في حربها مع روسيا يبدو جليا أن أوكرانيا تعاني، وهو ما عكسه سقوط أفدييفكا المحصنة منذ 2014 وما صاحب ذلك من تأخر للمساعدات الأميركية واستنزاف للذخيرة، وفي ظل هذه الظروف أثار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون غضب الحلفاء عندما ناقش علنا إمكانية إرسال “قوات برية” إلى أوكرانيا، فما هي السيناريوهات المحتملة لتك الخطوة إن نفذت؟
سؤال حاولت صحيفة لوفيغارو الإجابة عنه، فحددت في تقرير لكاتبها أموري كوتانساي-بيرفينكيير 5 سيناريوهات محتملة لانتشار محتمل للقوات الفرنسية في أوكرانيا.
في البداية أوضحت لوفيغارو أن ماكرون بإمكانه بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة إصدار الأمر بذلك، وسيتعين عليه إبلاغ البرلمان “في موعد لا يتجاوز 3 أيام بعد بدء التدخل”.
وإذا ما تقرر إرسال القوات فإنه يمكن أن يتخذ أشكالا عديدة، كما أنه سيكون محدودا، إذ يمكن لباريس نشر 20 ألف جندي في أوكرانيا خلال 30 يوما كما أكد ذلك رئيس أركان جيشها الجنرال بيير شيل لصحيفة لوموند في 19 مارس/آذار الحالي، وفي ما يلي السيناريوهات الممكنة، وهي تستند إما إلى سوابق في هذا الصدد أو إعلانات وزارية:
السيناريو الأول.. فرنسا تشيّد مصانع للأسلحة في أوكرانيا
في هذا السيناريو ستقوم باريس بإنشاء مصانع أسلحة في أوكرانيا -سواء للإنتاج أو للصيانة- قد تشمل إنتاج الذخيرة، وهو ما يشبه ما قامت به شركة “بي إيه إي سيستمز” البريطانية التي وقعت عقدا مع كييف لإنتاج الأسلحة الصغيرة، كما تخطط شركة “رينمتال” الألمانية لإنشاء مصنع لإصلاح الدبابات هناك.
ومع ذلك، من المرجح أن يتم إنشاء تلك المصانع -كما فعلت الشركتان المذكورتان- من قبل المدنيين الفرنسيين، لكن الجنرال فرانسوا شوفانسي مستشار الجغرافيا السياسية والدكتور في علوم المعلومات والاتصالات يشكك في إمكانية تنفيذ مثل هذا المشروع في ظل ارتفاع تكلفة عقود التأمين لدرجة تجعل تنفيذ مثل هذا المشروع شبه مستحيل.
كما ستمثل هذه المصانع -التي تنتج معدات ذات قيمة مضافة عالية جدا- هدفا رئيسيا للجيش الروسي، وهنا تنقل الصحيفة عن مصدر عسكري قوله إن مثل هذه الخطوة لن يكون لها تأثير يذكر إلا بعد أشهر عدة “وبالتالي فإن تشييد هذه المصانع في دولة مجاورة عضوة في حلف شمال الأطلسي ربما يكون أكثر كفاءة، ومن المؤكد أن تأثيره السياسي سيكون أقل”.
السيناريو الثاني.. المساعدة في إزالة الألغام وتدريب وتشغيل معدات معينة
وهذا ما تقول الصحيفة إن وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو ألمح إليه حينما قال في مقابلة له مع إحدى القنوات بداية الشهر الحالي إن هناك أساليب للوجود العسكري لا تعتبر قتالا مشتركا، مثل إزالة الألغام وتدريب الجنود الأوكرانيين على أراضيهم.
ويتم بالفعل تدريب الجنود الأوكرانيين في فرنسا وبولندا على يد الجيش الفرنسي، لكنهم في هذه الحالة سيكونون داخل بلدهم، وهذا حسب مصدر عسكري فرنسي أمر ممكن من الناحية الفنية، لكن علينا أن نتساءل عما إذا كان هذا التدريب سيسرع تآكل الجيش الروس.
السيناريو الثالث.. حماية أوديسا
هنا تنقل لوفيغارو عن صحيفة لوموند أن ماكرون قال في 21 فبراير/شباط الماضي “على أي حال، في العام المقبل سأضطر إلى إرسال رجال إلى أوديسا”.
كما أوضحت صحيفة “لوكنار آنشيني” الفرنسية أن ماكرون يخشى من ارتفاع أسعار الحبوب وامتداد الصراع نحو مولدوفا في حال “الغزو الروسي لميناء أوديسا”، خصوصا أن موانئ أوديسا الثلاثة شكلت 64.8% من إجمالي الصادرات و67% من الواردات الأوكرانية في عام 2019، وقد مر عبرها 91.4 مليون طن من البضائع، وبالإضافة إلى ذلك فهي تسمح بتصدير الحبوب الضرورية لتجنب المجاعة العالمية.
في هذا السيناريو، سينشر الجيش الفرنسي جنودا لضمان الأمن البري والجوي في أوديسا، وتنقل “لوفيغارو” عن نيكولا تينزر المدرس في معهد العلوم السياسية بباريس قوله إن الروس ليس لديهم الوسائل في هذه المرحلة للوصول إلى أوديسا، لكن يمكنهم زيادة الضربات الصاروخية، مما يعني أن الجنود الفرنسيين سيكونون على احتكاك مباشر مع الجيش الروسي
وتوقعت الصحيفة أن تنطوي مثل هذه الخطوة على مخاطر هائلة بالنسبة لفرنسا وأن تتطلب موارد كبيرة، إذ سيتعين على باريس نشر أنظمة مضادة للطائرات، وفي كل الأحوال ستضطر السلطة السياسية إلى أن تبرر ذلك الوجود بين الرأي العام، خصوصا إذا كانت هناك وفيات.
السيناريو الرابع.. الجيش الفرنسي يقيم منطقة ملاذ آمن
ينطوي هذا السيناريو على القيود نفسها الموجودة في السيناريو السابق، ولكن على نطاق أوسع، وهنا يتوقع أن تنشر فرنسا قوات لإغاثة الجنود الأوكرانيين.
وهو ما يفسره تينزر الذي دعا منذ بداية “الغزو” إلى الوجود العسكري الفرنسي في أوكرانيا بقوله “يمكننا أن نتخيل أن هذه القوات ستنشر في المناطق المحررة، مثل الحدود البيلاروسية أو خيرسون أو خاركيف، وهو ما من شأنه أن يرسل إشارة إلى الروس لثنيهم عن الاستمرار في الغزو، كما يمكنها أيضا توفير حماية للمناطق المدنية التي يستهدفها الجيش الروسي بانتظام”.
لكن الكولونيل ميشيل جويا يرى أن “عملية توفير ملاذ آمن في قلب أوكرانيا هي حاليا حلم بعيد المنال”.
السيناريو الخامس.. المواجهة في الخنادق
هذا السيناريو هو الأقل احتمالا، وسيشهد قتال القوات الفرنسية إلى جانب الأوكرانيين، وتقول جوليا غرينيون أستاذة القانون في جامعة لافال في كيوبيك “سنكون طرفا في النزاع لأننا سنشتبك مع قوات مسلحة ضد عدو مشترك”، ويوضح خبير مقرب من وزارة القوات المسلحة أن “هذا سيكون بمثابة إعلان حرب على روسيا”.
ويؤكد الجنرال شوفانسي أن “التكلفة السياسية ستكون باهظة وسيضطر ماكرون إلى طلب التصويت البرلماني، لأن الرأي العام لن يفهم أن التوابيت تعود بالجملة دون استشارته”.
ويضيف أن فرنسا لا تستطيع نشر أكثر من 20 ألف جندي في 30 يوما مقارنة بنحو مليون جندي أوكراني، كما سيشكل نشر القوة تحديا لوجستيا كبيرا، وسيتطلب الأمر زيادة سريعة في إنتاج الذخائر والمركبات.