نابلس- برصاصة واحدة في القلب قتل جنود الاحتلال الإسرائيلي الطفلة رقية أبو دهوك (4 سنوات) عند حاجز بيت إكسا شمال القدس المحتلة، ثم احتجزوا جثمانها، ولاحقا قاموا بتشريح الجثمان للوقوف على أسباب الموت التي لم تعرف بعد، ولم يكشفها الاحتلال، بالرغم من تسليمه للجثمان بعد 10 أيام من احتجازه.
ورقية واحدة من 25 طفلا تحتجزهم إسرائيل في ثلاجاتها ومقابر الأرقام منذ سنوات طويلة، ثلثهم منذ اندلاع معركة طوفان الأقصى فقط، وترفض تسليمهم لذويهم، ضمن سياسة تنكيل ضد الفلسطينيين تنتهجها إسرائيل منذ احتلالها للضفة الغربية عام 1967.
يقول أحمد أبو دهوك، والد الطفلة رقية، أنه في السابع من يناير/كانون الثاني الجاري، كانت ابنته مع الدتها و3 من شقيقاتها في طريقهن إلى منزلهن في بلدة بيت إكسا شمال مدينة القدس في سيارة أجرة، وبمجرد وصولهن للحاجز الإسرائيلي عند مدخل البلدة تعرضن للتفتيش وفق الإجراء العسكري المعمول به.
وبالكاد مَشين أمتارا قليلة، وإذا برصاص الاحتلال يخترق مركبتهم ويقتل رقية، حيث أطلق الجنود حوالي 32 رصاصة صوب مركبة أخرى كانت تسير خلفهم ادعى الجنود أنها أرادت تنفيذ عملية دهس ضدهم.
تشريح الجثمان
ويضيف أبو دهوك للجزيرة نت “بعد إصابة رقية احتجز الجنود جثمانها، وشرَّحوه دون موافقتنا، بالرغم من أنهم طلبوا حضور طبيب من طرف العائلة، ومع ذلك لم يعترفوا أو يوضحوا سبب الوفاة”.
وبعد 10 أيام من الانتظار الممزوج بالحزن الشديد، تسلمت عائلة أبو دهوك طفلتها رقية، ووارتها الثرى ولسان حالها يقول إن لا شيء سيردع قاتليها، “فهم محتلون وأعداء وقتلة بلا حسيب ولا رقيب”.
ويضيف أبو دهوك “قتلت طفلتي، وشُرِّحت وحجز جثمانها، وأطلق سراحها، ولا أعرف سببا لكل ذلك، ولم أصدق أن تسلمتها ودفنتها، ففي هذه الظروف ظننت أن الاحتجاز سيطول بفعل الأحداث والشهداء الذين يحتجزهم الاحتلال يوميا”.
وتحتجز إسرائيل 463 جثمانا (لا تشمل جثامين الشهداء بمحيط غزة بعد الحرب) لديها، بينهم 18 أسيرا و6 نساء.
منع الطواقم الطبية
وإذا كان الحظ قد حالف عائلة أبو دهوك وتسلمت جثمان طفلتها، فالأمر ليس نفسه بالنسبة لعائلة الطفل خالد حميدات (16 عاما) الذي قتل برصاص الاحتلال قرب مستوطنة بيت إيل شمال رام الله بالضفة الغربية منتصف يناير/كانون الثاني الجاري، واحتجز جثمانه.
وتركت عائلة خالد بوضع صعب، إذ تلقت خبرا من شهود عيان مفاده أن الجنود اعتقلوا خالد وهو “حي ويحرك جسده”، بالرغم من أن الارتباط المدني الفلسطيني أكد لهم خبر استشهاده، وفق ما نقله عن جيش الاحتلال.
ويقول عامر حميدات والد الطفل الشهيد خالد والمنحدر من مخيم الجلزون قرب رام الله إن جيش الاحتلال قتل ابنه مع أنه كان بإمكانه إصابته واعتقاله، ومنع المواطنين والأطقم الطبية من الاقتراب منه وإسعافه، وأطلق الرصاص صوبهم.
ويضيف الوالد المكلوم “الاحتلال زاد في العقاب بعد القتل، فاحتجز الجثمان ليحرق قلوبنا، ويردع به غيره، وهذا لن يكون”.
والطفلان أبو دهوك وحميدات، اثنان من 8 أطفال احتجزت إسرائيل جثامينهم منذ بدء الحرب على غزة فقط، وهم ضمن 24 طفلا محتجزة جثامينهم منذ 2015، وجميعهم محتجزون في الثلاجات، وأحدهم في مقابر الأرقام، في حين تحتجز إسرائيل جثمان الطفل رياض أمين جابر من مدينة الخليل منذ عام 1968، حسب حسين شجاعية منسق الحملة الوطنية لاستعادة جثث الشهداء المحتجزة.
ويقول شجاعية للجزيرة نت -مفسرا التصاعد في أعداد الجثامين المحتجزة- إن الاحتلال عمد إلى احتجاز معظمهم منذ الحرب على غزة، بغض النظر عن علاقتهم بالحدث أم لا، وذلك للتحقيق في ظروف الاستشهاد، ولاحقا يفرج عن بعضهم، ويبقي على آخرين محتجزين.
ويضيف شجاعية أن الاحتلال ينتهج احتجاز الجثامين كـ”سياسة مركبة” بغض النظر عن عمر الشهيد ونوعه، كان شيخا أم امرأة أم طفلا صغيرا، وأنه بذلك يتحكم بحياة الفلسطينيين أحياء وبعد الممات، ويريد من ذوي الشهداء أن يظلوا بحالة حزن دائم كونهم لم يدفنوا أبناءهم.
أسباب احتجاز الجثامين
ويرمي الاحتلال عبر سياسة الاحتجاز إضافة للتنكيل بالشهداء وذويهم، حسب شجاعية، لعقاب الفلسطينيين عموما ومحاولة لخلق حالة من الردع، إضافة لمحاولاته بإخفاء أدلة في بعض القضايا بجثامين الشهداء التي يكون هنالك شكوك حول ظروف إعدامها.
كما أن احتجاز الجثامين، يواصل شجاعية، فيه إعاقة للفلسطينيين أيضا للتحرك بشكل قانوني والمطالبة بفتح تحقيقات حول ظروف الاستشهاد، وبالتالي يخفي الاحتلال الأدلة عن المؤسسات الحقوقية والقانونية، ويمنعها من اتخاذ أي إجراء ضده، خاصة وأن “الشكوك تساور العائلات الفلسطينية دوما بسرقة أعضاء شهدائهم”.
ويضع الاحتلال شروطا عند تسليم الجثامين كتحديد عدد المشيعين بـ25 شخصا، ومنع إدخال كاميرات للمقبرة، ودفع كفالات مالية لتنفيذ هذه الشروط، وفقا للمتحدث.
عام إبادة الأطفال
وبجهود كبيرة استعادت الحملة الوطنية منذ انطلاقتها عام 2008 حوالي 375 جثمانا من مقابر الأرقام والثلاجات، ولا تزال تتابع إجراءاتها في أروقة المحكمة العليا الإسرائيلية.
من جانبها، قالت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فرع فلسطين إن 2023 هو عام “الإبادة الجماعية” بحق الأطفال الفلسطينيين على يد الاحتلال الإسرائيلي. وذكرت الحركة في بيانها السنوي الصادر في التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري إن إسرائيل قتلت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي 8 آلاف طفل في غزة، و81 بالضفة الغربية والقدس مقارنة بـ121 طفلا قتلتهم في العام 2023.
وقدَّرت الحركة العالمية في بيانها أن قرابة 165 طفلا فلسطينيا كان الاحتلال يعتقلهم خلال 2023، وأن ما بين 500 و700 طفل فلسطيني تعتقلهم إسرائيل بسجونها، وتحاكمهم بمحاكم عسكرية.