لماذا يواصل الأرمن الفرار من قره باغ؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 6 دقيقة للقراءة

باكو – بوتيرة متسارعة تتواصل عملية مغادرة السكان الأرمن إقليم ناغورني قره باغ، في حلقة لا يزال من غير المعروف هل تكون الأخيرة وتسدل الستار على مسلسل النزاع الذي استمر لعقود بين باكو ويريفان؟ أم لا؟.

وبنهاية سبتمبر/أيلول الماضي، فاق عدد الأرمن الذين فروا من الإقليم  إلى أرمينيا 100 ألف شخص، حسب إفادة نازلي باغداراسيان، السكرتير الصحفي لرئيس الوزراء الأرميني، الذي أشار أن هذا الرقم سيواصل الارتفاع.

أما أرتاك بيغلاريان، المسؤول السابق في سلطات ناغورني قره باغ غير المعترف بها والتي أعلنت رسميا حل نفسها، فأكد أنه لم يبق في المنطقة أكثر من بضع مئات من الأشخاص، مضيفا أن من بين الذين لم يغادروا الإقليم مسؤولون وعمال طوارئ ومتطوعون.

ومع تأكيد الحكومة الأرمينية أنها تعمل على تطوير آليات دولية لضمان أمن الأرمن العرقيين في قره باغ، وأنها تستقبل جميع اللاجئين من المنطقة، فإن السكان الذين غادروا منازلهم وتوجهوا إلى نقاط الاستقبال الأرمنية، يتحدثون عن مشاكل وهواجس يواجهونها، خصوصا مع التدفق الكبير لهم. وتمتد طوابير الانتظار لعدة كيلومترات، لدرجة أن ازدحام السيارات في ممر “لاتشين” يظهر في صور الأقمار الصناعية!

وبعد حوالي 30 عامًا تقريبًا من آخر زيارة لها إلى الجمهورية التي لم يعد لها وجود رسمي، وصلت بعثة أممية تضم مختلف مؤسسات الأمم المتحدة إلى الإقليم للتعرف على الوضع على الأرض وتحديد الاحتياجات الإنسانية للسكان، وتوجهت على الفور إلى منطقة خانكيندي (ستيبانكيرت، حسب التسمية الأرمينية).

رحلة شاقة نحو المجهول

كان الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، قد أكد ضمان حقوق السكان الأرمن وتنفيذ التكامل الاجتماعي والاقتصادي للسكان المحليين في المنطقة، لكن تلك التصريحات السابقة لم تخفف من استعجال السكان بمغادرة قره باغ والتقليل من حالات الفوضى والتخبط التي واجهت بعض جوانب هذه العملية، فضلًا عن المخاوف من المستقبل التي تخيم على المغادرين بعد تركهم لمنازلهم.

في هذا السياق، يقول أرمين أرتونيان، الذي غادر الإقليم قبل أيام قليلة مع أسرته المكونة من 7 أشخاص، إنه قرر استعجال الرحيل من ستيبانكيرت بعد انتشار شائعات مفادها أن الأذربيجانيين قد يغلقون الطريق تمامًا، مما جعل المدينة تخرج بأكملها تقريبا إلى الطريق السريع في طابور ضخم بمجرد فتح ممر لاتشين، وهو الوحيد الذي يربط المنطقة بأرمينيا، وكان مغلقًا جزئيًا منذ ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، ومغلقًا بالكامل منذ أبريل/نيسان العام الحالي.

وفي حديث لا يخلو من مشاعر التأثر، أوضح أرتونيان أن حالة ازدحام سريعة امتدت تقريبًا إلى منطقة غوريس، قبل أن تزداد الحالة ترديًا ويمتد طابور السيارات المتوقفة إلى حوالي 40 كيلومترا، حيث بقي الناس في حالة انتظار لمدة 3 أيام، علما أن أقصى مدة للوصول من ستيباناكيرت إلى نقطة التفتيش لا تتجاوز ساعة ونصفا في الحالات العادية. وأضاف “ببساطة لم نكن مستعدين لمثل هذه الرحلة الطويلة والشاقة”.

قلق من المستقبل

تؤرق مشكلة المستقبل بعد العودة إلى أرمينيا كثيرين من أرمن قره باغ، ومن بينهم أرتاك سوفانيان، الذي يتساءل حول الضمانات الحقيقية التي يمكن أن يحصل عليها من غادر الإقليم، وفيما إذا كانت ستقتصر على مجرد توفير أماكن لجوء مؤقته لهم في فنادق يريفان، أم سيتم تأمين مساكن دائمة وفرص عمل.

ويقول إنه في الوقت الذي يشعر فيه بالإرتياح لمغادرة قره باغ، لديه قلق كبير تجاه المستقبل، وخاصة مع الأوضاع السياسية غير المستقرة في أرمينيا، والأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد.

من جهته، يقول المحلل السياسي الأرميني فاغي أرتوريسيان، إن حالة القلق موجودة لدى من استطاع مغادرة الإقليم ومن لا يزال عالقًا فيه على حد سواء.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال أرتوريسيان  إنه بالنسبة لمن ما يزالون في الإقليم، هناك مخاوف من أنهم أصبحوا ضمن القائمة التي تطالب باكو بتسليمها، وهي التي تضم سياسيين وعسكريين تعتبر الجهات الأذربيجانية أنهم “حققوا نجاحًا كبيرًا في إقامة الجمهورية الانفصالية”، فضًلا عن الشعور بالقلق إزاء احتمال إغلاق الممر الذي لم يكن مفتوحا إلا بالكاد، حسب وصفه.

سياسة دعائية

هذه الهواجس لا تبدو كذلك لدى مراقبين أذربيجانيين، ومنهم الباحث في شؤون جنوب القوقاز أحمد عليلي، الذي يشدد على أن الجانب الرسمي الأرميني يدير حملة إعلامية وحربا نفسية تضر في المحصلة بالسكان الأرمن أنفسهم والرأي العام في أرمينيا.

وحسب رأيه، فإن يريفان “مرتاحة ضمنيًا” لهذا التطور لأنه أغلق ملفًا لم يعد من الوارد أن تشن حروبًا إضافية من أجله، لا سيما بعد اعترافها النهائي وبشكل رسمي بأن الإقليم هو أراضٍ أذربيجانية.

بالإضافة إلى ذلك، يشير عليلي إلى أن ما يصفها بالسياسة الدعائية التي تمارسها يريفان ستؤدي -خلال الأيام المقبلة- إلى عدم بقاء كل الأرمن في الإقليم، ممن وقعوا تحت تأثير التخويف من الخضوع للسطات الأذربيجانية، متابعًا أن الحكومة الأرمينية تلعب على ترهيب السكان بشكل غير مباشر، وفي الوقت ذاته تصور خروجهم بأنه هروب من أعمال التطهير العرقي والترحيل.

واختتم بالقول إنه إذا كان جزء من السكان الأرمن في قره باغ  لا يريد العيش والامتثال للقوانين الأذربيجانية، فلا يمكننا إجبارهم على القيام بذلك. وعلى العكس من ذلك، يعتبر تصريح الرئيس علييف بخصوص الضمانات، خطوة في سياق حث السكان الأرمن على عدم مغادرة أماكن إقامتهم والانضمام إلى المجتمع الأذربيجاني متعدد الجنسيات.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *