واشنطن- منذ الساعات الأولى للعدوان على قطاع غزة وعقب بدء عملية “طوفان الأقصى”، اتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقفا حادا وصارما في دعمها للاحتلال الإسرائيلي عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، في الوقت الذي امتنعت فيه -حتى الآن- عن المطالبة بوقف إطلاق النار بين الجانبين.
ويرى دبلوماسيون وخبراء أميركيون -تحدثوا للجزيرة نت- أن بايدن لا خيار أمامه سوى إعلان الدعم المطلق لإسرائيل في العلن، لكن مع حثها على مراعاة المدنيين في السر، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والهجوم المتوقع من الجمهوريين إذا قامت إدارة بايدن بعكس ذلك.
وتعهد بايدن بدعم إسرائيل في سعيها للانتقام من هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) غير المسبوق، وخلال خطاباته حول الأزمة، منح بايدن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مجالا واسعا للرد العسكري.
لم يتطرق بايدن لضرورة وقف إطلاق النار أو خفض التصعيد، وبدلا من ذلك اتخذ البيت الأبيض خطوات عسكرية فورية لدعم إسرائيل، فأمر بنشر حاملة طائرات، وعدد آخر من القطع العسكرية البحرية قبالة سواحل إسرائيل، إضافة لتعزيز أسراب القوات الجوية في الشرق الأوسط، وتسليم شحنات طارئة من الأسلحة والذخائر. وتوجت تلك الجهود بزيارة وزير الدفاع الأميركي الجنرال لويد أوستن لإسرائيل.
وتحركت إدارة بايدن دبلوماسيا أيضا، من خلال زيارة مكوكية يقوم بها وزير الخارجية أنتوني بلينكن لدول المنطقة، بدأها بزيارة إسرائيل في سعي لتأكيد الدعم الأميركي، وبعث برسائل لعواصم الدول الحليفة بضرورة إدانة ما قامت به حركة حماس، والضغط عليها للإفراج عن الرهائن المحتجزين لديها.
غياب دعوات وقف القتال
في هذا السياق، أشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، والذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى أن “إدارة بايدن تقوم بعمل دبلوماسي رفيع المستوى، وتحاول أن تبدو داعمة لإسرائيل علنا، بينما تعمل سرا لتشجيع إسرائيل على اتباع مسار يعترف بالحاجة إلى اتباع قواعد الحرب، وتقليل انتهاك حقوق الفلسطينيين الأبرياء الذين هم أبعد ما يكونون عن كونهم إرهابيين من حماس”، وفق حديثه للجزيرة نت.
ومنذ بدء عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، اتخذت الدوائر الأميركية الرسمية وغير الرسمية، مواقف مؤيدة لإسرائيل، حيث لم يطالب أحد بوقف إطلاق النار أو خفض التصعيد.
وكان هناك بعض الاستثناءات الضئيلة بين أعضاء الكونغرس، إلا أن هذه الأصوات -مثل النائبة إلهان عمر أو السيناتور بيرني ساندرز- تعرضت لهجوم كبير بسبب دعوتها لوقف القتال والحفاظ على حياة المدنيين في كلا الطرفين.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار الدبلوماسي السابق وخبير الشؤون الدولية ولفغانغ بوستزتاي، إلى أنه “وبالنظر إلى حجم الفظائع التي ارتكبتها حركة حماس والتي جاءت على غرار فظائع تنظيم الدولة، والتي ذبح فيها أكثر من ألف مدني، بما في ذلك العديد من الأطفال وكبار السن، فإن إدارة بايدن تتفهم رغبة إسرائيل في معاقبة هذه المنظمة الإرهابية بشدة لمنع هجوم مماثل متجدد”، على حد قوله.
وكررت أوساط إسرائيلية وأميركية مزاعم استهداف النساء والأطفال لكن دون أن تقدم دليلا على ذلك، في المقابل نفت حركة حماس استهداف المدنيين ونشرت مشاهد لإطلاق سراح سيدة إسرائيلية وطفليها، كما بثت مشاهد لتعامل مقاتليها مع الأطفال خلال اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى”.
تعليمات صارمة
في الإطار ذاته، أشار تقرير نشره موقع “هاف بوست” إلى تعليمات داخلية وجهت إلى موظفي وزارة الخارجية تطالبهم بعدم التطرق لـ3 عبارات محددة، وهي “خفض التصعيد/وقف إطلاق النار”، و”إنهاء العنف/إراقة الدماء”، و”استعادة الهدوء”.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، حذف بلينكن تغريدة على موقع إكس تحدث فيها عن مهاتفته لنظيره التركي هاكان فيدان، بحثا فيها خفض التصعيد، واستبدل بها بلينكن تغريدة أخرى سلط فيها الضوء على تركيز الولايات المتحدة الثابت على وقف هجمات حركة حماس وضمان إطلاق سراح كافة الرهائن.
وفي حديثه للجزيرة نت، اعتبر خبير الشؤون الإستراتيجية ومدير مؤسسة دراسات دول الخليج جورجيو كافيرو، أنه “في هذه اللحظة، تبذل إدارة بايدن قصارى جهدها لدعم حرب إسرائيل على غزة، والانتقام من الهجوم المفاجئ الذي شنته حماس، وهو ما يعد أولوية أعلى من أي عوامل إنسانية، وفقا لتفكير البيت الأبيض”.
وفي خطاب ألقاه يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن “لإسرائيل، شأنها شأن كل دولة في العالم، الحق في الرد -بل عليها واجب الرد- على هذه الهجمات الشريرة”، ثم أكد أنه “يجب ألا يكون هناك شك في أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل”.
وكرر بايدن موقفه -عقب إجرائه مكالمة الثالثة مع نتنياهو- بالقول “قلت له إذا مرت الولايات المتحدة بالتجربة نفسها التي تعيشها إسرائيل، فإن ردنا سيكون سريعا وحاسما وساحقا”.
Looks like the Secretary of State deleted this tweet and replaced it with below, removing the reference to advocacy for a cease-fire https://t.co/5ao9ntSkYT pic.twitter.com/roWlsCDV2P
— Robbie Gramer (@RobbieGramer) October 9, 2023
معضلة الضحايا المدنيين
يرى مراقبون أن إدارة بايدن لا تملك ترف الإفصاح علنا عن مطالبتها للجانب الإسرائيلي بالحفاظ على حياة المدنيين الفلسطينيين، وأكدوا أن هذا يجري بلا شك خلف الأبواب المغلقة.
واعتبر السفير الأميركي ماك أن “الأولوية الأولى على المدى القصير لإدارة بايدن هي إخراج كل من اليهود الأميركيين والأميركيين من أصل فلسطيني من طريق الأذى، سواء في إسرائيل أو قطاع غزة”.
وأكد أن حلفاء بايدن سيدفعونه ويدفعون إدارته “إلى إصدار دعوات أقوى لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو لإعطاء الأولوية للمخاوف الإنسانية”.
وقال الدبلوماسي السابق بوستزتاي، إن “بايدن لن يقبل بارتفاع عدد الضحايا بين المدنيين الفلسطينيين. لذلك دعت الولايات المتحدة إسرائيل إلى احترام القانون الدولي للحرب، ومع ذلك ربما لا يكون هذا تفويضا مطلقا لإسرائيل لمواصلة الهجوم على مدى فترة زمنية أطول. ومن المرجح أن يقتصر على بضعة أيام أو بضعة أسابيع”.
وتوقع بوستزتاي أنه “وبعد الحرب، سيدفع الرئيس بايدن بقوة كبرى من أجل إحراز تقدم في التسوية السلمية للصراع الفلسطيني. ومن المؤكد أن الصراع العربي الإسرائيلي الذي لا نهاية له، ليس في مصلحة الولايات المتحدة”.
ورأى الخبير كافيرو، أنه “بطبيعة الحال، ستتحمل الولايات المتحدة الكثير من المسؤولية الأخلاقية عن تصرفات إسرائيل ضد 2.3 مليون شخص محاصرين في غزة، نصفهم تقريبا من الأطفال”.
وتابع “لكن يجب أن نفكر في السياسة الداخلية الأميركية والطرق التي سيهاجم بها الجمهوريون بايدن بشراسة، إذا كانت هناك أي خلافات واضحة بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو وسط هذه الأزمة التي تتكشف قبل أقل من 13 شهرا من الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة”.