خاص- بعد عقود من النضال ضد نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا وسقوط الفصل العنصري (الأبارتايد)، انصرف المناضل الجنوب أفريقي الدكتور أنوه ناجيا إلى التفكير في نصرة قضية أخرى مماثلة، تحدث عنها الزعيم الراحل نيلسون مانديلا بقوله “لن نشعر بحريتنا في جنوب أفريقيا إلا بعد تحرر فلسطين”.
ومن هنا، عكف المناضل الجنوب أفريقي ناجيا على التفكير في إنشاء أول متحف لفلسطين خارج حدودها، آملا أن يسهم في التوعية بعدالة القضية الفلسطينية وفي التوثيق التاريخي لأحداثها.
في وسط مدينة كيب تاون (إحدى أهم مدن جنوب أفريقيا) يقع مبنى متحف فلسطين ذو الطوابق الثمانية، مطلا على قلاع التفرقة العنصرية البائدة، ومذكرا بجرائم الاحتلال الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
بث الأمل
يُعدّ ناجيا واحدا من الرموز العديدة للتحرر والنضال الجنوب أفريقي ضد العنصرية. ولد عام 1957 في مدينة كيب تاون، وشارك في مقتبل عمره في الحركة الطلابية ضد العنصرية، ومن بعدها تنقل ضمن الحركات المدنية للتحرر، حيث أسهمت القضية الفلسطينية وأخبارها بشكل كبير في بث الأمل والصمود لدى شعب جنوب أفريقيا في التحرر والنضال.
وبسؤال المناضل ناجيا عن فكرة المتحف وكيف خطرت له؟ قال “منذ الصغر، منذ أن كنا في المدرسة الثانوية، كنا نسمع من خلال الراديو عن نضال الأمم في العالم من أجل التحرر، خاصة الفلسطينيين، فقد كانت قضيتهم مشابهة لنا، وكانت لديهم تفرقة عنصرية على أرض واحدة، مثل ما حدث لنا في جنوب أفريقيا، ووقعت فيهم مذابح وظلم وإبادة على أسس عنصرية، مثل ما حدث مع أصدقائي وأسرتي بشكل خاص”.
تصنيفات مختلفة
يقول ناجيا “نظام التفرقة العنصرية يصنّف أسرتي إلى 4 أجناس؛ فأبي من أصول هندية، وأمي من الملونين، وأنا صُنّفت كمالاي، وإخوتي كملونين. وقد واجهتنا صعوبات عدة وتعرضنا لظلم بغيض طوال تلك الفترة”.
لكنه يضيف “كنا نستمع إلى أخبار ياسر عرفات وليلى خالد وحركات التحرر الفلسطينية، وهذا شجعنا بلا شك على أن نؤسس مثلهم حركات للتحرر والنضال، وأن تظل القضية الفلسطينية في وعينا وقلوبنا حتى بعد أن حصلنا على استقلالنا”.
وأكد ناجيا أنه نذر نذرا بعد التحرر، أنه إن آتاه الله المال، فسيخصصه لإنشاء متحف لنصرة القضية الفلسطينية. ويضيف “لقد عملت بكدّ وبجد طوال حياتي، حتى صرت رجل أعمال مشهورا، وأنفقت من أموالي الخاصة 3 ملايين دولار أميركي لإنشاء متحف يعبّر عن فلسطين ونضالها وثقافتها وشعبها، ويوثق جرائم الاحتلال ومجازره، وكذلك يوثق أسماء جميع الشهداء الفلسطينيين والمعتقلين”.
متحف شامل
يقع متحف فلسطين وسط مدينة كيب تاون مطلا على جبل “المنضدة” الشهير، ويتكون المبنى من 8 طوابق. ويقول ناجيا إن الطابق الأول للمتحف مخصص لمرحلة “فلسطين ما قبل الاحتلال”، والطابق الثاني، “فلسطين تحت الاحتلال”، وفي الطوابق التالية يقع مسرح فلسطيني وقاعة محاضرات، ولدينا مكتبة بها 50 ألف كتاب، وأقسام عن الأديان في فلسطين، ومسجد، وكذلك صُمم بأحد الطوابق الجدار العازل، كنموذج لما أقامه الصهاينة على الأرض للفصل العنصري”.
ويواصل وصفه “كذلك يوجد بالمتحف أول مركز حقوقي مدني بجنوب أفريقيا، ويعاوننا فيه طلاب جنوب أفارقة وعدد من المؤسسات الحقوقية، ونعمل فيه على توثيق أسماء جميع شهداء فلسطين، وجميع القرى المحتلة، وكذلك جميع أسماء المعتقلين الفلسطينيين”.
وبسؤال ناجيا عن المدة الزمنية التي استغرقها بناء المتحف، قال إنه بدأ أعمال البناء عام 2011، وواجهته صعوبات كثيرة من مسؤولي مدينة كيب تاون، حيث سيطرة حزب “الدي اي” الذي يتبنى سياسات مؤيدة للكيان الصهيوني، ومناهضة لحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وأنه ظل يناضل 5 سنوات حتى استطاع استكمال المتحف بشكله الحالي.
إحراق المبنى
يذكر المناضل ناجيا، في حديثه للجزيرة نت، أن اللوبي الصهيوني بكيب تاون حاول مرارا إعاقة عملية بناء المتحف، منذ أن بدأ بشراء الأرض، كما أن المتحف تم إحراقه بعد أن اشترى مبنى أثريا قديما من طابق واحد، مما اضطره إلى هدمه وإعادة بنائه، وفي هذه المرة سمحت له هيئة الآثار بأن يبنى 8 طوابق.
كما واجه ناجيا تعنّت إدارة مدينة كيب تاون في توصيل المياه والكهرباء حتى نجح قضائيا في الحصول على هذا الحق، وذكر أن شركات المصاعد في جنوب أفريقيا صعّبت التعامل معه وغالت جدا في الثمن بشكل غريب، مما اضطره إلى استيراد مصاعد من ماليزيا.
يؤكد ناجيا أن هذا المتحف هو أول متحف لفلسطين في التاريخ خارج حدود فلسطين، وأنه غير مملوك لدولة أو منظمة حكومية، بل بجهده الذاتي، وأن رسالته تسليط الضوء على حياة الفلسطينيين قبل الاحتلال وبعده، والتذكير بالجرائم والظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون يوميا.
ومن ضمن رسالة المتحف أيضا، التعريف بظروف المعيشة في فلسطين، وبالثقافة الفلسطينية، والجوانب الحياتية، ومنها الطعام الفلسطيني والزراعة وأهم الصناعات.