لماذا يتجه طيف من الإيرانيين للتصويت الاحتجاجي؟

فريق التحرير
كتب فريق التحرير 7 دقيقة للقراءة

طهران- يتفاعل الإيرانيون بشكل مزدوج مع الحملات الانتخابية التي توشك على الانتهاء مع حلول فجر الخميس المقبل، ورغم الدعاية الخجولة والبرود المسيطر على المشهد الانتخابي، لا سيما في العاصمة طهران، يبدو أن النقاش بشأن “التصويت الاحتجاجي” يحتدم بين الأوساط السياسية.

وبعد أن اعتادت المفوضيات العليا للانتخابات في إيران، خلال العقود القليلة الماضية، على إعلان نسبة الأصوات الباطلة عقب كل انتخابات، فإن رفض مجلس صيانة الدستور أهلية الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني للترشح لانتخابات مجلس خبراء القيادة، أعاد النقاش حول “ثنائية التصويت الاحتجاجي والمقاطعة” إلى الواجهة من جديد.

روحاني نفسه كان سباقا في إثارة موضوع التصويت الاحتجاجي هذه المرة، إذ أشار في بيان أصدره عقب إبعاده من خوض المعترك الانتخابي إلى “ضرورة الاحتجاج على خطة إزالة صناديق الاقتراع وإزالة الجمهورية من النظام”، مؤكدا ضرورة “إيجاد طريقة لكي يصبح التصويت الاحتجاجي، الصوت المعبر للشعب الإيراني”.

الأصوات الباطلة

وعلى وقع مطالب القوى المعارضة في داخل إيران وخارجها بمقاطعة الانتخابات، فإن موضوع عدم المشاركة لم يلق آذانا مصغية لدى القيادات العليا للتيار الإصلاحي التي اعترضت بدورها على عدم مصادقة مجلس صيانة الدستور على رفض أهلية غالبية مرشحيها.

لكن اللغة الدبلوماسية التي استخدمها الرئيس السابق حسن روحاني، لتسجيل اعتراض الناخب الإيراني، كانت كافية لإعادة “ظاهرة الأصوات الباطلة أو الأوراق البيضاء في الانتخابات الإيرانية” إلى الواجهة وإثارتها في الأوساط السياسية التي تتوجس من تكرارها في انتخابات الأول من مارس/آذار المقبل.

وبعد أن تراوحت نسبة الأصوات الباطلة في الدورات الانتخابية المتعاقبة خلال العقود القليلة الماضية من 2 إلى 3% من مجموع الأصوات، ارتفعت في رئاسيات 2021 إلى نحو 13% لتحتل المرتبة الثانية بعد خيار الشعب الذي أفرز فوز الرئيس إبراهيم رئيسي.

وبذلك، سجلت الرئاسيات السابقة ارتفاعا في نسبة الأصوات الباطلة مقارنة مع الاستحقاق الرئاسي عام 2017 الذي أعاد انتخاب حسن روحاني رئيسا لولاية ثانية، حيث ذهب نحو مليونين و700 ألف ورقة انتخابية من الأصوات الباطلة التي بلغت 4 ملايين و500 ألف صوت، لصالح الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد بعد رفض مجلس صيانة الدستور أهليته للترشح.

الفتور سيد الموقف في الحملات الانتخابية في إيران (الجزيرة)
الفتور سيد الموقف في الحملات الانتخابية بإيران (الجزيرة)

قراءات متباينة

وبينما يجمع الإيرانيون على أن الأصوات الباطلة ذات دلالات اجتماعية وسياسية، ينقسمون، بنفس الوقت، بشأن دعوة روحاني الناخبين إلى التصويت “للاحتجاج على الأقلية الحاكمة” وما يقصده من التصويت الاحتجاجي، في حين تشاطر شريحة ثالثة المعارضة في الخارج رأيها حول ضرورة مقاطعة الانتخابات.

وإلى جانب شريحة تحذر من مغبة الامتناع عن التصويت وارتفاع نسبة الأوراق البيضاء مما سيضمن استمرار سيطرة المحافظين على البرلمان، تقدم شريحة أخرى قراءة متفاوته بشأن مغزى تصريحات روحاني، وترى أنه يريد التصويت لصالح بعض المرشحين لإفشال المخطط الرامي إلى استمرار الوضع الراهن عبر استبعاد العديد من المرشحين من المعترك الانتخابي.

ودعا محمد توسلي الأمين العام لحزب “نهضت آزادي إيران” المعارض -في تغريدة على منصة إكس- إلى مقاطعة الانتخابات المقبلة باعتبارها “سلوكا احتجاجيا أكثر مدنية لمتابعة المطالب الوطنية الرامية إلى تحقيق الإصلاحات الهيكلية في الدستور”.

المرحلة الأولى من انتخابات الدورة 12 للبرلمان الإيراني تقام في 1 مارس/آذار 2024 (الصحافة الإيرانية)

تصويت احتجاجي

وغرد حسام الدين آشنا، مستشار الرئيس الإيراني السابق، على المنصة إكس “قد لا تستطيع الأغلبية -مهما كانت الأسباب- إرسال قائمتها المفضلة إلى البرلمان، لكن بإمكانها أن تمنع القوائم غير اللائقة من دخول البرلمان عبر تصويتها الاحتجاجي”.

واعتبر المتحدّث باسم حزب “اعتماد ملي” الإصلاحي إسماعيل كرامي مقدم، رفض مجلس صيانة الدستور أهلية المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين “مسيّسًا”، وأرجع سبب ترجيح طيف من السياسيين الإيرانيين التصويت الاحتجاجي إلى رغبتهم في الاعتراض على سلوك مجلس صيانة الدستور وأداء السلطات الحاكمة، لا سيما البرلمان الحالي.

وفي حديث للجزيرة نت، قال مقدم، إن “طيفا من التيارين الإصلاحي والمعتدل يرى في التصويت الاحتجاجي سبيلا لحفظ العملية الانتخابية وعدم التفريط بالاستحقاق الانتخابي عوضا عن المقاطعة، مشددا على ضرورة المشاركة في الانتخابات والتصويت لصالح القوائم والمرشحين الذين يعارضون سياسة الاستفراد بالسلطة”.

61 مليونا و172 ألفا و298 إيرانيا يحق لهم التصويت في انتخابات 2024 (الجزيرة)
61 مليونا و172 ألفا و298 إيرانيا يحق لهم التصويت في انتخابات 2024 (الجزيرة)

الأوراق البيضاء

وخلص مقدم إلى أن التصويت الاحتجاجي يبقى الأمل قائما لدى الناخب الإيراني لمنع إعادة سيطرة التيار المتطرف على البرلمان، موضحا أن شريحة وازنة من الإصلاحيين والمعتدلين يرون في قائمة “صوت الشعب” المستقلة بزعامة السياسي علي مطهري خيارا صائبا لتسجيل الصوت الاحتجاجي.

ويرى السياسي المحافظ محمد مهاجري، أن الأوراق البيضاء في الانتخابات إنما تدل على احتجاج الناخب على الوضع القائم، وستكون أفضل من المقاطعة بما يترتب عليها رفع المشاركة الشعبية من جهة، وتأكيد التزام الناخب بالنظام الانتخابي من جهة أخرى.

وفي حديثه للجزيرة نت، أرجع مهاجري سبب ترجيح شريحة من الناخبين الإيرانيين التصويت الاحتجاجي والتصويت بالورقة البيضاء إلى إبعاد مرشحيها من المعترك الانتخابي أو عدم حضور مرشح مناسب لتلبية تطلعاتها من البرلمان المقبل، موضحا أنه يرى أن بيان حسن روحاني يدعو الناخبين المعترضين إلى الإدلاء بالأوراق البيضاء للاحتجاج على آلية الرقابة الانتخابية والعملية الانتخابية.

مدينة قم جنوب طهران ويبدو أنه لا فرق يذكر بخصوص البرود المهيمن على المشهد الانتخابي حتى الآن.
الحملات الانتخابية في مدينة قم جنوب طهران تتسم بالبرود (الجزيرة)

إشارات الاحتجاج

ولدى إشارة الناشط السياسي المحافظ إلى أن شريحة من موظفي الحكومة تشارك بالورقة البيضاء لكي تتميز عن المقاطعين للعملية الانتخابية، عبر عن أسفه على عدم التقاط السلطة الحاكمة إشارات الناخب الإيراني الذي سجلها خلال الانتخابات الماضية عبر الأصوات الباطلة.

وعقب رئاسيات إيران 2021، قال المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي -لدى استقباله الرئيس إبراهيم رئيسي ومسؤولي السلطة القضائية- إن “من يأتي إلى المراكز الانتخابية ليس غاضبا من صندوق الاقتراع، وإنما يريد التصويت، لكنه عندما لا يرى المرشح الأمثل يدلي بصوت باطل، من الواضح أنه مهتم بالانتخابات ومهتم بصندوق الاقتراع ومهتم بالنظام”.

وما عدا التصويت الاحتجاجي الذي يرمي إلى منع مرشحي تيار محدد من الفوز بغالبية مقاعد البرلمان ومجلس صيانة الدستور، فإن شريحة من المراقبين الإيرانيين يرون أن الأصوات الباطلة والأوراق البيضاء ستنعكس إيجابا على استمرار الوضع الراهن في البلاد.

شارك المقال
اترك تعليقك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *