على أنه، ساعة بعد ساعة، أصبحت الأدلة المحتملة على الجهاز القمعي للنظام السوري متاحة مع انسحاب عملائه الذين هربوا على عجل”.

وكانت الأمم المتحدة قد أنشأت مؤسسة في عام 2017، أسندت إليها مهمة جمع الوثائق التي عثر عليها عشرات المحققين منذ بداية الحرب في سوريا في عام 2011، وذلك عندما بدأت المنظمات غير الحكومية والمحامون ومعارضو النظام في جمع الأدلة على انتهاكات هذا النظام.

وقد طلبت لجنة التحقيق بشأن سوريا التابعة للأمم المتحدة، والتي تأسست عام 2011، يوم الأحد من هيئة تحرير الشام والجماعات المسلحة الأخرى “أن تكون حريصة للغاية على عدم تعطيل الأدلة على الانتهاكات والجرائم” من خلال الاستيلاء على السجون، والتأكد من عدم تلويث مسرح جرائم نظام الأسد.

ووفقا لهذه اللجنة، “طوال فترة الحرب، عرّضت العائلات نفسها لخطر كبير ودفعت مبالغ باهظة كرشاوى لمسؤولين فاسدين للحصول على أخبار عن أحبائهم. واليوم، في مقاطع الفيديو التي تم نشرها مؤخرًا من داخل مراكز الاحتجاز، نرى غرفًا بها صفوف من الأرفف مليئة بالملفات”.

لا يتعلق الأمر بالإثبات فحسب، بل يتعلق أيضا بالإنقاذ، إذ دعت اللجنة الدولية المعنية بالأشخاص المفقودين، التي تأسست عام 1996، يوم الأحد، إلى الحفاظ على هذه الأرشيفات لأن الأحداث الجارية يمكن أن يكون لها “تأثير مباشر” على البحث عن نحو 150 ألف شخص مفقود.

وترى المنظمة أن “من المهم حماية الأدلة الوثائقية وغيرها عند فتح السجون وأماكن الاحتجاز الجماعي، وكذلك في حالة اكتشاف مواقع الدفن وأماكن الاعتقال السرية”.

ومن بين الباحثين عن الأدلة، لجنة العدالة والمساءلة الدولية (CIJA)، وهي منظمة غير حكومية قامت، لأكثر من 10 سنوات، بالاستيلاء على عشرات الآلاف من الوثائق التي تركت في مباني النظام السوري بعد كل معركة يخسرها. وهناك أيضا «دليل قيصر»، وهو الاسم المستعار للمصور الذي فر من صفوف الجيش وغادر سوريا حاملا معه ما يقرب من 45 ألف صورة لجثث 6786 معتقلا تحت التعذيب، تم التقاط الصور بناء على طلب رؤسائه، الذين أرادوا التأكد من تنفيذ الأوامر بشكل صحيح.

وتعد، وفقا للصحيفة، عمليات الترحيل والتعذيب والهجمات الكيميائية أكثر الجرائم توثيقًا منذ ما يقرب من 15 عامًا من الصراع، وقد قامت المنظمة الحكومية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية بالتحقيق في المخزون الكيميائي لنظام الأسد، وتم تدمير جزء كبير من هذا المخزون، وأشارت المنظمة يوم الاثنين 9 ديسمبر/كانون الأول الحالي، إلى أن الأسلحة الكيميائية لا تزال موجودة في المنطقة، وكانت كندا وهولندا قد اتهمتا أمام محكمة العدل الدولية منذ سبتمبر/أيلول 2023 النظام السوري بانتهاك اتفاقية التعذيب وارتكاب هجمات كيميائية.

وما زال -حسب موباس- من السابق لأوانه، معرفة كيفية الحكم على مسؤولي النظام البائد، لكن أنور البني يرى أن “هذه الجرائم يجب أن يتم الحكم عليها في البلاد، وليس في أوروبا، لأن ذلك هو ما سيعيد الأمل والأمن للسوريين”. لكنه أوضح: “أن الأمر أكثر من مجرد محاكمة بسيطة، أو محكمة، هو مسألة إنشاء نظام انتقالي، وضمان السلام بين المجتمعات، وتعويضات الضحايا، والإصلاحات القانونية..”.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *