واشنطن- يشهد الناخبون الأميركيون من أصول عربية وإسلامية حالة من التشتت والانقسام بشأن المرشح الذي سيدعمونه في السباق إلى البيت الأبيض، وجاء قرار اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي “آباك” (AAPAC) بولاية ميشيغان، بعدم الاختيار بين المرشحين الرئيسيين، الديمقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب، ليكرس الانقسام.
وذكرت اللجنة في بيان اطلعت عليه الجزيرة نت أنها “غير مستعدة للاختيار بين أهون الشرين” اللذين “أيدا الإبادة الجماعية في غزة والحرب في لبنان”. وتعد تلك المرة الأولى التي تمتنع فيها اللجنة عن دعم مرشح منذ تأسيسها قبل أكثر من 20 عاما، إذ سبق أن أيدت جو بايدن عام 2020 وهيلاري كلينتون في 2016 ضد ترامب.
وقالت “آباك” في بيانها “من خلال عدم التصويت لأي من كمالا هاريس أو دونالد ترامب، فإننا لا نبقى صامتين. على العكس من ذلك، نحن ندلي ببيان قوي ونبعث رسالة واضحة: نحن نرفض تأييد المرشحين الذين لا يهتمون بنا أو بمخاوفنا، ويستمرون في تقسيم أميركا، ويتواطؤون في إبادة جماعية مستمرة”.
وتعد اللجنة أحدث مجموعة عربية أميركية في ولاية ميشيغان لا تؤيد مرشحا رئاسيا، مما يضغط على هاريس للخروج على سياسة الرئيس بايدن بشأن إسرائيل إذا رغبت في جذب أصوات هذه الأقلية المهمة في أحد أهم الولايات المتأرجحة.
من جهتها أعلنت حركة “غير الملتزمين” عدم التصويت لهاريس، وتركت أعضاءها أحرارا في طريقة تصويتهم، رغم حثها على عدم دعم ترامب.
وقبل أسبوعين، قررت “إمغيج باك” (Emgage PAC)، وهي إحدى أكبر لجان العمل السياسي الإسلامية الأميركية، دعم هاريس في السباق الرئاسي.
جدير بالذكر أن ولاية ميشيغان تضم أكبر تجمع للأميركيين العرب، فهناك أكثر من 310 آلاف شخص من أصول عربية وفقا لتعداد 2020، وأدلى أكثر من 100 ألف ناخب ديمقراطي في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي بالولاية في فبراير/شباط الماضي بخيار “غير ملتزمين” بدلا من التصويت لصالح بايدن.
انقلاب انتخابي
قلب العدوان المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من عام، وامتداده للبنان خلال الأسابيع الأخيرة، مع دعم كامل من إدارة بايدن وهاريس، دعم العرب الأميركيين التاريخي للمرشحين الديمقراطيين رأسا على عقب. وكشف استطلاع رأي حديث أجراه المعهد العربي الأميركي أن 46% من الناخبين العرب سيدعمون الرئيس السابق ترامب، بينما قال 42% فقط إنهم سيدعمون هاريس.
في حين قال 12% ممن شملهم الاستطلاع إنهم سيصوتون لحزب ثالث، وهو ما يتناقض مع استطلاع للرأي أجراه مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية في سبتمبر/أيلول الماضي، وأظهر أن 29.1% سيصوتون لمرشحة حزب الخضر جيل ستاين.
وكانت حملتا ترامب وبايدن قد ضاعفتا من جهودهما لكسب هؤلاء الناخبين العرب، وعُينت هاريس مديرة للتواصل مع الأميركيين العرب، في حين قاد جهود ترامب “مسعد بولس”، والد زوج ستيفاني ابنة ترامب، الجهود الجمهورية.
خيار ثالث
ويفكر بعض النشطاء الأميركيين العرب والمسلمين في دعم جيل ستاين، مرشحة حزب الخضر، لهزيمة هاريس في الانتخابات، حتى لو كان ترامب سيستفيد بشكل غير مباشر من انشقاقهم عن الديمقراطيين. جدير بالذكر أن أكثر من 65% من العرب والمسلمين صوتوا لصالح الحزب الديمقراطي في انتخابات 2020.
ومن جهتها كثفت حملة ستاين جهودها خاصة في ولاية ميشيغان، وقامت بزيارة رابعة قبل أيام لمدينة ديربورن، المركز الأكبر لعرب الولاية، وكررت مقولة “أنا المرشح ضد الإبادة الجماعية”.
ومن جانبه أعلن أمير غالب، عمدة مدينة هامترامك بميشيغان، وهو أميركي من أصول يمنية، تأييده لترامب.
وفي حديث للجزيرة نت، قال جيريمي ماير، البروفيسور بكلية السياسة والحكومة في جامعة جورج ميسون بولاية فرجينيا، إن “دعم إدارة بايدن وهاريس القوي لإسرائيل يضر بها مع التقدميين، وخاصة الشباب منهم، والأميركيين العرب والمسلمين خصوصا”.
وأضاف أن “هناك الكثير ممن لا يستطيعون ببساطة التصويت لصالح إدارة يرون أنها تتسامح مع الكثير من القتل غير المبرر للأطفال وغيرهم من الأبرياء. سيبقى الكثيرون في منازلهم وسيصوت البعض لصالح ترامب”.
ورغم أن “التصويت لصالح ترامب -لأنك غاضب من دعم إسرائيل- يشبه إطلاق النار على رأسك لأنك تعاني من صداع، لكن البعض سيفعل ذلك” كما يقول ماير.
انقسام متوقع
وفي الوقت الذي يتقاسم فيه المرشحان، الجمهوري دونالد ترامب، والديمقراطية كامالا هاريس، التقدم في استطلاعات الرأي بنسب تقترب من 48% لكل منهما، فإن ذلك يجعل من سباق 2024 أكثر سخونة مع احتمال انتصار أحدهما بفارق ضئيل للغاية.
وهنا تبرز أهمية كل صوت، وخاصة الكتل الانتخابية الصغيرة، ومن بينها الكتلة العربية التي يمكن لها أن تلعب دورا حاسما في ولاية أو أكثر من الولايات المتأرجحة.
وتحدثت الجزيرة نت إلى عدد من الناخبين العرب والمسلمين لاستطلاع آرائهم مع اقترب موعد التصويت في الخامس من الشهر المقبل.
وقال ناخب أميركي من أصول مصرية للجزيرة نت معقبا على قرار اللجنة العربية الأميركية بعدم دعم أي من المرشحين بالقول إنه “قرار جيد وخيار آمن في ظل الإمكانيات المتاحة”. مشيرا إلى أن التبرع السياسي من العرب والمسلمين في أميركا ليس بالضخامة التي يمكن أن تحدث فارقا، أو ترجح كفة طرف على طرف آخر.
وأشار الناخب، الذي تحفظ على ذكر اسمه، “أعتقد أن الامتناع سيصب في صالح ترامب لأننا لو نحينا السياسة الخارجية تماما فسياسات ترامب الداخلية (خارج ملف الهجرة) أقرب لتصورات المسلمين والعرب سواء ما يتعلق باستفادتهم من قراراته الضريبية أو مواقفه من الإجهاض والمثليين والعابرين جنسيا”.
في حين رأت أسماء سلامة، وهي ناخبة من أصول فلسطينية بولاية نيوجيرسي، أن “انقسام الصوت العربي شيء متوقع، الأهم هو زيادة نسبة المشاركة والتصويت للمرشحين المعارضين لدعم العدوان الإسرائيلي، وأن يدفعوا بجيرانهم ومعارفهم للتصويت ضد مناصري إسرائيل”.
بدوره قال صلاح دياب، وهو ناخب من أصول مصرية، إن انقسام التصويت طبيعي لأن الخيارات -برأيه- كلها سيئة أو شديدة السوء، وهذا يرجع إلى طبيعة النظام السياسي الأميركي المحدود بفكرة الحزبين، مؤكدا أن التصويت لمرشح ثالث هو “تصويت غير مباشر لترامب”.